الأنظمة العربية كحليف لكورونا ضد "رعاياها"
مع الوباء يواجه الانسان حقيقة ضعفه: حشرة أصغر من أن تُرى، كامنة في احشائه، فاذا ما انتشرت ساقته صاغراً إلى المستشفى، وحجرت على عائلته فلا هي تزوره، ولا هو يحادثها، وإنما تطمئن عليه بالواسطة. هي جرثومة لا تُرى بالعين المجردة، ولا يوقفها اختلاف الجنس واللون، بل هي تحقق في انتشارها "عدالة" في أعداد المصابين، وفي اختراق الحواجز، فاذا الكل واحد، واذا هي نموذج في تحقيق العدالة بين الناس. ثم انها " أممية" لا توقفها الحدود بين الدول، ولا هي تتحسس من تضربه لتميز بين الذكر والانثى، وان ثبت انها "تحب" الرجال أكثر مما تحب النساء، فتستكين إليهم وفيهم.
انها "اشتراكية" في انتشارها "رأسمالية" في خياراتها، عشوائية في حصد ضحاياها..ولأن الدول العربية لا تحب أن تزعج شعوبها بالأخبار السيئة، فلقد عمدت إلى الكذب عليهم، بداية بإخفاء الحقيقة تماماً، ثم باشرت بإعلان أرقام الإصابات على استحياء.. ثم عندما رأى قادتها الرئيس الاميركي دونالد ترامب، الذي عهدوا فيه ومنه التوحش في معاملتهم وفرض الجزية على مداخيلهم من النفط والغاز، يسكن في التلفزيون ليبلغ مواطنيه بالأعداد الهائلة من المصابين وبالاستعدادات التي تتخذها ادارته لتأمين العلاج واجتهاد العلماء في اكتشاف ما يرد هذا الهجوم الكاسح للجرثومة القاتلة. عندها، وعندها فقط، ومع توالي اعتراف الدول بالاصابات، باتت العواصم العربية تعلن، على استحياء، ارقام المصابين، قبل أن يجبرها تفاقم الوضع على الاعتراف بالحقيقة..
على أن "الوباء" ظل سراً حربياً عند بعض الدول العربية، لا يجوز الاعلان عنه او التداول في ارقام من أصابهم، مهدداً حياتهم.
تزايدت ارقام من فتك بهم وباء كورونا حتى باتت بالملايين، بين من هم في المستشفيات، قيد العلاج، وبين من اختطفهم الموت، وبين من هو في الطريق إليهم..
لم تخجل اية دولة من الاعتراف بانتشار الوباء فيها، بل اخذت تنشر على مدار الساعة، جداول بأعداد المصابين، من مات منهم ومن هم قيد العلاج. لا خجل مع الوباء وهو يقتحم كوكب الارض بدولها جميعاً، شرقا (الصين) وغربا (فرنسا، ايطاليا، اسبانيا، سويسرا، وصولاً إلى أسوج والنرويج في أقصى الشمال، ثم روسيا التي وصلها متأخراً). فضلاً عن الولايات المتحدة الاميركية التي اجتاحها بضراوة، ومنها تنقل إلى دول اميركا اللاتينية، البرازيل والمكسيك.. الا كوبا المحصنة، بعقيدة الاشتراكية وصور فيديل كاسترو ومعه البطل جيفارا..
التستر على الوباء جريمة. اننا نعطي بذلك فرصة لاتساع رقعة انتشاره وتعاظم اعداد المصابين، وبالتالي اعداد من يودي بهم، بلا رحمة.
...لكن بعض الأنظمة العربية، ملكية وجمهورية، تخاف من شعبها أكثر مما تخاف عليه. تعتبر أن انتشار الوباء يفضح تقصيرها ونقص عنايتها "برعاياها" الذين لم تهتم يوماً بأعدادهم الا من اجل زيادة اعداد الاجهزة الامنية وفروعها المتعددة، المخصص بعضها للداخل، وهو برؤوس كثيرة، وبعضها الآخر للخارج عبر السفارات والقنصليات، وكل من يسافر سواء بغرض التجارة أم السياحة أم حتى الاستشفاء.
على أن كورونا السياسة هي الاخطر والاشد فتكاً، والتي لا علاج لها ولا دواء..
من ذلك التكتم على انتشار الوباء في البلاد، وكأن الإخبار عنه يماثل الكشف عن بعض أسرار الدولة.. وفي ذلك ما فيه من خدمة للعدو. وليس الا بعدما تسابقت الدول من أعظمها قوة، إلى ارقاها تمدناً، عن الاعلان عن انتشار الوباء فيها مع نشر أرقام المصابين، المتوفين والذين هم قيد العلاج في المستشفيات أو في بيوتهم، حتى باشرت بعض الحكومات العربية الكشف عن هذا السر الحربي الخطير الذي كلما كتمته فضحها وتوسعت دائرة انتشاره.
لقد كشفت طريقة تعامل الانظمة العربية، ملكية أو عسكرية، عن النقص الفاضح في احترامها لرعاياها.
انها تتعامل مع "رعاياها" كأرقام، كبشر بلا أسماء وبلا هموم، يثقلون عليها بتزايد أعدادهم نتيجة اقبالهم على الاكثار من نسلهم للتباهي أمام "القبائل الاخرى"، ومدى استهلاكهم وكلفة حياتهم من ثروتها الهائلة بفضل النفط والغاز، التي تصلها عوائده صافية خالصة بعد أن تحسم الشركات الاجنبية حصتها الدسمة نتيجة الكشف والتنقيب والحفر ثم الاستخراج تمهيداً لتصدير الفائض عن حاجة البلاد لاستهلاكها الداخلي.
متى يصبح الانسان في بلادنا أغلى من النفط والغاز؟
متى يرتقي في نظر حاكمه حتى يصبح نداً له وليس عبداً من جملة عبيده الذين لا يهتم بأعدادهم، ولا بكيف يعيشون ومتى وأين يموتون، طالما أنهم من الرعايا وليسوا من الصفوة المختارة أو من حملة الالقاب المذهبة والذين "إذا مات منهم سيد قام سيد"؟!
المصدر: موقع على الطريق