كان المجتمع الدولي، من خلال قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، يرى أن لجوء العدو الصهيوني إلى توطين السكان، على أراضٍ احتلّها خلال حرب عام 1967 ليس أمراً قانونيّاً. والجدير بالذكر أنّ الولايات المتحدة الأميركية، كانت طرفاً في هذا الإجماع الدولي. ولطالما أشارت إلى أنّ هذه المستوطنات "غير شرعية" و"غير قانونية". لكنّ الإدارة الأميركية بقيادة ترامب غيّرت هذا الموقف، إذ تمّ الإعلان منذ أكثر من أسبوع، وعلى لسان وزير الخارجية مايك بومبيو أن حكومته "لم تعُد تعتبر المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية غير قانونية"، وأردف بومبيو قائلاً إن "وصف بناء المستوطنات الإسرائيلية بأنه مخالف للقانون الدولي لم يجدِ نفعاً، ولم يساعد في إحراز أي تقدم في قضية السلام". ولكنّه انسجاماً مع الواقع والمصداقية كان عليه أن يضيف "وذلك يعود للتعنّت الإسرائيلي وعدم انصياع الكيان الصهيوني للقرارات الدولية".
من الطبيعي أن يهلّل نتنياهو للتصريح الأميركي ويطلب من كل الدول أن تحذو حذوه. لا شك أنّ الدعم الأميركي الجديد، ينال من مفهوم الحقوق الوطنية الفلسطينية، وحق تقرير المصير، ويعزّز التحرّك نحو التوسّع الاستيطاني، وضمّ المزيد من المستوطنات وبنائها على الأراضي الفلسطينية المحتلة. كما جاء على لسان أكثر من مسؤول أوروبي ودول أخرى. بل أكثر من ذلك شجّع قطعان المستوطنيين، على الهجوم لاحتلال منازل وبيوت فلسطينية وطرد سكانها وتشريد العائلات في العراء والمخيمات المجاورة، كما جرى في مدينة الخليل، التي أعلنتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (الأونيسكو) "مدينة تراثية فلسطينية" لا تمت إلى اليهودية بصلة تاريخية. كما تجدر الإشارة في هذا السياق، أن ما يربو على 413 ألف مستوطن صهيوني يعيشون في هذه المستوطنات وتزداد أعدادهم، وهناك 13 مستوطنة في القدس الشرقية ويسكنها 215 الف مستوطن - وهذه بعد اتفاق أوسلو المشؤوم – وستزداد بوتائر سريعة بعد القرار الأميركي الأخير، والقرارات السابقة كالاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال ويهودية هذه الدولة والكيان المصطنع.
إنّ خطوة القرار الأميركي، لا تتمثل بالاعتراف بهذه المستوطنات فحسب، بل إن وجود هذه المستوطنات في القدس والضفة الغربية، يجعل من المستحيل قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة، لأنّ حرية التنقل تُقيّد من خلال مئات نقاط التفتيش وحواجز جيش الاحتلال والعقبات التي يضعها بذريعة "حماية أمن المستوطنات". ونذكر هنا أن آخر حاجز لجيش الاحتلال يبعد بضعة أمتار عن مقر السلطة الفلسطينية في رام الله حيث يخضع رئيسها في الدخول والخروج لمزاجية وأوامر الاحتلال المذلة والمهينة، هذا من جهة، أمّا من جهة ثانية، سقطت الرهانات التي أقامتها السلطة الفلسطينية على قيام دولة فلسطينية وعن طريق المفاوضات وبرعاية أميركية وحدها، وهذه أيضاً برسم الفصائل الفلسطينية والحركات المقاوِمة التي سارعت إلى القبول بدولة فلسطينية على أراضي الـ67، وقدّمت تنازلاً مجانيّاً للكيان الصهيوني، الذي لا شك يضحك ويسخر منه العدو، لأنّه اعتراف ضمني بالدولة القائمة على ما بقي من أراضٍ فلسطينية أي "إسرائيل"، ولم يحصلوا بالمقابل ويحصدوا إلّا الخيبة والازدراء من العدو الصهيوني. وقد عبّر نتنياهو عنه بالقول "إنّ إقامة دولة فلسطينية تعني بدء نهاية إسرائيل".
إنّ الإدارة الأميركية أنهت اللبس في السياسة الأميركية، من خلال الاعتراف بسيادة الاحتلال على القدس الشرقية ومرتفعات الجولان. وهذا ما جعل نتنياهو بالمقابل يعلن بأنّه "يسعى إلى ضم وادي الأردن وشمال البحر الميت مستقبلاً".أمّا ما يخفيه ترامب ويعدّه من مفاجآت، وقد قال أنّه سيعلن عنها قريباً، هي خطته لاتفاقية سلام إسرائيلية - فلسطينية، أسماها صفقة القرن، فهو إمّا سيعود لفكرة الكونفدرالية بين الأردن وما تبقّى من أحياء وبلدات مُقطّعة الأوصال مع الضفة الغربية. ولا سيّما أنّ هناك ترحيباً من مسؤول أردني في هذا الخصوص، وبين مصر وقطاع غزة، وإن لم تنضج على هذا المحور، فالبديل إقامة إمارة بين قطاع غزة ومصر، بعد استقطاع أراضٍ من شمال سيناء وضمّها للقطاع.
كل ذلك يجري، في ظل صمت عربي لا نقول مريباً بل بتواطؤ واضح تمثل بموافقة أنظمة عربية رجعية، وبخاصة خليجية، تقيم علاقات مع العدو الصهيوني، أضحت علنية، فيما تدّعي دعمها لحقوق الفلسطينيين، وهو دعم لفظي لا يُصرَف على أرض الواقع. ولم يبقَ أمام الشعب الفلسطيني إلّا النضال والمقاومة، "لأنك لست مهزوماً ما دمت تقاوم". لن تتحقق قضية الشعب الفلسطيني بالمفاوضات بل بوحدة الفلسطينيين لتصعيد المقاومة، من أجل قيام الدولة الوطنية على كامل التراب الوطني الفلسطيني.
Read more...