الخميس، تشرين(۲)/نوفمبر 14، 2024

محمود مروة نجا من كمين إسرائيلي ووقع في كمين المصرف

  حازم الأمين
لبنان
الناجي الوحيد من الكمين الإسرائيلي هو اليوم في قبضة الشرطة. وبين واقعة الكمين الإسرائيلي وكمين المصرف، نحو ثلاثين سنة أمضاها محمود في العمل الشاق بين متجره ومزرعته ومنزله، إلى أن جاء المصرف وانقض على جنى عمره“فرنسبنك” مصرف لبناني من بين أكثر من 60 مصرفاً أقدموا على مخالفة القانون اللبناني وأطبقوا على ودائع لبنانيين أمضوا حياتهم يدخرون من أجل مستقبل أولادهم. هذا المصرف هو اليوم حر وطليق اليدين ويواصل حجزه ودائع الناس، لا بل إنه قامر بها على طاولة الهندسات المالية التي أعدها له حاكم مصرف لبنان.

وفي هذا الوقت أقدم مواطن لبناني ما على رشق أحد فروع هذا المصرف في مدينة صيدا بأصبع ديناميت في وقت الإفطار، فتحطم زجاج المصرف الخارجي، واستنفرت الدولة وأجهزتها لكشف الفاعل، وأعلن وزير الداخلية الجنرال محمد فهمي أنه لن يسمح بالتعرض للأملاك الخاصة، ويبدو أن الوزير لا يعتبر أن المصرف اعتدى بدوره على أملاك الناس الخاصة أيضاً في عملية سطو معلنة وموصوفة ومعلومة التفاصيل والوقائع والأرقام.
والحال أن الدولة التي هبت هبة الرجل الواحد لتنتقم للمصرف المسكين ألقت القبض على كلٍ من محمود مروة وصديقه في انتفاضة صيدا وفي ساحة ثورتها وضاح غنوي، واتهمتهما بإلقاء إصبع الديناميت على المصرف البريء من أموال مودعيه. ومحمود مروة لمن لا يعرفه، في العقد الخامس من عمره أمضى العقود الثلاثة الأخيرة في تجارة الحبوب والخضروات، وفي بناء عائلة وجدت نفسها فجأة بعد سنوات الاجتهاد أسيرة الـ”كابيتول كونترول” غير القانوني والذي يمثل عملية سطو وقحة على أرزاق الناس وعلى تعبها. ومحمود الذي أرهقه فساد الدولة قبل سطو البنك على مدخراته، لطالما شعر بالمرارة جراء ما كان يتعرض له من ابتزازات خلال استيراده الحبوب، ولم يكن يسلم بها إلا في اللحظات الأخيرة، ولطالما قال لي “يا حازم أريد أن أخرج البضاعة من المرفأ، ولن يفيد إصراري على الالتزام بالقانون، فذلك يعني أن البضائع ستنام أشهراً في أهراءات المرفأ”! وإذ بدولتنا العلية تنقض على ضحية نموذجية، وتقرر حماية أملاك المصرف الخاصة التي أصابتها إصبع ديناميت فشطبت زجاج واجهتها.

ومحمود مروة امتداد لقصة طويلة تبدأ عندما كان اسمه “الرفيق حازم” الاسم البديل (الحركي) الذي كانت الأحزاب تطلبه من أعضائها، وهو حين باشر عمله مع العائلة مع نهاية الحروب اللبنانية فعل ذلك مختتماً مرحلة وجيلاً وحرباً كانت أدمت وجوهنا كلنا نحن أبناء جيل المحاربين الأخير. محمود بين قليلين منا كان قرر أنه اذا كان لا بد من القتال فهو على جبهة واحدة، فالحرب هي مع محتل وليست مع “أعداء الداخل” على ما كان يرطن، بينما انغمسنا نحن في حروب الداخل حتى أعناقنا. واظب محمود بعناد نادر على غزوات على مواقع الإسرائيليين متنقلاً بين جزين وإقليم التفاح، وصولاً إلى البقاع الغربي الذي كان محطته الأخيرة في القتال، هناك حيث استبق الاسرائيليون وصوله إلى الموقع بكمين اصطاد المجموعة فقتل جميع أفرادها ومن بينهم بلال رعد وبلال الحريري، واخترقت شظية صدر محمود واستقرت برئته، لكنه وبفعل قوة بنيته تمكن من الانسحاب، ونجا من الموت.

محمود هذا يطارده اليوم “فرنسبنك”. الناجي الوحيد من الكمين الإسرائيلي هو اليوم في قبضة الشرطة اللبنانية، وبين الواقعتين، واقعة الكمين الإسرائيلي وكمين المصرف، نحو ثلاثين سنة أمضاها محمود في العمل الشاق بين متجره ومزرعته ومنزله، إلى أن جاء المصرف وانقض على جنى عمره، لا بل انقض على ماضيه الذي لطالما كان يعتقد أنه خالٍ من شوائب لابست ماضينا نحن رفاقه وأصدقاءه. لطالما كان يقول لي إنني لا أستحق اسمي لأنني حملتُه معي إلى حروب “غير نظيفة”، وهو إذ سرقه مني أرادَ غسله من ذنوب أعتقدَ أنني ارتكبتها وهو لم يرتكبها.

بعد “17 تشرين” عاد محمود وصار ثائراً في كل الساحات. اصطحب معه عائلته. لينا ورغد وصبوة وحسن صاروا جزءاً من مشهد التظاهرة في صيدا. ما حصل أشعره بظلم كبير، لم يشعر به في لحظات مواجهات أكثر شراسة كان خاضها على خطوط القتال مع جيشي إسرائيل ولحد. هناك كان مصيره لوحده على المحك، وفي مواجهة اليوم مصير العائلة كلها صار عرضة لسطو المصرف ودولة الفساد، الفساد الذي لطالما كابده في تجارته.

المفارقة فعلاً كبيرة. التهمة الموجهة لمحمود هي أصبع ديناميت على واجهة مصرف، أضراره اقتصرت على تحطيم الزجاج، وفي مقابل هذه التهمة هناك حقيقة تتمثل في أن المصرف أقدم على جناية حرم عبرها آلاف الناس من جنى أعمارهم، وعطل مستقبل طلاب وتلامذة وعائلات، مخالفاً بذلك أكثر من قانون. المصرف حرٌ طليق ومستمر في عمليات السطو، ومحمود في السجن.
*المصدر: درج