الأربعاء، تشرين(۲)/نوفمبر 13، 2024

الملك العام يشترى ويباع في بيروت ومعركة الملكية مستمرة...

لبنان
هل تعيد حكومة العهد الجديد الأملاك البحرية المسلوبة، أم ستسير على نهج سابقاتها من الحكومات المتعاقبة، ولاسيما الحريرية منها؟! فما زالت سيناريوهات حيتان العقارات، مستمرة في عمليات السطو على الأملاك البحرية وحرمان الناس منها، دون حسيب أو رقيب.تلك الأملاك هي أملاك الشعب الممنوعة عليه لمصلحة بعض السياسيين والمتنفذين لاستغلالها، وآخرها الاستيلاء على ما تبقى من منافذ بيروت البحرية، عبر الاعتداء على شاطئ الرملة البيضا والذي كرّس ملكاً عاماً، لا يُباع، ولا تكتسب أي حقوق ملكية عليه مع مرور الزمن، وفقاً للقانون 144.

الرملة البيضا... ملك عام قانونياً

أصبح شاطئ الرملة البيضاء، عام 1983 مسبحاً عاماً بقرار من مجلس بلدية بيروت في عهد حكومة شفيق الوزان. القرار كان يدرك حقيقة الأهمية الاجتماعية لهذه المنطقة وكونها عنصراً رئيسياً في النسيج الاجتماعي للمدينة وضواحيها.

في عام 1925 صدر القانون 144، الذي نصّ في المادة الثانية منه، على أنّ "المياه الجارية تحت الأرض والينابيع من أي نوع كانت هي أملاك عمومية"، فيما تمنع المادة الأولى من القانون نفسه "بيعها أو اكتساب ملكيتها عبر الزمن". لذلك فإن ما يحصل اليوم في الرملة البيضا يمثّل خرقاً واضحاً للمادّتين، إذ تجري عمليات الحفر في موقع مشروع الـ "إيدن روك" في نقطة تنبع منها مياه البحر، وذلك ما يدرجها في خانة الملك العام.
وبحسب القانون 144 ذاته، فإن المياه التي تنبع في مكان الحفر تسقط أي حجج أخرى تبيح انتهاك "الملك العام" حتى لو جرت محاولات لـ "قوننتها"، خصوصاً أن هناك خروقاً كثيرة للقانون في المشروع الذي يجري العمل فيه، فقد حاز الترخيص من دون تدخل الوزارات المعنية لجهة رسم الحدود البحرية ودراسة الأثر البيئي.


هذه الحقوق هي حقيقة، معروفة تمام المعرفة من قبل الشعب والسلطة أيضاً، والتي عمد بعض المسؤولين فيها إلى التلاعب بالقوانين والمراسيم، و إصدار سلسلة من الاستثناءات، والقرارات، والرخص المخالفة للقانون واللجوء أيضاً إلى إخفاء الوثائق وصولاً إلى يومنا هذا حيث يحاولون تصوير المعركة على أنها معركة لحماية الملكية الخاصة، كما أظهرتها بلدية بيروت في بيان لها منتصف الشهر الحالي، مؤكدة أن الموقع الذي تجري فيه أعمال الحفر والبناء في العقار رقم 3689 المصيطبة في منطقة الرملة البيضاء يقع خارج المسبح الشعبي ويبعد مسافة تزيد عن الثلاثماية متر جنوباً عنه... وأدعت أيضاً أن "الموقع المذكور هو عبارة عن عقارات تقع ضمن الأملاك الخاصة منذ العام 1932 كما تظهره خريطة المساحة وسندات الملكية المستندة إلى سجلات الدوائر العقارية، وإن الأعمال الجارية في الموقع تستند إلى الترخيص بالبناء المعطى وفقاً لأنظمة وقوانين البناء".

المادة 73
وبالرغم من كل احتجاجات جمعيات المجتمع المدني من أجل الحفاظ على الملك العام ما زالت هذه الحقوق حبراً على ورق. وخير دليل على ذلك المادة 73 من قانون العقوبات، والتي تفيد أن من يستولي من دون مسوّغ شرعي على عقار أو قسم منه بقصد السكن أو الإشغال أو... يعاقَب بالحبس من شهر إلى سنة وبغرامة مالية. ومن الحالات التي تقتضي العقوبة وفقاً للمادة 257 استمرار المتعدّي بوضع يده على العقار أكثر من شهرين.

 


الاعتداءات المتكررة
تُظهر خريطة صادرة عام 1932 أن مساحة شاطئ الرملة البيضاء كانت أكبر بكثير مما هي عليه اليوم، وأنّ جميع العقارات هناك لم تكن يوماً صخريّة بل رملية، وتُظهر خريطة رسميّة تعود إلى سنة 1965 أن حدود العقارات "المتّصلة بالشاطئ" تقع تحت خط حدود البحر، ما يعني أنها ملكاً عاماً بحسب أحكام القوانين المرعية الإجراء.

بدأت جرافات في 21 حزيران 2016، العمل على إزالة الأدراج التي تطل على شاطئ الرملة البيضا وتؤدي إليها، وعمدت على إقفال المنطقة أمام المواطنين ومنع النزول إليها، دون معرفة الجهة التي تقوم بذلك، وسط نفي لكل من رئيس بلدية بيروت السابق بلال حمد والمحافظ ومفرزة الشواطئ في بيروت علمها بأي أعمال في المنطقة.

وارتبط بدء التعديات على شاطئ الرملة البيضا، باسم ورثة الحريري. حيث برز في 24 حزيران الماضي، اسم محمد سميح غدار في ملف العقارات الأربعة فيها، وادعاءه ملكيته لها بعد شراءه شركة ورثة رفيق الحريري.
ومؤخراً منذ فترة وجيزة بدأت أعمال الحفر ونقل الرمول في الجزء الجنوبي من شاطئ الرملة البيضا استعداداً لبناء منتجع سياحي جديد، "إيدن باي ريزورت"، على الشاطئ العام الرملي الوحيد المتبقي في بيروت، وسط استنفار الجمعيات المدنية واستياء روّاد الشاطئ الذين يعتبرون الموقع جزءاً من الأملاك العامة البحرية، وبرز اسم علي وسام عاشور بملف الاعتداء أيضاً.
غدار وعاشور وورثة الحريري، هي ترويكا تحاول عقد صفقة مع الدولة لاستردادها الأملاك العامة عبر شراءها من المعتدين والمدعين امتلاكها بأسعار باهظة يتكبد دفعها الشعب الفقير الذي تسرق حقوقه وتشترى وتباع في بازار السياسيين ومحاصصاتهم.


معركة "الملكية" مستمرة
تاريخ محاولات وضع اليد على الرملة البيضاء ودور مافيا السلطة في محاولة الاستيلاء على الملك العام أصبح مفضوحاً. ومعركة المليكة هي أولى المعارك التي بدأتها جمعيات المجتمع المدني والناشطين ومنها جمعية "نحن" التي تشدد رفضها قيام أي مشروع خاص على الرملة البيضاء.
وفي حديث لـ "النداء" مع رئيس جمعية "نحن" محمد أيوب التي بدأت مواجهتها مع التعديات على الأملاك البحرية في بيروت منذ شباط 2013، عندما كُشف أن هناك سندات خاصة للرملة البيضا، ترافقت مع الإهمال المستمر لهذا الملف وبروز وثائق مزورة واختفاء وثائق رسمية... أشار أيوب إلى "أن جبهة المعارك مفتوحة لمواجهة محاولة إقفال الرملة البيضا أمام العموم منذ سنتين، وتلتها محاولة بيعها إلى البلدية، التي تصدينا لها، وآخرها اليوم محاولة قضم جزء من شاطئ الرملة البيضا، أي ما يعرف بمشروع عاشور "ايدن باي ريزورت""، مؤكداً استمرار المجتمع المدني والناشطين بالتصدي لهذا المشروع لأن البناء على أملاك عامة انتهاك للقانون.

وأعتبر أيوب في رده على بيان بلدية بيروت الأخير الذي يدعي أن المشروع يُقام على أملاك خاصة، أن البلدية هي مستقيلة أساساً من القيام بواجباتها. وهي شريكة أيضاً بالجريمة التي تحصل على الرملة البيضا من خلال التشريع وإعطاء الموافقة وغض النظر عن الاعتداء الحاصل. عوضاً عن القيام بواجبها وتنظيم المدينة بشكل تكون لكل الناس وحماية الأملاك العامة. و "بالمبدأ العام لو وجدت بلدية وسلطة تحترم الناس وحقوقهم لم نكن بحاجة للحديث عن الملكية الخاصة. وفي كل دول العالم، قيمة الأرض لا تحددها ملكية الشخص لها، بل القوانين والأنظمة التي تحدد مدى استثمار هذه الملكية أو عدمها. كما أن هناك عدد من العقارات التي تقع ضمن المنطقة العقارية العاشرة ــ القسم الخامس. شمالاً، ويحظّر فيها إقامة أي بناء من أي شكل كان، كما يحظّر تغيير وجه الأرض الطبيعي".
والبلدية هي التي تحدد بالتعاون مع التنظيم المدني قيمة الأرض والمشاريع المفترض القيام عليها. ومن المعروف أن هناك مؤامرة على كورنيش وشاطئ الرملة البيضا، تمت عبر تزوير القوانين التي كانت تمنع البناء عليه وعدّلت لمصلحة بعض المستثمرين المتنفذين.
وبما يخص التفاصيل، هل الرمل هو أملاك عامة؟ يشير أيوب أن بلدية بيروت لا تستطع الإجابة على هذا السؤال. و"محافظ البلدية يشير أن هناك سندات ملكية ولكن هناك وثائق كثيرة ناقصة مختفية، معلناً عدم إمكانيته تأكيد مدى صحة ملكية هذه العقارات أو عدمها. والبلدية نفسها اليوم هي غير أكيدة أن الرملة البيضا أملاك خاصة أو عامة. ما يعني أن هناك شك في ملكيتها، وهناك تزوير ما. و"للأسف، السلطة تقذف مسؤوليتها علينا للبحث عن الوثائق التي فقدتها، ونحن لا نمتلك القدرة للتأكد والبحث عن الوثائق. وحتماً هي أملاك عامة، ومن الواضح أن البناء يتم على الأملاك العامة البحرية، إذ كان الموج يغطيه سنة 1955 وما زال حتى اليوم، ومن المتعارف عليه أن المكان الذي يضربه الموج هو ملك بحري، ومكان البناء هو امتداد للشاطئ، وبالشتاء يضرب الموج عليه مما يعني هي أملاك بحرية".
وفي كل الدول المحترمة يوجد للشاطئ حرم خاص به، والمفترض الابتعاد عن الشاطئ 25 متراً عند البناء، حتى عاشور لم يكن يستطع البناء، ولكن رئيس الجمهورية السابق العماد إيميل لحود أصدر مرسوماً استثنائياً له، مفاده السماح له بالبناء عن بعد مترين فقط من الملك العام. ويحمّل أيوب السلطة مسؤولية الاعتداء الحاصل عن شاطئ الرملة البيضا، "لأنها هي التي سمحت لعاشور بالبناء، وغير صحيح وغير مؤكد أنه ملكه الخاص. وهناك تزوير وتواطئ والسلطة غائبة سواء من جهة البحث عن الوثائق، أو من جهة التحقيق بالتعديات أو من جهة تنظيم المنطقة للمحافظة عليها وعدم السماح بالاعتداء عليها".


"الشط لكل الناس"
لبنان هو البلد الوحيد في العالم الذي تشرّع دولته الاستثمار على الشاطئ الذي يجب أن يكون بأكمله ملكاً للشعب. ومشروع "الإيدن روك" اليوم هو نموذج إضافي عن مشروع خصخصة الشاطئ العام.
وللأسف، هذا هو واقع تواطئ السلطة مع المستثمرين ضد الشعب، والجميع يشاهد اغتصاب الرملة البيضا. ويطالب النشطاء والمجتمع المدني بفتح تحقيق في هذا الموضوع لمعرفة المعتدين وتحويلهم للقضاء. ولكن هل سيوجد في الحكومة العتيدة من يستجيب؟!

وبعد اعتصام "الشط للسباحة... مش للاستباحة"، تقام غداّ السبت مسيرة "الشط لكل الناس" في تمام الساعة الرابعة عصراً، من أمام مدخل "المسبح الشعبي" في الرملة البيضا باتجاه مشروع "الإيدن روك".