الشيوعي الأردني: التركيز على الجانب الاقتصادي لا يعني تجاهل أو تأجيل البت في جوانب التغيير السياسي...
وندرك أن هذه الجائحة قد فاجأت الجميع، ولم يدر بخلد أحد أن تصل الأوضاع لما وصلت اليه، ولم يكن بالإمكان اتخاذ التدابير الكفيلة بالتصدي لهذا الوباء سلفاً ومسبقاً، مع أن المعلومات المتعلقة بالوباء وبسرعة انتشاره كانت متوفرة ومتاحة على نطاق واسع. وهنا لابد من التنويه والاشادة بالإجراءات التي اتخذت، ومنها اغلاق الدوائر الحكومية، والمؤسسات العامة والخاصة، وفرض الحجر الصحي ومنع التجول الجزئي، والتي أسهمت بشكل فعّال في منع انتشار الوباء واحتوائه ضمن أضيق نطاق ممكن. ومع ان الالتزام والانضباط كانا ضمن الحدود المقبولة، الا أن الانتهاكات التي حدثت أسفرت عن تولد بؤر وبائية كان بالإمكان تجنبها.
كما اننا نقدّر أن مظاهر الأزمة الاقتصادية والمالية والمعيشية التي كانت قائمة قبل انتشار الوباء في بلدنا العزيز، ستتفاقم بشكل حاد في المرحلة القادمة. ونعتقد أن النهج الاقتصادي والسياسي القائم غير مؤهل على الاطلاق للتعاطي مع مظاهر الأزمة، سواء في جوانبها التي خبرناها وعانينا منها لغاية الآن، أو ما لم نخبره منها بعد، لكننا نتوقعه ونستشرفه منذ الآن.
اننا، في هذا السياق، نستغرب ونرفض الوصفات التي صدرت عن بعض الخبراء الاقتصاديين والتي تقترح مواجهة تداعيات الوباء على الصعيد الاقتصادي والمالي - النقدي بفرض الأحكام العرفية التي عانينا منها ردحا طويلا من الزمن وتمخضت عن كوارث لا حصر لها على الصعد كافة، والعودة اليها سيفاقم الأمور ويضفي على المعالجات التي تتم بعيدا عن أي رقابة شعبية طابعا عرفيا لا جدوى ولا نفع منه. كما أن فرض الاحكام العرفية من شأنه أن يوجه ضربة قاصمة لروح التكاتف والتعاضد الوطني، الرسمي والشعبي، التي سادت الدولة والمجتمع في سياق مساعي احتواء وباء الكورونا، في الوقت الذي نحن، الآن وفي المستقبل، بأمس الحاجة الى تعميق هذه الروح، وليس اضعافها والتسبب في انتكاسة لها.
ونرى أن على الدولة أن تتهيأ لمواجهة المستجدات على الصعيد الاقتصادي والمالي- النقدي والمعاشي منذ الآن باتخاذ سلسلة من التدابير العاجلة، غير المألوفة تستهدف تعزيز بنية القطاعات الانتاجية الصناعية والزراعية بتخفيض الضرائب المفروضة عليها، وتخفيض أسعار مدخلات الانتاج الصناعي والزراعي، مع اعادة النظر سريعا في نسبة ضريبة المبيعات على سلع الاستهلاك الشعبي الواسع، وعلى الخدمات الأساسية، واتخاذ إجراءات تحد من النهم الاستهلاكي الواضح، وتحميل العبء الأكبر من تدابير مواجهة التداعيات الاقتصادية- الاجتماعية الناجمة عن مكافحة الوباء للشرائح والفئات الاجتماعية (اصحاب وكبار مالكي اسهم البنوك والمصارف وكبار التجار والملاك العقاريين والوكالات) التي اكتنزت ثروات طائلة نجمت عن السياسات الاقتصادية المتبعة والبنية التشريعية (الاقتصادية والمالية والاستثمارية) المواتية التي مكنتها من الاغتناء على حساب الطبقات والفئات الاجتماعية الشعبية من عمال وفلاحين وصغار كسبة، والتي اتسعت في الآونة الأخيرة لتشمل شرائح واسعة من الطبقة الوسطى، الى جانب استرداد الأموال المنهوبة من كبار الفاسدين، وكذا الأموال التي يماطل كبار المتنفذين في اعادتها لخزينة الدولة.
وهناك حاجة ملحة لتأمين الدعم لأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ولعمال المياومة ولذوي الدخل المحدود والمتدني، الذين بتوقف اعمالهم انقطعت مداخيلهم، وتدنت للحدود الدنيا قدراتهم على مواجهة الأعباء المعيشية المتصاعدة.
كما يتوجب اعادة النظر في القطاعات الاقتصادية التي تمت خصخصتها، وهي قطاعات مدرة للدخل ومشغلة كثيفة للعمالة، واعادة الاعتبار للقطاع العام في الاقتصاد في أطار التعاون مع القطاع الخاص، والاستفادة من قدراته وامكاناته، والعودة الى تدخل الدولة الحاسم في الحياة الاقتصادية، والتخلي نهائيا عن أي تفكير بخصخصة قطاعي الصحة والتعليم، حيث تأكد بالملموس، بالاستناد الى مثال مكافحة جائحة الكورونا، أن القطاع العام هو الأكفأ والأجدر والأقدر على تأمين الرعاية الصحية للمواطنين، وتوفير المرافق الصحية اللازمة من مستشفيات ومختبرات، وكذلك الكوادر الطبية المؤهلة والمتفانية في ايثار المصلحة العامة على أي مصلحة خاصة، وتأمين المستلزمات الطبية الضرورية، والمكافحة الفعالة والناجعة للأوبئة بعيدا عن العقلية الاستثمارية التي تستهدف الربح وتحقيق منافع خاصة لأصحاب رأس المال.
وتحت هذا الفهم يندرج ايضا قطاع التعليم الذي يجب أن يبقى تحت اشراف ورقابة وتحكم وزارة التربية والتعليم وعدم السماح للقطاع الخاص مطلقا بالتدخل في السياسات التربوية في أي مرحلة من المراحل التعليمية، كما في المناهج التعليمية.
ونرى أن الحكومة يجب أن تسارع فورا بفتح حوار جدي وحقيقي منتج مع ممثلين حقيقيين عن قطاعات الاقتصاد الوطني المتضررة فعلا، وكذلك عن المعارضة اليسارية والقومية والوطنية التي أثبتت الأيام أنها حريصة على المصلحة العامة، وعلى توفير المنعة والقدرة للمنشآت الاقتصادية الوطنية على مواجهة أي ظروف طارئة، وازالة كل العراقيل الموضوعة امام الأحزاب والقوى والشخصيات اليسارية والقومية المستنيرة، والتوقف عن تبني سياسات واجراءات وقرارات باعثة على تهميشها وتجاهلها والتحريض ضدها وضد ما تطرحه من أفكار ورؤى وبرامج سياسية واقتصادية بديلة، سبق أن قدمتها للحكومة، وبالإمكان تقديمها من جديد بعد ادخال التعديلات الضرورية عليها.
وإزاء الضغوط التي ستزداد بصورة غير مسبوقة على المالية العامة، في ظل التراجع المنتظر لعائدات الخزينة، نرى أن المواقف الرسمية والشعبية يجب أن تتوافق وتتسق وتتكامل وتلتقي مع الدعوات المتصاعدة على الصعيد الدولي والداعية لتقديم الدعم المالي للبلدان النامية، الذي يتضمن فيما يتضمن، اعفاؤها من الديون وفوائدها التي تثقل كاهل هذه البلدان، وتتسبب لها في عجوزات هائلة.
تجربة البشرية مع جائحة الكورونا عززت القناعة لديها بأن الليبرالية الرأسمالية المتوحشة ومنظومة العلاقات الدولية التي سادت في ظل هيمنتها الكونية بدت عاجزة عن حشد جهد جماعي دولي لمواجهة هذا الوباء واحتوائه، وتأمين بنية صحية وطبية ملائمة لمكافحته والحد من انتشاره، مع تخصيص موارد مالية كافية لتطوير وتحسين القطاع الطبي والصحي، عوضاً عن انفاق مبالغ ضخمة على انتاج أسلحة الدمار الشامل، وبالتالي بات لزاما على شعوبنا العربية، ومنها شعبنا الأردني، ان تنتظم في حركة شعبية أممية تستهدف شن اوسع نضال جماعي ضد منظومة الجشع والنهب والاستغلال والهيمنة الامبريالية وبناء نظام عالمي جديد متعدد الاقطاب أكثر عدلا وأكثر انصافا للشعوب وحقوقها في الغذاء والدواء والرعاية الصحية والتعليم، ودفع التعاون الدولي لمكافحة الاوبئة قدما الى الأمام وحل المشكلات الكونية بجهود جماعية.
إن التركيز على الجانب الاقتصادي لا يعني على الاطلاق تجاهل أو تأجيل البت في جوانب التغيير السياسي. بل أننا نستبعد اعتماد توجهات اقتصادية جديدة قابلة للتطبيق بدون اجراء تبدل جوهري في آلية تشكيل مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية وكذلك في البنية التشريعية التي تكفل تعديل هذه الآلية. والحديث هنا يتعلق في المقام الأول بوقف العمل بالقوانين وبالإجراءات التي تراجعت في ظلها الحريات الديمقراطية والعامة، وبتعديل الدستور وسن قانون انتخابات يحظى بتوافق وطني شامل وعام.
يتابع حزبنا وبقلق شديد أحيانا، وباستنكار في أحيان أخرى، تصريحات بعض رجال الأعمال، بما فيهم أصحاب ومدراء مؤسسات تعليمية وصحية خاصة، تنم عن أن أكثر ما يؤرقهم، على ما يبدو، هو حجم الخسائر التي قد يتعرضون لها وكيفية تقليصها، وليس العناية بسلامة موظفيهم وعائلاتهم وكيفية تدبير شؤون حياتهم، وتأمين متطلبات معيشتهم التي تعتمد بشكل مطلق على ناتج عملهم، وعلى ما يتقاضونه من رواتب وأجور.
ما يثير الاستنكار حقا، هو أن هذه العينة من رجال الاعمال التي تتجاهل أن عليها مسؤولية اجتماعية واجبة النفاذ، تسعى للمحافظة على أعلى حد ممكن من الأرباح، وعدم التعرض الى أي خسارة او تقليصها للحد الأدنى على حساب تسريح العمال والمستخدمين، والتحايل لتقليص رواتبهم، أو الدعوة لتحميل الضمان الاجتماعي بدل تعطل العمال والموظفين والمستخدمين ودفع رواتبهم أو نسبة كبيرة منها.
ويتبدى ايثار المصلحة الخاصة وتقديمها على أي مصلحة عامة لدى هذه العينة من رجال الأعمال من تجاهلهم لحقيقة أن هؤلاء الموظفين والمستخدمين يمثلون العنصر البشري الحاسم الذي أمن لهذه المنشآت التعليمية والصحية وسواها التطور والتوسع والازدهار والملاءة المالية، وضمن لأصحابها ارباحا وعوائد طائلة، وكذلك من تدني تقديرهم بان البلاد تتعرض لجائحة يستحيل تجاوزها، بأقل قدر من الخسائر، الا بتكاتف الجميع وتعاونهم وتكافلهم الاجتماعي.
مع تقديرنا للظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد، وتراكم المشكلات، يطالب حزبنا الشيوعي وزارة العمل والحكومة، بشكل عام، ايلاء موضوع دفع الاجور والرواتب للعاملين في مواعيدها الاهتمام الأكبر، والقيام بمتابعة حثيثة لمواقع العمل والانتاج، وعدم التساهل مع أي صاحب عمل يماطل أو يتذرع بمبررات واهية لعدم دفع رواتب وأجور الموظفين والعاملين لديه أو يحاول ابتزازهم، في ظل هذه الظروف الصعبة، لتقليص رواتبهم أو تأجيل دفعها، من خلال التلويح بالاستغناء عن خدماتهم.
نتمنى لجماهير شعبنا السلامة وتجاوز هذه الجائحة دون أي خسارة على كل صعيد.
عمان في 8 نيسان 2020
الحزب الشيوعي الاردني