أسامة سعد لـ RebuildSyria.cz: علينا التحرك كقوى تغيير لنفرض واقعاً سياسياً جديداً وإلّا الأمور ذاهبة إلى الأسوأ

  Saida TV
لبنان
مقابلة للأمين العام للتنظيم الشعبي الناصري النائب الدكتور أسامة سعد أجراها معه الصحافي كريم العارف مراسل الموقع التشيكي RebuildSyria.cz.


ومما جاء في المقابلة:
بالحديث عن الوضع القائم على ساحة لبنان السياسية، قال رئيس مجلس النواب نبيه بري رداً على سؤال لصحيفة “الجمهورية“: “إن الوضع ليس مريحاً على الاطلاق، فقد دخلنا في النفق ولا أعرف كيف سنخرج منه، وأن الوضع الحكومي مسدود بالكامل. امّا لماذا هذا الانسداد؟ فبالتأكيد انّ الجواب هو لدى رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف“، مضيفا أنه يأمل أن “يتمكّن الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون من أن يفعل شيئاً في زيارته المقبلة، وما علينا سوى أن ننتظر“، هل من الممكن أن تشرح لنا ما هو السبب الرئيسي الذي أوصل عملية التأليف الحكومي إلى الانسداد الكلّي؟
أسامة سعد: ليست المرة الأولى التي تصل فيها الحالة في لبنان إلى هذا التأزم السياسي، وبالتالي ما يجري الآن متوقع، وهو جزء من الواقع اللبناني المأزوم، ومنذ سنوات طويلة، كانت القوى السياسية التي تشكل السلطة تتصارع على الدوام في مـا بينها، وينتهي الصراع إلى تسويات حول تقاسم مغانم السلطة، هكذا كانت الأمور تسير وهذا ما أوصلنا إلى كل هذا الإنهيار، فهذا الأداء السياسي لمن تداول السلطة منذ الطائف حتى اليوم هو ما أوصل البلاد إلى حالة الإنهيارات الكبرى على المستوات المالية والإقتصادية والإجتماعية، ولا سيما التداعيات الإجتماعية الناتجة عن هذا الإنهيار الإقتصادي والإجتماعي، فضلا عن الأزمات السياسية المستحكمة، فقد مررنا بمحطات عدة كان هناك فراغ في رئاسة الجمهورية، وأكثر من مرة كان هناك وقت طويل لتشكيل الحكومات، الملاحظ حاليا أنه في ظل هذه الأزمة الكبيرة القائمة الآن، أن القوى السياسية لا تتحمل مسؤولياتها في تشكيل سلطة لا تجترح المعجزات بقدر ما توقف الإنحدار، وهذا الأمر لم يحصل، ما هي الأسباب؟ فهي الأسباب المعتادة ولم يتغير شيء، كون السلطة تمارس النهج نفسه ولم يتغير شيء.
وهل برأيكم أن زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون المرتقبة من المفترض أن تشكل خرقا ما وتعيد إحياء عملية التأليف الحكومي؟
أسامة سعد: واضح أن المبادرة الفرنسية قد تراجعت كثيرا، فقد كانت هناك زيارة أولى وزيارة ثانية وحاليا هناك زيارة ثالثة، يقال أن الزيارة الثالثة ستكون مؤثرة للغاية، وهناك لقاء بروتوكولي بسيط، ضمنه لقاء يجمع بين الرئيسين، ومعظمها زيارة للقوات الفرنسية المشاركة في اليونيفيل، فمن الواضح أن المبادرة الفرنسية أحبطت، وأن الوضع في لبنان في حالة إنسداد سياسي كامل، وعصي على المعالجة في المدى المنظور، نحن أمام مخاطر جدية لانهيار سياسي، وانهيارات ان شاء الله لا نصل إليها من الناحية الأمنية نتيجة تردي الأوضاع المعيشية لأكثرية الشعب اللبناني، فالكثير من اللبنانيين يعانون من أوضاع معيشية صعبة ودون أي معالجة، والواضح أن مبادرة الرئيس الفرنسي غير ناجحة.
بالحديث عن الرئيس ماكرون، ما هو رأي التنظيم الشعبي الناصري بالنسبة للمبادرة الفرنسية التي من المفترض أن تشكل نقطة انطلاق الإصلاحات السياسية والاقتصادية بالإضافة إلى محاربة الفساد؟
أسامة سعد: نحن نقول أن لبنان يجب أن يذهب لمعالجات وطنية لملفاته سواء المالية أم الإقتصادية أم الاجتماعية انطلاقا من لبنان، وليس عبر المعالجات الخارجية، فهي ليست الدواء الشافي لأزمات لبنان، نحن بالبداية كانت لنا ملاحظات ليس على ما تطلبه المبادرة بل اعتراضات على الشكل، فنحن نريد حلولا وطنية لأزمات البلد، وتبدأ الحلول الوطنية بالمعالجة السياسية لأزماتنا، وتفاهمات سياسية، نحن طالبنا في البداية وبعد 17 تشرين بمرحلة انتقالية، وبحكومة انتقالية، لزمن محدد وبصلاحيات استثنائية، ليحصل هذا الإنتقال السلمي والآمن من واقع الأزمة إلى واقع جديد، لكن قوى السلطة لم تكن تتجاوب مع هذا المطلب، وهي حتى هذه اللحظة لا تتجاوب مع هذا المطلب، وبالتالي أي مبادرات خارجية ستكون محل تجاذب واختلاف بين اللبنانيين، ولكن عندما يتفق اللبنانيون على حل وطني للأزمة، وهو ما نطرحه، أي عبر الإنتقال السلمي والآمن والوطني من واقع إلى واقع جديد، وهذا ما نطالب به، لذا لسنا متحمسين لأي مبادرات خارجية وندعو للإتفاق الداخلي لنصل إلى الطريق الصحيح لمعالجة كل الأزمات، سواء كان طابعها سياسيا أم إقتصاديا أم إجتماعيا، نحن لسنا ضد التعامل مع العالم، مع كل دول العالم، ما عدا العدو الصهيوني، إنما يجب أن يكون لدى اللبنانيين رؤية لمعالجة أزماتهم، لا أن تأتي الحلول من الخارج.
في موضوع محاربة الفساد، أعلنتم مؤخرا عن وجوب إقرار قانون إستقلالية القضاء، بالإضافة إلى تفعيل هيئات الرقابة الإدارية والمالية، أي بحسب رأيكم كتنظيم سياسي، هنا فقط تكمن الضمانة الوطنية الحقيقية للعدالة في لبنان، فالعنوان الأبرز لحياتنا العامة في لبنان هو فساد السياسة قبل أي فساد آخر، هنا نسأل هل من الممكن أن تشرح لنا كيف من الممكن تحقيق اقرار قانون استقلالية القضاء في ظل النظام السياسي القائم المبني على المحاصصة السياسية الطائفية؟
أسامة سعد: التغيير في لبنان ليس موضوع فرد، فقانون استقلالية القضاء يحتاج لتعديل في موازين القوى، فنحن أمام تحدٍّ جدي، فقوى التغيير مُطالبة بأن تجمع وتحشد قواها لتعديل توازن القوى في البلد لمصلحة التغيير، ومن ضمنها قانون استقلالية القضاء، ومن ضمن هذه الحكومة الإنتقالية التي نقترحها إقرار قانون استقلالية القضاء، هناك مشروع لاستقلالية القضاء موجود في المجلس النيابي، ولكن متوقف، ولكن إن كنا نتحدث عن إصلاحات جدية وعلى رأسها قانون استقلالية القضاء، فنحن نحتاج لموازين قوى جديدة تفرض هذا المسار، لذا نقول أن على قوى الإنتفاضة الضغط بهذا الإتجاه، وطالما ليس هناك مجال لقيام حكومة انتقالية فعلينا الضغط لإقرار هذا القانون، وهذا الأمر يشكل ضمانة لحقوق الناس أولا، كما ويشكل ضمانة لنزاهة الإنتخابات، وقوة قانونية لمواجهة منظومة الفساد في البلد والمحمية من أطراف سياسية سلطوية.
بالحديث عن السلطة القضائية في لبنان، وتحديدا بالنسبة لموضوع ادعاء القاضي صوّان على رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب والوزراء السابقين الثلاثة… ما هو رأيكم بقرار القاضي؟ بمعنى آخر، هل هو قرار هدفه التوظيف السياسي الذي من شأنه إسقاط العدالة، أو أن هذا القرار هو عبارة عن “قنبلة دخانية” كما وصفه لنا صحافي معروف يقوم على متابعة الملف؟
أسامة سعد: بصراحة قرار القاضي صوان لا يمكن فصله عن رسالته التي أرسلها لمجلس النواب منذ فترة، والتي اتهم فيها حوالي 12 وزيرا وأربعة رؤساء حكومات، ولا أستطيع أن أفهم لماذا اختصر الموضوع ووجه الإتهام لثلاثة وزراء ورئيس حكومة، لا أعرف ما المعطيات التي لديه، ولكني غير مطمئن لمسار العدالة في لبنان، وما جرى في بيروت في 4 آب (أغسطس)، هو جريمة، وبالأساس إذا كانت ثمة محاسبة، فيجب أن تكون محاسبة سياسية، وكما ذكرت سابقا فالفساد فساد سياسي، وهذا الفساد السياسي ينعكس على كل الملفات، بما فيها ملف التحقيق، وينعكس أيضا على كل المؤسسات وبما فيها مؤسسة القضاء والإدارة والإقتصاد والمال وكل شيء، فالفساد السياسي هو سيد الفساد في لبنان، فلا يمكن أن نقول ما الصحيح في هذا الملف وإن كان هناك تسييس فعلا؟ وهل سيؤدي الموضوع إلى تضييع الحقيقة؟ وأعتقد أن العديد من الأمور في البلد ضاعت بهذه الطريقة.
من بيان خلال اجتماع عُقد في مدينة صيدا برئاستكم منذ بضعة أيام، أعلن المجتمعون “القيام بسلسلة اتصالات بهدف تعزيز التعاون مع سائر قوى الانتفاضة، هل من الممكن أن تطلعنا على تفاصيل الاجتماع؟
أسامة سعد: الإجتماع تكملة لاجتماعات سابقة، وأعلنت فيه توجهات أساسية للمرحلة المقبلة، والتحديات التي أمامنا، وأعتقد أن هناك ثلاثة عناوين أساسية، أولها تحميل القوى التي تداولت السلطة وعلى مدى سنوات ما جرى ويجري على اللبنانيين، وإدانة هذه القوى، وتحميلها كامل المسؤولية، أما العنوان الثاني فهو رفض تحميل اللبنانيين أكلاف الخسائر التي نتجت عن هذه الإنهيارات المالية والإقتصادية والإجتماعية وأوزار هذه الطبقة السياسية فهم ضحايا، والعنوان الثالث هو المطالبة بالحقوق الأساسية للبنانيين، وهي تحديدا حق الرعاية الصحية، والتعليم وفرص العمل والمستوى المعيشي اللائق والإدارة الشفافة، والمياه النظيفة والكهرباء وضمان الشيخوخة والضمان الإجتماعي وغيرها من القضايا التي هي حقوق إنسانية ومرتبطة بالكرامة الإنسانية للبنانيين وحقهم فيها، فهي ثلاثة عناوين تفرض عدة مهام، منها التواصل مع قوى الإنتفاضة لتوحيد الجهود من أجل الضغط باتجاه تحقيق هذه المطالب، وبالتالي تعديل موازين القوى في البلد، لمصلحة هذه الكتلة السياسية والشعبية والأهلية والنقابية التي مفترض أن تتشكل لتفتح طريق للتغيير في لبنان، وهذا ما قصدنا فيه بالبيان الذي صدر.
من هي هذه المجموعات التي يتم التواصل معها؟
أسامة سعد: هي مجموعات كثيرة وبأعداد كبيرة، وهي تقريبا تصل إلى ما بين 70 و80 مجموعة، وهي قوى ناشطة في الإنتفاضة وكانت لها إسهامات جدية، وهي أيضا تقوم بإجراء مراجعة للتجربة الماضية، وفي هذه المناسبة، فانتفاضة 17 تشرين حققت حدثا كبيرا واستراتيجيا في تاريخ لبنان، إذ أدخلت الجيل الجديد والشباب تحديدا في الشأن العام بعد طول إقصاء من قبل قوى السلطة، فقد أقصت هذه القوى الشباب عن الحياة العامة، لتأتي 17 تشرين وتُدخل الشباب عنوة في صلب الحياة العامة، وفي صلب العمل السياسي، وقد دخل هذا الجيل إلى الحياة العامة دون خبرة سياسية، ولا تجربة نضالية، وخلال هذه الفترة تبلورت لديه هذه الخبرة، وبالتالي بدأ يبحث هذا الجيل والمجموعات عن الخطوات الواجب القيام بها لبلورة رؤية سياسية للتغيير في لبنان، هذا أمر إيجابي، بل أعظم إنجازات 17 تشرين، فلن أقول أسقطت حكومات أو ألفت حكومات وفرضت تغييرا للنظام، بل إنجازها الأعظم كما ذكرت هو إدخال جيل الشباب عنوة في صلب الحياة العامة.
هل يوجد ضمن المجموعات أفراد تابعون للسلطة وعادت وغيرت النهج وسياستها وتعتبر نفسها جزءاً من الإنتفاضة، وتسعى للتغيير الجدي للنظام؟
أسامة سعد: لدي علامات استفهام حول هذه القوى التي مارست السلطة على مدى سنوات طويلة، وشاركت في الحكومات السابقة وتتحمل مع الآخرين مسؤولية ما جرى على اللبنانيين، وتقول إنها أصبحت في موقع مختلف، وبالتالي لا أطمئن لهذه المجموعات الحزبية، وأعتقد أن هذه المجموعات التي تحولت إلى الشارع كمعارضة بغرض تحسين شروطها مع الأطراف الأخرى، فلا تعاون معها، والأمور توضحت فهناك فرز لهذه القوى والمجموعات.
على هذا الأساس، وفي ظل التردي المتسارع للوضع الاقتصادي والاجتماعي القائم في البلاد، هل من الممكن أن نتوقع عودة الانتفاضة إلى ساحات مدن لبنان الرئيسية؟
أسامة سعد: هناك تقديرات بالتأكيد، نحن نخطط لتفعيل الحضور السياسي والشعبي في الساحات والشوارع، تحت العناوين التي ذكرتها، حتى نجمع قدرات وإمكانيات لتعديل موازين القوى فلن نستسلم لهذا الواقع، فنحن نرى أن المخاطر محدقة، فالإنفجار الإجتماعي يعبر عن نفسه يوميا، وقد يوصل هذا الإنفجار الإجتماعي إلى فوضى عارمة، وإلى انهيار أمني، ونحن لا نريد الوصول إلى ذلك، لذا من المفترض أن نذهب إلى تنظيم الإعتراضات على هذا الواقع السياسي والمالي والإقتصادي والإجتماعي، حتى لا تذهب الأمور نحو الفوضى وألا تذهب نضالات 17 تشرين سدى، فلا بد من استمرار هذه الإنتفاضة وتنظيم صفوفها أكثر، وخصوصا في المرحلة المقبلة، وهو ما سنسعى إليه، وهو ما يتجه إليه البيان الذي ذكرته، بإعادة تأثير قوى الإنتفاضة على الواقع الإقتصادي والسياسي والمالي والإجتماعي في البلد، بحيث نعطي الأمل بأن هناك إمكانية للتغيير في البلد ومعالجة أزماتنا باستعادة هذه الحركة الشعبية.
بالحديث عن انتفاضة 17 تشرين، التي اعتبرتها بعض أحزاب السلطة مدعومة بل مسيرة من جهات خارجية، قرأنا مؤخرا في بعض الصحف والمواقع الإخبارية عن نظريات تآمرّية تُحاك حول الحراك الشعبي، وآخرها يتعلق تحديدا بالدور البريطاني واختراقه للمجتمع والأحزاب بهدف محاولة صنع رأي عام، فما هو تعليقكم على هذا الموضوع؟ وبحسب علمكم هل هناك فعلا جهات خارجية خرقت انتفاضة 17 تشرين وحرفتها عن أهدافها الرئيسية؟ ومن هي؟
أسامة سعد: أي انتفاضة أو ثورة شعبية تحاول قوى مختلفة محلية وإقليمية أن تستثمر فيها، وكما ذكرت فهناك قوى في السلطة انقلبت وأبعدت أو أقصيت أو هي أقصت نفسها عن السلطة، وذهبت إلى المعارضة وحاولت أن تستثمر في انتفاضة الشعب اللبناني، والتي هي انتفاضة تكتسب كل المشروعية لأنها ناتجة عن مواجهة وظروف مأساوية ومعيشية يعيشها الشعب اللبناني، فهي تعبير عن غضب عارم أعاد كافة القضايا من القاع إلى السطح، وقد انضمت اليها كوادر شبابية ثورية تبغي التغيير، ومتخلية تماما عن كل انتماءاتها الطائفية والمذهبية ورفعت الهوية الوطنية، ومع هذه الإنتفاضة حاولت بعض قوى السلطة ركوب الموجة، بالمقابل هناك قوى في موقع العداء لهذه الإنتفاضة وهي قوى سلطوية، واتهمتها بأنها ثورات ملونة ومسّيرة من المخابرات الخارجية، ولكن هذه الإنتفاضة لها مشروعيتها، وهي انتفاضة نظيفة تعبر عن إرادة الشعب اللبناني والأجيال الجديدة وترفع مطلب التغيير، وقد تخترق سفارة مجموعة ما ولكن هذا لا يغير الوجهة بأن هناك نظاما فاسدا وأن هناك قوى شعبية وشبابية تحركت في مواجهة هذا النظام، وكثير من أطراف السلطة اتهموا السلطة بأنها مسيّرة وكذا وكذا، وبعض مقالات الصحف كتبت شيئا مشابها، ولكن لم أجد أي وقائع تدين قوى في الإنتفاضة عدا أطراف سياسية في السلطة، وحتى ما قيل عن استخبارات بريطانية وما شابه في بعض المقالات، فلم أجد في المضمون شيئا محددا، بل كلاما عاماـ، وما ذكرته هذه الصحف، يمكن لأي جهاز مخابرات أن يقوم به وليس الإنجليز فحسب، بل من كل الجهات وليس الغرب فحسب، بل من الغرب وغير الغرب، فالجميع يعمل بنفس الطريقة، فهناك طريق لقمع الإنتفاضة باتهامها بأنها تابعة لإرادات خارجية واستخبارات وكذا وكذا.
منذ نيل لبنان استقلاله عام 1943، وحتى اليوم، ليس سرا أن الجمهورية ذو الموقع الجيو–الاستراتيجي المميز تحولت للأسف إلى ساحة مفتوحة للصراعات بين القوى الإقليمية والعالمية، وهو واقع أدّى ولا يزال إلى استمرار عدم الاستقرار السياسي المزمن الذي من الممكن اعتباره العائق الاساس لأي مشروع يهدف إلى تطوير الاقتصاد الريعي وهو أمر لبنان بأمس الحاجة إليه اليوم قبل الغد بحسب الخبراء الاقتصاديين، كيف برأيكم من الممكن تحصين لبنان سياسيا من التدخلات الخارجية وعلى من تقع المسؤولية الكبرى التي أباحت على تحويل البلاد إلى ساحة للتصفيات الإقليمية؟
أسامة سعد: مع الأسف هذا التوصيف ينطبق على لبنان وعلى كل البلدان العربية، فكل البلدان العربية أصبحت ساحة صراع وتفاهمات وتسويات بين الأقوياء الإقليميين والأقوياء الدوليين، هذا واقع لبنان وواقع سوريا والعراق واليمن وليبيا والسودان، هو واقع مؤسف بعد انحسار المشروع النهضوي العربي والتحرري، وقد وجدنا أن الساحة أصبح فيها فراغ، وهذا الفراغ أتت معه قوى إقليمية قوية وقوى دولية لتملأه، وتتحول معظم الدول العربية إلى ساحات صراع إقليمي ودولي لتقاسم النفوذ، والشعوب العربية ومنها الشعب اللبناني مسلوبة الإرادة، وبالتالي فهذا واقع غير سليم، وعلينا كوطنيين لبنانيين، وعلى الوطنيين السوريين والعراقيين واليمنيين وكل الوطنيين في العالم العربي مواجهة هذا التحدي، تحدي فرض الإرادات الخارجية على بلدانهم، فضلا عن السعي لبناء الدولة العصرية، وفي كل قطر من هذه الأقطار، دولة حقوق الناس، دولة تحترم الكرامة الإنسانية، هذا ما نريده، وما يجب العمل عليه، نحن كوطنيين لبنانيين علينا تعزيز المشروع الوطني اللبناني والهوية الوطنية اللبنانية وهي هوية جامعة، في مواجهة الإنتماءات الطائفية والعصبيات المذهبية، حتى نتجه في الإتجاه الصحيح، برفض الوصايات والتبعيات وهيمنة المشاريع الخارجية، وأنه لدينا حلولنا الوطنية لملفاتنا وقضايانا المتعددة، سواء كان لها طابعا وطنيا أو سياسيا أو اقتصاديا أو إجتماعيا أو غيرها من المواضيع، هو تحدٍ أمام القوى الوطنية التي تؤمن بالتغيير وأنه لا بد من بناء الدولة العصرية الحديثة، فإذن تحول لبنان إلى ساحة، كون القوى الطائفية هي من حولته إلى ساحة، ما فتح الأبواب للتدخلات الخارجية الإقليمية، وحاليا أكثر بسبب الإنهيارات، وكنا نقول سابقا أن ثمة ملفات استراتيجية هامة في لبنان، مثل موضوع الصراع مع العدو الإسرائيلي، مثل موضوع المقاومة، موضوع الإخوة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، الإخوة النازحين السوريين في لبنان، العلاقات اللبنانية السورية، ترسيم الحدود، النفط والغاز في البحر، فهذه الملفات الإستراتيجية جميعا يتداخل فيها الوطني مع الإقليمي مع الدولي، وكنا نقول أن هذه الملفات تخضع لإرادات دولية، فالآن حتى الموضوع المالي مدوّل، والإقتصادي والإجتماعي مدوّل، لأن هناك دولا تعرض مساعدة لبنان إنسانيا واجتماعيا، فهذا النظام الطائفي والقوى الطائفية، هي من فتح الأبواب لتدويل كل ملفات البلد، وبالتالي فتحته لكافة المخاطر ولكل الإستباحات، فواقعنا اللبناني مستباح، وتتحمل المسؤولية في هذا الأمر القوى الطائفية.
بالحديث عن التدخلات الخارجية، هل برأيكم فكرةَ ومشروع الحياد الذي طرحه البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي من شأنه أن يشكل سدا أو على الأقل التخفيف والحد من مستوى التدخلات الخارجية على ساحة لبنان السياسية؟
أسامة سعد: لبنان بملفاته الحساسة، الأساس وقبل الحديث عن موضوع الحياد، أن توضع هذه الملفات وتناقَش على أنها ملفات وطنية، لا ملفات خاضعة للتجاذبات المذهبية والطائفية، ولا ملفات خاضعة لمطالب ومصالح الدول، وعلى هذه الملفات أن تناقش وطنيا وأن تراعى فيها المصالح العليا للبنان ومصلحة الشعب اللبناني، فموضوع المقاومة البعض يضعه في خانة أنه قضية للشيعة، وأنها تهدد السّنة والمسيحيين، وقضية الإخوة الفلسطينيين بأنها قوة للسّنة وتهدد الآخرين، وأن السوريين أيضا، فالبحث في هذه الملفات ضمن هذه المفاهيم القاصرة وما تريده هذه الجهة الدولية أو تلك، فإننا بذلك نضع البلاد أمام انقسامات خطيرة، وبالتالي لا يمكن الوصول إلى نتيجة. فهذا ليس حيادا بقدر ما هو معالجة وطنية لملفاتنا، البعض يسميه حيادا، ولكن في هذا المجال ليس موضوع حياد، وفي هذا المجال، سأذكر حادثة تاريخية، فبعد الإنفصال بين مصر وسوريا، كان الوالد معروف سعد بزيارة للراحل الرئيس جمال عبد الناصر، وكانت العلاقات بين مصر وسوريا في أسوأ حالاتها، ويوصي عبد الناصر الوالد بأنه في لبنان يجب أن يكون لدينا حرصا شديدا على الوحدة الوطنية اللبنانية، وأنه في لبنان يجب أن يكون لنا أفضل العلاقات مع سوريا بصرف النظر عن النظام الحاكم في سوريا، فهذه الرؤية الإستراتيجية للمصالح الوطنية والقومية، فعبد الناصر المختلف مع النظام في سوريا، يوصي معروف سعد بالحرص على الوحدة الوطنية وعلى علاقات جيدة مع سوريا، فضلا عن محطات عدة، فمثلا في عهد عبد السلام عارف عندما أراد العراق أن يغزو الكويت، تصدى عبد الناصر لهذه الرغبة العراقية، ووقف بوجهها، لاعتبار هذه الخطوة مقدمة لتدخل أميركا وبريطاني بمواجهة العراق، وأيضا في أيلول الأسود في سبعينيات القرن الماضي في الأردن، فقد تدخل عبد الناصر لوقف الإقتتال بين الجيش الأردني والفصائل الفلسطينية، حتى لا يسمح بتدخل غربي واسرائيلي في الدول العربية، هذا ليس حيادا بل مصالح، فعندما يقول لبنان أني أبحث عن مصالحي الوطنية، وهي حكما لا تتعارض مع المصلحة القومية العربية، لا يعني أنه يتكلم عن الحياد، فعندما يتكلم لبنان عن تعزير الإنتماء والهوية العربية، لا يعني ذلك انحيازا، بل هذه حقائق، ولا يخترع أو يدخل بمحاور تعزز من الإنقسامات على المستوى العربي، فنحن الآن وكل الواقع العربي يعيش بمرحلة انحدار وانحطاط غير مسبوقة، فنحن نسير في حقل من الألغام، فالحياد كلمة لا تُـطلَق من دون مضمون، نحن نتكلم عن مصالح الشعب اللبناني وأن أمنه الوطني لا يتعارض بل يتكامل مع الأمن العربي، فإن كان لبنان بخير فسوريا بخير والعكس صحيح، لكننا جميعا في ظروف صعبة سواء في سوريا أو في لبنان، والعراق ظروفه صعبة، وأفتش عن الوطنيات العربية فأين هي؟ سواء الوطنية اللبنانية أم السورية، العراقية، الخليجية وغيرها، فهذه الوطنيات غائبة لمصلحة العصبيات الطائفية والمذهبية والفئوية والقبلية والعشائرية والخ…، لمصلحة تبعيات نخب عربية أوصلتنا إلى التطبيع المجاني مع عدو ليس فقط للشعب الفلسطيني الذي استولى على حقوقه فحسب، إنما يهدد المصالح العربية كلها، هذا الواقع فلا يعرف ما يقصده البطريرك بالحياد، بل نحن في انحياز لمصالح وطنية ومصالح عربية.
بالنسبة للملفات الحساسة التي يجب أن تناقش على المستوى الوطني كما ذكرت، هناك ملف ترسيم الحدود البحرية مع العدو الإسرائيلي، فهل هو نوع من الإتجاه الأميركي لفتح قنوات مباشرة من أجل الضغط بأن يتم إنشاء علاقات أو لا نحصل على نقطة نفط أو غاز؟
أسامة سعد: ممكن أن يفكر الأميركي بهذه الطريقة في ظل الوضع اللبناني، فقد أوصلت قوى السلطة البلد للإنهيارات، والأميركي يستثمر بهذه الإنهيارات، ولخدمة مصالحة الإستراتيجية ومنها أمن العدو الإسرائيلي، وموضوع المقاومة وموضوع الثروات وطرق الغاز والنفط في المنطقة، والموقع الإستراتيجي المرتبط بطرق الغاز والنفط الدولية للصين وأوروبا، فمن الممكن جدا أن يسير على هذا الخط، فبعد فترة من المفاوضات تجاوزت عشر سنوات، وصلنا فجأة لإمكانية إجراء مفاوضات غير مباشرة كما تم تسميتها لترسيم الحدود، ولا أعلم عن التوقيت المفاجئ، والحدود البحرية أولا، ويبدو أنها ستظل أولا، فلم يتم الحديث عن الحدود البرية، وحاليا توقفت ولا أعرف السبب ولا أعرف متى ستعود أو كم ستُمارَس ضغوط على لبنان لعودتها، أي أتت عوامل ساعدت جميعها على السير في هذه العملية، وبتوقيت ملتبس مع بداية التطبيع الـمُعلَن مع العدو الإسرائيلي مع بعض الدول، وجاء هذا الترسيم وكأنه خطوة بهذا الإتجاه، ولكننا نعلم أن هناك استحالة في الواقع اللبناني الحالي السياسي، وأن المعادلة السياسية حاليا لا تسمح باتجاه لبنان نحو التطبيع، بالرغم من وجود إشارات من بعض المسؤولين اللبنانيين، بأن ليس لدينا مشكلة لا عقائدية أو ما شابه مع العدو الصهيوني، وأن الخلاف على نقاط حدودية وكأنها إشارة إذا حُلَت هذه المسائل، فإن لدينا الإستعداد، هذا الأمر خطير، فموضوع التطبيع ليس مرتبطا بالأمن القومي العربي ومخاطر مشروع عدواني استيطاني عنصري في المنطقة، فهو ليس موضوعا مرتبطا بهذا الكيان الذي اغتصب أرض ليست له وطرد شعبا من أرضه فحسب، بل هو مرتبط ببعد إنساني ومسألة العدالة، فضلا عن مخاطر المشروع المرسوم ودولة إسرائيل كدولة عنصرية عدوانية، وكلها عوامل تدعونا للتصدي ورفض أي شكل من أشكال التطبيع، فهناك جانب وكأننا نتخلى عن جزء من إنسانيتنا عندما نتجه لعلاقات طبيعية مع هذا الكيان، كونه جمع شتات بشر من كل العالم على حساب شعب تشرد، وهي مسألة عدالة وإنسانية، فضلا عن أن مشروعه يشكل خطرا شديدا بسبب عنصريته، والحالات الطائفية بالواقع العربي تعطي لهذا المشروع مشروعية، فعندما يتم تفتيت الواقع العربي على أسس طائفية ومذهبية فكأننا نعطي هذا الكيان مشروعية كدولة يهودية، وأن هناك دولة يهودية ودولة شيعية ودولة سنية ودولة مسيحية ودولة درزية وهكذا، وبالتالي النقيض لهذا الكيان هو الدولة الوطنية، العصرية ودولة حقوق الناس التي تشكل قوة مواجهة مع هذا الكيان غير الطبيعي في المنطقة، لذلك نحن ندين وليس ذلك فحسب بل نعتبر التطبيع مع هذا العدو جريمة.
في مقابلةٍ أجراها مؤخرا وزير الخارجية الفرنسي لودريان مع صحيفة لو فيغارو، شبّه انهيار لبنان بسفينة التايتانيك، مضيفا أنه حينها، حاولت الفرقة الموسيقية أن تواصل العزف قدر المستطاع لإلهاء الناس عن الحادثة؛ أمّا في لبنان، “فاللبنانيّون يغرقون وهم بحالة إنكار تام، ولا توجد موسيقى حتّى“…، هل توافقون على تصريح لودريان؟ بمعنى آخر هل حالة لبنان فعلا مشابهة لسفينة التايتانيك وأن على اللبنانيين أن يحضروا أنفسهم لمستقبل أكثر صعوبة وسوداوية من الأيام التي نمر بها حاليا؟ وكيف برأيكم سيؤثر ذلك على الاستقرار الأمني والسياسي والاجتماعي؟
أسامة سعد: صحيح، فإن لم نتحرك كقوى تغيير ونفرض واقعا سياسيا جديدا، فهذا الكلام 100 بالمئة صحيح، وكلنا نعلم أن الواقع الإجتماعي يسير من سيء لأسوأ وإن لم تتم المعالجة السريعة، فإن هذا الأمر سيؤدي إلى انفجار اجتماعي، والإنفجار الإجتماعي بطبيعته فوضوي، ومن دون أي ضوابط ولا قواعد، وهذا قد يؤدي إلى انهيار أمني، وهذا سيؤدي إلى لجوء أطراف تمتلك القوة والقدرة والإمكانيات لتأمين أمن ذاتي، والأمن الذاتي يؤدي إلى أمن غذائي واستشفائي وتعليمي واقتصادي ما يؤدي إلى مقاطعات و كانتونات وهذا خطير جدا، وهذا ضرب لوحدة البلاد، وهذه مخاطر حقيقية ويجب ألا نصل لها، ونحمل قوى السلطة كامل المسؤولية إن لم تعالج الأمور بشكل سريع، وهذا لا يعفينا من المسؤولية، فنحن مطالبون كقوى تغيير، أن نتحرك لتوحيد طاقات شعبية لتشكل قوة ضاغطة للسير في إصلاحات حقيقية وجدية، وهذه القوى الشعبية والسياسية تشكل نوعا من صمام الأمان لعدم الخروج عن السيطرة، أي أن تتواجد قوى تتحمل مسؤولياتها ليست في السلطة ولا هي السلطة، لعدم انزلاق البلاد إلى المجهول.

حاوره الصحفي و مراسل RebuildSyria.cz كريم العارف.