بيان المكتب السياسي للشيوعي حول الانتخابات النيابية والاستحقاقات المقبلة
جرت الانتخابات في ظلّ انهيار اقتصادي غير مسبوق، وأزمة نظام سياسي عميقة،مترافقة مع تصعيد أجواء التحريض المذهبي قبيل الانتخابات وما رافقها من تبادل للاتهامات وحملات التخوين بهدف شدّ العصب الطائفي، ومن تدخّلات خارجية في تشكيل اللوائح وتمويل الانفاق الانتخابي الهائل، وبشكل خاص من قبل قوى السلطة التي استغلّت الضائقة الاقتصادية لشراء الذمم والولاءات.
كما برز الدور السلبي لوسائل الإعلام وبخاصة المحطات التلفزيونية التي تحوّلت إلى منابر مخصّصة لمن يدفع عشرات آلاف الدولارات ثمناً للحلقة الواحدة، فجرى تغييب كل القوى التي تحمل طروحات تغييرية جذريّة، وفي طليعتها الحزب الشيوعي اللبناني الذي لم يدعً مرشحوه والمرشحين الذين تبناهم إلى المشاركة في أي من هذه البرامج.
وعلى الرغم من كلّ هذه الأجواء السلبية والمناخات غير الصحيّة التي رافقت الانتخابات، فقد شاركت فئات واسعة من الشعب اللبناني في الاقتراع لمصلحة لوائح التغيير في مختلف المناطق اللبنانية، وبشكل خاص المغتربين والفئات الشبابية، لتسجّل أرقاماً عالية لهذه اللوائح ولتعكس حالة الاعتراض الشعبية الواسعة على قوى السلطة والنظام.
وفي حين راهنت قوى المنظومة الحاكمة على تراجع الزخم الشعبي لانتفاضة 17 تشرين، وعلى تمكّنها من خنق أصوات اللبنانيين التواقين للتغيير، أظهرت الانتخابات انعكاساً واضحاً لانتفاضة الشارع في الصناديق. وفي هذا السياق، حصلت اللوائح التي أعلن حزبنا دعمه لها أو دعم مرشحين فيها في المؤتمر الصحفي الذي عقده قبل الانتخابات في 11 دائرة من أصل 15 دائرة على المستوى الوطني على حوالي 176 ألف صوتاً أي ما يمثل حوالي 9.8% من أصوات المقترعين في كل لبنان، وحوالي 14% من أصوات المقترعين في هذه الدوائر الإحدى عشرة. أمّا على صعيد الأصوات التفضيلية للمرشحين، فقد نال المرشحون الذين دعمهم الحزب حوالي 49 ألف صوت تفضيلي في الدوائر الأحدى عشر، من بينهم 23 الف صوت تفضيلي نالها رفاق شيوعيون وأصدقاء صوّت لهم الحزب في خمس دوائر انتخابية.
ونتيجة لذلك، تمكّن عدد واسع من المرشحين على هذه اللوائح من الفوز بمقاعد نيابية على حساب مختلف أطراف قوى السلطة، من بينهم عدد من النواب اليساريين والعلمانيين وأصدقاء مقربين تبنى حزبنا ترشيحهم. ولا بدّ من التأكيد على وجود تنوّع سياسي بين النواب الذين نجحوا على لوائح التغيير في مختلف المناطق، إذ ستشكّل المواجهات السياسية والشعبية المقبلة اختباراً لمدى التزام الناجحين تحت مظلة المعارضة والتغيير بالقضايا التي طرحتها قوى التغيير والجماهير التي اقترعت لها.
واليوم، وبعد ان أظهرت الانتخابات النيابية تراجعاً في الحجم الشعبي والنيابي لمعظم القوى السياسية السلطوية بحيث لم يعد لأي فريق منها القدرة على ضمان الأكثرية النيابية، ووسط تقدم لوائح قوى التغيير بشكل ملحوظ، تبرز اولوية المهام الأساسية لناحية استكمال المواجهة بكافة أشكالها، في الشارع وفي الانتخابات النقابية وصولاً إلى الانتخابات البلدية المقبلة التي يجب أن تكون محطة لانتزاع المزيد من مراكز القوّة لتكريس الحالة الشعبية الصاعدة وانتزاع المزيد من المكتسبات لمصلحة العمال والمزارعين والأجراء وسائر الفئات الشعبية الوسطى والفقيرة والمهمّشة على طريق الوصول إلى الدولة العلمانية الديمقراطية، ودولة العدالة الاجتماعية.
كما تبرز ايضا اولوية العمل على تشكيل كتلة نيابية يسارية وطنية وديمقراطية، تشكل اساسا للانطلاق منها نحو بلورة مضمون التفاهمات اللازمة واشكال التنسيق الملائمة مع مجموعة النواب التغييريين، بهدف الأضطلاع بمهمة مزدوجة:
مهمّة العمل من داخل المجلس، بدءا بعدم انتخاب مرشحي أحزاب السلطة في جلسة يوم غد المخصصة لانتخاب الرئيس ونائبه...الخ، الى بذل كل الجهود الممكنة للتأثير الفاعل والمنظم في بلورة واقرار وتعديل مشاريع القوانين والمراسيم التنظيمية ذات البعد التغييري، والعمل على فضح واسقاط القوانين والتشريعات التي تحاول القوى الحاكمة تمريرها بغية الحفاظ على مصالحها؛مهمّة العمل من خارج المجلس عبر المشاركة – الى جانب القوى السياسية اليسارية والديمقراطية والشعبية، والمرشحين الذين كانوا على لوائح التغيير والقوى والشخصيات السياسية والاجتماعية التي احتضنت هذه اللوائح ودعمتها مع آلاف الشباب والشابات الذين وصلوا الليل بالنهار في المكنات الانتخابية، موجّهين لهم جميعا تحية تقدير واعتزاز على كل ما بذلوه من جهود وعلى مواجهتهم للضغوط والتهديدات السلطوية – والمساهمة في تجذير الانتفاضة وتنظيم قواها الشعبية والتواصل الدائم معها في كل دائرة انتخابية، بهدف المضيّ قدما بزخم اكبر في تعديل موازين القوى لاسقاط المنظومة الحاكمة ونظامها السياسي الطائفي ورأسماليته التابعة.
إن السير في هذا الإتجاه يشكل الطريق الأقصر لمواجهة المخاطر الوجودية المحدقة بالشعب اللبناني، مع اقتراب مخاطر الارتطام والفراغ والفوضى بفعل رضوخ المنظومة الحاكمة للضغوط الأميركية عبر التنازل عن حقوق لبنان النفطية والغازية لمصلحة العدو الصهيوني، وابرام الاتفاقية مع صندوق النقد الدولي؛ وما تطرحه جمعية المصارف وقوى السلطة حول مشروع "الصندوق السيادي" الخطير الهادف لبيع وخصخصة مؤسسات الدولة والقطاع العام لتعويم المصارف المشاركة في الانهيار ونهب المال العام وافلاس البلد، وتشريع نهب اموال صغار المودعين عبر الكابيتال كونترول، ورفع سعر الاتصالات بحوالي 4 أضعاف، وإقرار الدولار الجمركي وزيادة الضريبة على القيمة المضافة، ورفع الاسعار وانهيار سعر صرف الليرة وتبخّر القوة الشرائية للأجور والمداخيل وإنهيار نظم التأمينات الصحية العامة وصناديق التقاعد وغيرها.
عليه، يدعو حزبنا إلى التصدي لهذه المخططات الخطيرة ومواجهتها بحزم داخل وخارج المجلس، وإلى استنهاض الحركة الشعبية لمنع تمرير هذه الخطط. كما يؤكد حزبنا التزامه متابعة العمل على بناء جبهة سياسية معارضة موحدة ذات توجهات وطنية وعلمانية تضم في صفوفها قوى سياسية ونقابية ومجموعات وشخصيات من داخل وخارج المجلس النيابي، لتكون رافعة للعمل السياسي التغييري المنظّم في ظل المخاطر السياسية والاقتصادية الوجودية التي تتهدّد اللبنانيين في الأيام والأشهر القليلة المقبلة.
بيروت في 30 – 5 – 2022