الخميس، تشرين(۲)/نوفمبر 14، 2024

أهكذا سيكون المشهد؟

فلسطين

ليس بعيداً عن الحدود المصطنعة التي زرعها المستعمر، تقع بلدة صلحة المحتلة (مستعمرة أفيفيم). لا فرق هنا إنْ كانت لبنانية أو فلسطينية، طالما أنّها تتبع مباشرة بعبارة "محتلة". وهذا يعني أنّ واجب تحريرها لا يعترف بالتبعية "السايكس-بيكية" (نسبةً لمعاهدة سايكس-بيكو) لها.

في تلك البلدة، يوجد قاعدة عسكرية لجيش العدو، ولا حاجة هنا للتوسع بالشرح حول دور ومكان وتفاصيل هذه القاعدة. فالشرح حصل من قبل "المقاومة الاسلامية"، خلال بثّها تفاصيل العملية التي حصلت في "صلحة"، ونعتقد أنّ كل اللبنانيين وغير اللبنانيين أيضاً، قد شاهدوا التسجيل المصوّر الذي يوثّق العملية.
في اليوم التالي لتنفيذ العملية، دخلت مراسلة قناة "روسيا اليوم" في فلسطين المحتلة داليا النمري إلى صلحة. من شارع إلى آخر، وجدت نفسها والفريق المرافق أمام الثكنة العسكرية. داليا التي لا تغطي تقريبا إلّا الحروب والاعتداءات منذ عدة سنوات، وهي التي تعرف الصهاينة جيداً، وتعرف مواقعهم المحصنة، وجدت نفسها أمام قاعدة عسكرية مُشرّعة الأبواب. دخلت، وعلى الهواء مباشرة كانت تنقل لنا ما تراه: ناقلة جند مهجورة هنا، ومركز قيادة هناك، غرف مفتوحة الأبواب، ويبدو واضحاً أن من كان هنا قد ترك المكان بسرعة، فعلى الطاولات في غرفة الطعام بقايا طعام وشراب، وأوراق من الممكن أن تكون مهمة في غرفة أخرى. أما غرفة المنامة، وهي طبعاً غرفة من المفترض أن تكون لجيش نظامي، فالأسرّة متروكة دون ترتيب، وهذا أيضاً يعني أن من كان ينام فيها قد غادرها دون إعطاء أي اعتبار للقوانين والأنظمة العسكرية، لأنّه يبدو أنّهم هربوا، ومع الهروب لا مجال للنظام. وليكتمل المشهد، تظهر لنا الكاميرا أن هؤلاء الصهاينة تركوا حتى مخازن الذخيرة الخاصة بأسلحتهم.
عندما سأل مذيع القناة المراسلة داليا عن رأيها بما شاهدته، كان جوابها بأنها لم ترَ خلال كل مسيرتها الصحفية كمراسلة ميدانية مشهداً كهذا من قبل. قاعدة عسكرية بكل ما تحتويه من معدات وأسلحة وذخائر ووثائق، تُرِكت على عجل وهرب أصحابها. قاعدة عسكرية مهجورة. ولا بدّ من الإشارة هنا، إلى أنّ ما حصل في هذه القاعدة وُضِع ضمن إطار التمويه الذي قام به العدو، أي أنّه أخلى الموقع ووضع أهدافاً وهمية للمقاومة. قد يكون هذا التبرير ممكناً لولا أن المراسلة دخلت في اليوم التالي للعملية. أي أنّ الجندي الصهيوني الذي تلقى الضربة من المقاومة، لم يشعر بالأمان ولم يعُدْ إلى ثكنته حتى بعد مرور يوم كامل. حسناً، هذه التفاصيل تبقى ضمن التكتيكات العسكرية التي لا تفيدنا كثيراً في تصوير مشهدنا.
من الطبيعي ألّا تكون داليا قد شاهدت هكذا مشهد من قبل. فللأسف لم يحظَ أي مراسل بتغطية هكذا مشهد في فلسطين حتى الآن. هذه الواقعة تحدث فقط عند فرار الاحتلال في لحظة التحرير. وفي فلسطين لم يأتِ التحرير بعد للأسف، ولكن إلى حين. يذكّرنا هذا المشهد، بالساعات الأولى لتحرير جنوب لبنان، وخاصةع ندما دخلت مجموعات من الحزب الشيوعي اللبناني بقيادة الرفيق الراحل كمال البقاعي منزل العميل لحد وثكنة مرجعيون وكذلك مبنى إذاعة "صوت الامل" (أو صوت العمالة)، تشابه المشهد وتتالى. مراكز ومنازل مهجورة، تركت على عجلة، حتى أنّ ركوة القهوة كانت لا تزال ساخنة.
إن المشهد الذي نقلته داليا، كان التجسيد الحقيقي لمشهد "العزة والكرامة". كانت عيون المراسلة تلمع وصوتها يحمل رجفة الانتصار. يخيّل لنا بأنها كانت تريد أن ترقص، ولكن ضوابط المهنة منعتها. ما رأيناه في صلحة المحتلة، كان نفسه المشهد الذي سنراه في صلحة المحرّرة. حينها سنعود لنرقص على الدبابات المهجورة، حينها لن تكون صلحة لوحدها، بل ستسقط تلك الـ "للأسف" التي استخدمناها أعلاه، وسيكون لأهل قرى فلسطين ومدنها شرف تجربة ما عايشه أهل لبنان، وخاصة ما عايشته داليا.
إلى أن يأتي ذلك اليوم، المجد للمقاومة. فلا تحرير ولا عودة من دون سواعد أبطالها.

# موسومة تحت : :