الأحد، كانون(۱)/ديسمبر 22، 2024

عاشت الذكرى السابعة والثلاثون لانطلاقة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية

لبنان
مسيرتنا اليوم من صيدلية بسترس إلى محطة ايوب في الذكرى السابعة والثلاثين لانطلاقة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ضد الاحتلال الصهيوني هي واجب بكل المقاييس في مقدمها تثبيت هذا الواقع السياسي في التاريخ والجغرافيا. فالسادس عشر من أيلول هو محطة من محطات تاريخ حزبنا المقاوم في قوات الأنصار والحرس الشعبي وصولا إلى "جمّول"، هو يوم وفاء وتقدير لقائدها الرفيق الشهيد جورج حاوي، الذي أطلق باسم الحزب مع الرفيق محسن إبراهيم وحسين حمدان نداءها الأول.

هو يوم ننحني فيه أمام تضحيات الشهداء والجرحى والأسرى والمفقودين وكل المقاومين من مختلف القوى الذين قدّموا دماءهم وضحّوا بأرواحهم من كل المناطق اللبنانية وعلى امتداد مساحة الوطن. هو يوم الانتصار لسيدة العواصم، بيروت العروبة والوطنية التي قاتلت واستبسلت ولم ترفع الرايات البيضاء. فتحية لها ولشهدائها... إلى جورج قصابلي ومحمد مغنية وقاسم الحجيري وإلى شهداء صبرا وشاتيلا، وإلى ثوار فلسطين وشهداء الجيش السوري الذين دافعوا عنها وللمقاومين الأوائل الذين نفذوا العمليات الأولى وفرضوا على العدو الانسحاب منها، "فكانت أولا، بيروت"، واستمرت عملية التحرير تحت ضربات أبطال المقاومة الوطنية حتى الشريط الحدودي الذي جرى تحريره على أيدي المقاومة الإسلامية في حزب الله.
والواجب الآخر الذي يدعونا للاحتفال بهذه المناسبة يتجاوز مهمة الحفاظ على هذا التاريخ الوطني المقاوم ليتعدّاه باتجاه البناء عليه وتعزيزه وتطويره.
فالكيان الصهيوني لا زال يشكل خطراً داهماً على لبنان بدعم أميركي ورجعي عربي، مضافاً إليه قوى سياسية في الداخل اللبناني وبعضها ضمن ما يُسمّى بـ"حكومة الوحدة الوطنية"، والتي كانت ولا زالت تراهن على عدوانه لتوظيفه لمصلحتها من خلال مواقفها السياسية، وآخرها حيال العدوان الصهيوني الأخير على الضاحية الجنوبية والذي قمنا بإدانته ودعمنا حق الرد عليه ودعونا وندعو مجدداً الشيوعيين والوطنيين كي يكونوا على أهبّة الاستعداد للمشاركة في مقاومة أي عدوان صهيوني على لبنان بكل السبل والأشكال المتاحة ومع كل المقاومين.
ورغم بقاء هذا الخطر الصهيوني وصراعنا الذي لا زال مفتوحاً معه ورغم تصاعد عدوانيته على لبنان والمنطقة، قام المتورطون من داخل السلطة اللبنانية وأجهزتها بتنظيف سجلات عملائه وإعادتهم إلى لبنان تحت غطاء ما يُسمّى "المبعدين"، إذ بدل ملاحقة ومحاكمة الخائن والعميل لوطنه يجرى تكريمه بتلك العودة لأحد رؤوس الخيانة والعمالة إلى لبنان المدعو عامر الياس الفاخوري، بعد أن سبقه آخرون جرى تغطية عودتهم بمحاكمات شكلية وهم اليوم يسرحون ويمرحون وبعضهم يحتل مراكز سياسية واجتماعية وحزبية وأهلية في المجتمع.
هذه هي استراتيجيتهم الدفاعية التي يدعون اليها، هذه هي أولوياتهم، يفتشون عن كيفية إعادة العملاء ولا يفتشون عن إعادة جثامين الشهداء، شهداء جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ومعتقل الخيام... اسألوا هؤلاء العملاء الذين ادخلتموهم: أين هي جثامين شهداء جمول: جمال ساطي وحسن موسى وحسام حجازي وميشال صليبا والياس حرب و فرج الله فوعاني وحسن ضاهر واياد قصير ويحيى خالد، أين دفنوها؟ وقاحة ما بعدها وقاحة إذ يجري كل ذلك أمام ناظرينا. يعود العملاء ولا تعود جثامين مقاومين الشهداء، يعود العملاء ولا يعود يحيى سكاف المعتقل في السجون الصهيونية، يعود العملاء ولا يعود المناضل المعتقل جورج إبراهيم عبدالله من السجون الفرنسية.
ولأننا لم نعد نحتمل رؤية هذه المشهدية المخزية، ولأننا لن نقبل بأن تصبح العمالة وجهة نظر دعونا بالأمس من معتقل الخيام لإطلاق المحاكم الشعبية واليوم نكررها من بيروت من أجل إنزال أشد العقوبات بالخونة والعملاء، من أجل إنزال حكم الإعدام بهذا الخائن العميل كما جرى مع إعدام العميل أحمد عبد البديع الحلاق بعد تنفيذ عمليته الاجرامية في محلة صفير عام 1996. نعم لتنفيذ هذا الحكم إذا ما تم لفلفة هذه القضية وتغطية هذه الفضيحة الوطنية الكبرى، مطالبين أيضاً بمحاكمة كل المتورطين في السلطة اللبنانية المسؤولين عن تهريب عودة الخونة وتغطيتهم وتنظيف سجلاتهم، معلنين من جهتنا التزامنا بملاحقة هذه القضية حتى ينال هؤلاء العقوبة التي يستحقونها، فما كان هذا السلوك ليستمر لو كان لدينا دولة وطنية ديمقرطية مقاومة طالما دعونا وندعو إليها كبديل عن هذه الدولة الطائفية المذهبية المرتهنة.
ذلك كان وما زال مفهومنا للمقاومة الوطنية اللبنانية منذ انطلاقتها، مقاومة للتحرر الوطني والاجتماعي، تجمع في معركة واحدة تحريرالأرض وتحرير اللبنانيين من نظام الاستغلال الطبقي وطائفيته وتبعيته السياسية والاقتصادية للامبريالية الأميركية. ونؤكد على ارتباط التصعيد الأميركي ضد لبنان وضد المقاومة بما يجري في المنطقة بعد سلسلة الضربات التي وجهت له، في سياق محاولاته المستمرة لتنفيذ صفقة القرن مستفيداً من تفاقم أزمة النظام السياسي الطائفي وسقوط الطائف للدفع باتجاه قيام دولة فدرالية تحاكي مشروع الشرق الأوسط الجديد، ومستخدماً كل أنواع وأشكال الضغوط على الساحة اللبنانية وفي المخيمات الفلسطينية السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية والمالية، لا سيّما استخدام أزمة خدمة الدين العام التي تسببت بها السياسات الاقتصادية – الاجتماعية لتحقيق هدفه بإعادة ترسيم الحدود جنوباً مع الكيان الصهيوني وشرقاً مع سوريا وتوطين الفلسطينيين ومنع عودة النازحين السوريين وإجهاض إنجازات التحرير وتضحيات المقاومين والإمعان بتنفيذ تعليمات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي التي تمثل الأذرع المالية للامبريالية من خلال مقررات سيدر وماكنزي وعلى حساب المصالح الاجتماعية للأغلبية الساحقة من اللبنانيين.
وأمام إمعان السلطة السياسية المضيّ قدماً في سياسة التقشّف وعدم المسّ بمصالح أصحاب الأرباح الرأسمالية والريوع المصرفية والعقارية المترسّخة، وإعلانهم الصريح عن إقرار ما لم يتمكنوا من إقراره في موازنة 2019، لا بديل لنا سوى الحلول السياسية، فهي المدخل الإجباري لحل الأزمة الاقتصادية والمالية التي نتخبط بها، وهي تبدأ بطرح سياسات بديلة تقوم على استعادة المال العام المنهوب وإلغاء الفوائد على سندات الخزينة التي يحملها مصرف لبنان وتعديل النظام الضريبي الجائر ومكافحة مزاريب الهدر والفساد السياسي والمحاصصة، وباتجاه تحميل الذين استفادوا وكدسوا الأرباح الطائلة أن يتحملوا هم تبعات الأزمة التي تسببوا بها عن طريق فرض الضرائب التصاعدية على الأرباح لتصل إلى 30% وضريبة على الفوائد المصرفية تصل إلى 15% وإلغاء كل أشكال الإعفاءات الضريبية عن حيتان المال، ومواصلة الجهود بكل الوسائل المتاحة لتعبئة وتكتيل أوسع القوى الاجتماعية والشعبية المتضرّرة من الأزمة، للتمكّن عبرها من خلق موازين قوى قادرة على إطلاق حركة شعبية واسعة تفرض تعديلات جوهرية على مضمون تلك التوجّهات.
* كلمة الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني حنا غريب في الذكرى السابعة والثلاثين لانطلاقة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية