الأحد، كانون(۱)/ديسمبر 22، 2024

شهداؤنا في كل الساحات

لبنان
احتفالات حزبنا بيوم الشهيد الشيوعي واجبٌ بكل المقاييس السياسية والانسانية تجاه الشهداء الأبرار، فمن هذا الحزب كان هؤلاء الشهداء الذين سقطوا في هذه المسيرة الطويلة من النضال بمختلف أشكاله وأساليبه في المقاومة وفي النضال السياسي والاقتصادي والاجتماعي، مسيرة مضرّجة بدم الشهادة في كل هذه المعارك وتحت التعذيب والخطف والاغتيالات والملاحقات والاعتقالات داخل سجون أنظمة الاستبداد والغرف السوداء، منهم كان فرج الله الحلو وجورج حاوي وحسين مروة ومهدي عامل وأحمد المير الأيوبي، منهم نجوم حمراء على جدارياتنا. هي أسماء محفورة بأحرف من نور في ضميرنا وفي وجدان شعبنا، شهداء أتوا من كل الوطن ولكل الوطن.

في يوم الشهيد الشيوعي نوجّه أسمى تحية إلى شهداء الحزب وإلى قوافل شهداء الأحزاب الشيوعية العربية وكل المقاومين ضد الامبريالية والصهيونية والثائرين ضد الأنظمة الرجعية والقمعية. وهم يستبسلون اليوم أبطالاً على أرض فلسطين ضدّ الاحتلال الصهيوني وثوّاراً على أرض السودان لإسقاط نظام البشير، للأسرى والمعتقلين لهم منا اليوم نداء الحرية والتضامن، الحرية للأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الرفيق أحمد سعدات ولمروان البرغوثي وكل المعتقلين الفلسطينيين في السجون الصهيونية وسائر معتقلي الرأي وحرية التفكير والمعتقد في سجون الأنظمة العربية المستبدة بشعوبها، والحرية أيضاً إلى المناضل جورج إبراهيم عبدالله المحتجز ظلماً وعدواناً في السجون الفرنسية، مطالبين أيضاً باسترجاع جثامين شهدائنا المقاومين المحتجزة لدى العدو الصهيوني: جمال ساطي، اياد قصير، ميشال صليبا، الياس حرب، فرج الله فوعاني، حسام حجازي، يحيى الخالد، حسن موسى وحسن ضاهر. والمشهد المخزي الذي وصلنا إليه في أن تعود جثة القتيل الصهيوني إلى العدو وتبقى جثامين المقاومين معه، نسأل اليوم هل أن هؤلاء لبنانيون أم لا؟ ماذا فعلت الحكومة اللبنانية تجاه قضيتهم بعد أن رفعناها إلى وزير الخارجية؟ لماذا لا تضغطون من أجل حل هذه القضية، في حين يجري الاستقتال لإعادة المتعاملين مع العدو، والأمر كذلك بالنسبة إلى جورج إبراهيم عبدالله، فهل هو لبناني أم لا؟ الحكومة اللبنانية مطالبة بالضغط على الحكومة الفرنسية للإفراج عنه، هي مسؤولة عن ذلك، ومن غير المقبول الاكتفاء بزيارة له لرفع العتب، فمثلما طلب فخامة الرئيس من ايران الافراج عن نزار زكا من حقنا التوجّه إليه بأن يطالب الحكومة الفرنسية بالإفراج عن جورج إبراهيم عبدالله.
انظروا إليهم كيف يخططون ويضعون مشاريعهم وينفذونها، انظروا إلى التاريخ ولو بدا المشهد مأساويّاً، لعلّنا في ذلك نأخذ الدروس والعبر. لقد استغرق تنفيذ وعد بلفور لزرع الكيان الصهيوني على أرض فلسطين عقوداً من الزمن وبالتزامن مع سايكس- بيكو، ليأتي بعد ذلك مشروع "الشرق الأوسط الجديد" في أواسط التسعينيّات إثر حرب الخليج الثانية وتوقيع اتفاقيات أوسلو، ليصل ترامب بعد ربع قرن من الزمن، مستكملاً تنفيذ المشروع عينه تحت عنوان "صفقة القرن"، لإنهاء القضية الفلسطينية وتصفيتها والإمعان في تفتيت الدول العربية وشعوبها.
إنّ معظم الأحداث والتطورات التي شهدتها منطقتنا في العقدين المنصرمين، تندرج في سياق هذا المسار الاستراتيجي الطويل الأجل، المحكوم بتحالفٍ وثيق بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني والرجعية العربية، ونذكر من هذه الأحداث الآتي:
- اعتداءات العدو الصهيوني وحروبه المتكرّرة على لبنان وغزّة والضفة، بدءاً من عدوان "عناقيد الغضب" عام 1993 وصولاً إلى محاولة تصفية حركة المقاومة في لبنان عام ٢٠٠٦.
- التآمر على الانتفاضات الشعبية العربية ضد أنظمة الاستبداد والتبعية، والتوظيف الإجرامي في الحركات الاسلامية الأصولية، تسليحاً و تدريباً وتمويلاً.
- عملية إحلال الصراع الأساسي في المنطقة من حقل للصراع بين العرب والكيان الصهيوني إلى حقل لكلّ أشكال وألوان الصراعات المذهبية والإثنية والاقليمية، بما فيها الصراع بين العرب وإيران، لإسقاط الأنظمة التي ليست جزءاً من مشروعه.
- ممارسة أقصى أشكال المقاطعة والعقوبات الاقتصادية والتجارية والمالية ضد شعوب المنطقة، بهدف إنهاك اقتصادات دول المنطقة وإحكام السيطرة على شعوبها.
- إقامة دولة الفصل العنصري (قانون القومية) والاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني ونقل سفارته إليها واستعداداته لضم الضفة ومحاولة إقفال وكالة غوث اللاجئين (الأونروا)، وإعادة النظر بتعريف اللاجىء لإلغاء حق العودة وفرض التوطين وتعزيز فرص فرض "الترنسفير الديموغرافي"، وضم الجولان السوري المحتل للكيان الصهيوني وتوسيع عملية التطبيع معه وآخر مظاهره "الورشة الاقتصادية" في البحرين لتحويل القضية الفلسطينية من قضية وطنية وقومية لها شرعيتها الدولية إلى قضية إنسانية تتطلب بعض المساعدات المادية ومنع الحل السياسي في سوريا واليمن، وحيث أمكنه ذلك والتي تتزامن مع التهديدات العسكرية بشنّ الحروب على إيران وشعوب المنطقة، وهو ما يجري التمهيد له في تفجير السفن الناقلة للنفط في خليج عمان.
إنّ هذا التصعيد من قبل الولايات المتحدة والكيان الصهيوني والرجعية العربية ليس إلّا جزءاً من التصعيد الشامل على المستوى الدولي، وهو تعبير يعكس تفاقم أزمة الرأسمالية وتراجع دور الولايات المتحدة الأميركية وعجزها عن تنفيذ مشاريعها، بفعل الضربات التي تتعرّض لها وفشلها في إسقاط الأنظمة التي أرادت إسقاطها من سوريا إلى فنزويلا إلى كوبا وإيران وكوريا الشمالية، مروراً بعدم قدرتها على التحكم بالتناقضات بينها وبين سائر الدول الأخرى من الصين إلى روسيا ووصولاً إلى حلفائها في دول الناتو من تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.
على ما تقدّم، ندعو إلى مواجهة هذا المشروع المتجسّد اليوم بصفقة القرن بمشروعٍ بديل، ولا خيار لنا ولشعوبنا العربية إلّا مشروع المقاومة، مقاومة للتحرير والتغيير، مقاومة عربية شاملة للتحرّر الوطني: ضد الاحتلال الصهيوني والنهب الامبريالي المباشر، وضد الاستغلال الطبقي للأنظمة المحلية وسلطاتها الوكيلة لها وإسقاطها.
ولعلّ ما نشهده من صمود ومقاومة للشعب الفلسطيني في غزة والقطاع ضد الاحتلال الصهيوني ومن موقفٍ فلسطيني موحّد ضد الورشة الاقتصادية في البحرين هو ما يجب أن نبني عليه لتعزيز خيار المقاومة ووضع السلطة في خدمة تطويرها، ومن نمطٍ جديد من الثورات والانتفاضات تتميّز عمّا سبقها من انتفاضات، بفعل دور القوى اليسارية البارز فيها ودور الحزب الشيوعي السوداني، وجذرية الشعارات المطروحة، والالتزام بها يشكّل حافزاً لنا للإقدام وعدم التردّد في اقتحام المشهد السياسي وتقديم كل أشكال الدعم والمساندة لقوى الحرية والتغيير وبخاصة إلى الرفاق في الحزب الشيوعي السوداني وإلى كل القوى المنتفضة في الشارع ضد أنظمتها الرجعية والمستبدة وإلى الشعب الفلسطيني وفصائله المقاومة للاحتلال الصهيوني.

أمام هذا الواقع العربي، لبنان ليس بمنأى عمّا يجري فسماؤه ومياهه مستباحان من جانب العدو الصهيوني وأرضه تبقى عرضة في كل لحظة للعدوان. ولا يترك العدو فرصة إلّا ويعبّر فيها عن نيتّه في اجتياح وتدمير لبنان ولا يمنعه عن ذلك سوى عدم ضمانته للانتصار وتحقيق أهدافه. وهو يواجه أيضاً الانعكاسات السياسية والاقتصادية للنزوح السوري، فيجري راهناً تنافس غير مسبوق في سوق العمل بين فقراء العاملين اللبنانيين وفقراء العاملين السوريين، وتستفيد البرجوازية اللبنانية من هذا التنافس، كونه يسهّل لها إحلال يدٍ عاملة رخيصة غير لبنانية -وبخاصة سورية- بدل اليد العاملة اللبنانية. إن الحزب الشيوعي إذ يدين التمادي في تسييس هذا الملف من جانب قوى داخلية وخارجية وإسباغ طابعٍ عنصريّ على خطابها وممارستها تجاه مسألة النازحين. وهو يؤكّد على ضرورة فتح مسار التنسيق والتعاون المباشر بين الحكومتين اللبنانية والسورية لتأمين العودة الآمنة للنازحين وتنظيمها.
وما يجري اليوم حول الموازنة لا تقتصر أهدافه فقط على مجرّد الحدّ من العجز المالي، بحسب ما يروّجه مؤتمر سيدر، بل تتعدّاه لتحقيق أهدافٍ سياسية الطابع وذات صلة بالهجمة الامبريالية على المنطقة عبر الزيارات المتكررة للمبعوثين الأميركيين والغربيين في محاولة لوضع لبنان أمام خيارين: إمّا المزيد من الضغوط والعقوبات الاقتصادية وعدم استخراج النفط والغاز وفرض توطين الفلسطينيين وعدم عودة النازحين السوريين وضرب المقاومة والتهديد بإدخال لبنان في التفجير الداخلي، وإمّا "انتظامه" في الخط السياسي المطلوب أميركيّاً والتفاوض مع الكيان الصهيوني. وبدل أن يقف من هم ضد صفقة القرن، بالوقوف ضد موازنة سيدر نرى البعض من أطراف السلطة يتسابقون على زيادة الضرائب على الفقراء بحجة تخفيض عجز الموازنة، ليكسب كل منهم ورقة اعتماده الأولى في الارتهان للخارج، وهكذا تم إقرار الموازنة الحكومية بتحميل الطبقات العاملة والوسطى تكاليف تلك الأزمات وتبعاتها الاجتماعية المريرة، فكانت تعبيراً عن انحيازٍ طبقي واضح للريع والربح الرأسمالي ضدّ الأجور والحقوق. وهو ما تصدّى له حزبنا منذ البداية وبادر بالنزول إلى الشارع وإطلاق حراك شعبي للانقاذ لا زال مفتوحاً بكلّ أشكال التحركات السياسية والقطاعية والنقابية لبناء كتلة شعبية قادرة على إسقاط هذا النمط الاقتصادي الريعي وسلطته الفاسدة .
ولا بدّ في هذا الصدد من إدانة الاستمرار بهذه السياسات الاقتصادية-الاجتماعية رغم فشلها ومعها كل الاجراءات الضريبية الجديدة، وبخاصة تلك التي طالت الأجور ومعاشات المتقاعدين والسلع المستوردة. ونرفض الإجراءات العقابية ضدّ موظفي الدولة ومؤسساتها، من خلال منع التوظيف النظامي لصالح التعاقد الوظيفي، وخفض موازنات مؤسسات أساسية كالجامعة اللبنانية، معلنين وقوفنا إلى جانبها ودعم تحركها وإلى جانب كل القطاعات من أجل تحقيق مطالبها المحقة. والمدخل إلى الإصلاح هو في بناء الدولة الوطنية الديمقراطية القادرة على اتباع سياسات اقتصادية جديدة تؤدي إلى إنهاء نمط الاقتصاد الريعي وبناء اقتصاد انتاجي متقدم، وتعديل النظام الضريبي باعتماد ضريبة تصاعدية على الريوع المصرية والعقارية ووقف هدر المال العام والفساد المستشري الذي لا يمكن تحقيقه من خلال هذه السلطة الفاسدة ودولتها الفاشلة، بل يتحقق عن طريق العمل لقيام أوسع تحالف سياسي-اقتصادي-اجتماعي لأن القضية أصبحت قضية إنقاذ شعب وإنقاذ وطن، ولم تعد قضية مطلبية تخص هذا القطاع أو ذاك. إنّها قضية تغيير موازين القوى وبناء الكتلة الشعبية لإسقاط السياسات الاقتصادية-الاجتماعية التي أوقعت البلاد في خطر الانهيار المالي وأشاعت البطالة والفقر وهجّرت ولم تزل تهجّر شبابنا إلى الخارج.
هكذا نكون أمناء مخلصين لشهدائنا ولكل الذين غادرونا. هو العهد نقطعه لهم جميعاً على متابعة المسيرة لتحقيق أحلامهم في وطنٍ حر وشعبٍ سعيد، والذي أفنوا حياتهم من أجله.
عاش يوم الشهيد الشيوعي والمجد والخلود للشهداء الأبرار.