الاعتصام الذي بدأ
كما توزّعت في الساحة أكشاك للجان حزبية ولوسائل إعلامه، وأخرى داعمة (مجلّة النداء، إذاعة صوت الشعب، منبر قمرية النسوي، لجنة العدالة البيئية، تعاونية "أيلول" النسائية والنادي الثقافي الفلسطيني). ولم تخلُ الساحة من مكان مخصص للتضامن مع الأسير المناضل جورج عبدالله. وبعد نهاية الاحتفال، توجّه المتظاهرون إلى ساحة رياض الصلح للاعتصام حتى يوم السبت، خلال موعد انعقاد جلسات نقاش الموازنة.
بيد أن هذا التحرّك ليس وحيداً. فالشيوعي يعمل منذ فترة على عدد من التحرّكات ضد السياسات الاقتصادية التي تتبنّاها الدولة والهندسات المالية لمصرف لبنان، وخاصة لنتائج مؤتمر سيدر. فمنذ تظاهرات كانون الأول المعنونة "إلى الشارع"، حتى أعداد مجلّة النداء التي تفنّد السياسات الاقتصادية المتّبعة ونتائجها، انتهاءً ببيان المكتب السياسي للحزب يوم 30 نيسان 2019، وجّه الحزب نقده إلى مسبّبي الأزمة المتهّربين من تحمّل المسؤولية، والساعين لإجبار الشعب –أي الفئات التي دفعت منذ البداية كلفة هذه السياسات- إلى تحمّلها مجدّداً.
نحن اليوم نواجه "سيدر"، في موازنة وصفها الأمين العام العام للحزب الشيوعي اللبناني حنا غريب في كلمته بـ"موازنة تخدم الأثرياء في المصارف والشركات الأحتكارية لأنها تعفيهم من الضريبة التصاعدية وتزيد الدين العام وخدمته ومن أرباح المانحين الغربيين وعبر الخصخصة، كما تزيد الركود والانكماش في الدورة الاقتصادية وتضاعف من تدهور الزراعة والصناعة والخدمات المنتجة".
ووصف غريب التحرّكات هذه بأنها متابعة لمسيرة "ضد نظام المحاصصة والفساد والاستزلام لتحريره من التبعية والوصايات الخارجية وتحرير كل اللبنانيين من معتقلات هذا النظام من اجل بناء دولة ديمقراطية علمانية ذات اقتصاد وطني منتج قادر على تحقيق النمو وتأمين فرص العمل وإخراج لبنان من خطر الانهيار المالي ومنفتح على إمكانية التكامل مع الاقتصاديات العربية خدمة لشعوب المنطقة وتنمية لمجتمعاتها وللخلاص من هذا الاقتصاد الريعي التابع الذي شكل أداة من أدوات ارتهان قرارنا الوطني والسياسي والاقتصادي للضغوط الاميركة والغربية عبر أذرعها في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومن خلال سياسات الحكومات المتعاقبة على مدى ثلاثين عاماً عبر مسلسل مؤتمرات باريس 1 و2 و3 واليوم باريس 4 المُسمّى سيدر".
وقد وصف الأمين العام للتنظيم الشعبي الناصري النائب الدكتورأسامة سعد الأزمة بقوله "إن نظام التبعية والطائفية والاستغلال والفساد دفع لبنان نحو خطر الانهيار ودفع اللبنانيين إلى الحاجة والبطالة والهجرة السلطة تعمل على إضعاف مؤسسات الدولة وبيع القطاع العام بأبخس الأثمان، وعلى رهن لبنان للمصارف والشركات والدول الأجنبية. والسلطة تريد تحميل اللبنانيين النتائج الكارثية لسياساتها وممارساتها، وتريد تدفيع ذوي الدخل المحدود تبعات الازمة والانهيار. لكن الحراك الشعبي والقطاعات المعنية يقفون لهم بالمرصاد".
وألقت النقابية بهية بعلبكي كلمة التيار النقابي المستقل، مفندّة ما تسعى الدولة اليوم إليه من "تخفيض رواتب السلسلة، وضرب معاشات التقاعد ونظامه والتقديمات الاجتماعية والضرائب الكبيرة، وزيادة في الTVA إلى 16% وزيادة تنكة البنزين 6000 ليرة، وغيرها". وأكملت بعلبكي قائلة "كان وزير المال سبق إلى ضرب المادة 18 من قانون 46 قانون سلسلة الرتب والرواتب بتغيير مضمونها ببيان رغم أن القانون –يا دولة القانون- لا يعدّل إلّا بقانون، فلم يصل منها إلّا 37% للأساتذة والمعلمين في القطاع العام، مع تجزئتها على ثلاث سنوات".
أمّا مطالب التيّار، فظهرت في قول بعلبكي "إن التيار النقابي المستقل يحمل هذه السلطة بكل مكوناتها مسؤولية أي اعتداء على حقوق الناس ومكتسباتهم التاريخية او التعرض للقمة عيشهم الكريم؛ ويطالب هيئة التنسيق النقابية بوضع برنامج واضح يحافظ على:
- السلسلة وعدم المس بها ، مع العلم أنها سلسلة مسخ ويجب تصحيحها.
- التقديمات الاجتماعية والصحية وعدم المس بها، بل يجب تصحيحها.
- التقاعد وعدم المس به وتوكيد حق المتقاعدين بالـ 85% التي أقرتها المادة ١٨ من قانون السلسلة وتطبيق نصها بحذافيره.
- حق الأساتذة الثانويين الجدد والمتمرنين بالدرجات الست مع مفعولها الرجعي منذ ٢٠١٧/٨/٢١، والافراج عنها.
- حق معلمي المدارس الخاصة بكامل السلسلة وبمفعول رجعي، أسوةً بزملائهم في التعليم الرسمي وعملاً بمبدأ وحدة التشريع.
- الوظيفة العامة والملاك الوظيفي بإجراء المباريات الدورية عبر مجلس الخدمة المدنية والتأكيد على رفض التعاقد الوظيفي. إن المقصود ضرب دولة الرعاية لصالح الخصخصة.
من جهة أخرى، وفي إطار طرحه لبديل عن سياسات التبعية التي تقترحها الدولة، دعا الحزب الشيوعي اللبناني من خلال بيان مكتبه السياسي إلى "سياسة ضريبية اصلاحية حقيقية تؤدي الى زيادة كبيرة في واردات الدولة، وتستند مفاصلها ألأساسية على الآتي:
- رفع معدل الضريبة على شركات الأموال إلى 30%.
- وضع ضريبة تصاعدية على الفوائد المصرفية بدءا من 7% وصولاً إلى 15%.
- وضع ضريبة 2% على الثروة الصافية للأفراد التي تفوق المليون دولار.
- تعديل ضريبة الأنتقال بحيث تصبح ذات معدل مسطح واحد يبلغ 45% مع شطر اعفاء يبلغ 1 مليون دولار، بما يعفي عمليّاً الأكثرية الساحقة من الفئات الاجتماعية المتوسطة وما دون المتوسطة من هذه الضريبة بخلاف ما هو قائم اليوم.
- إلغاء الاعفاءات الضريبية لشركات الهولدينغ وشركة سوليدير وكذلك "الاعفاءات التأجيرية" الممنوحة للكثير من مستخدمي أملاك الدولة.
اليوم، تظاهر الآلاف مجدّداً، ضد السياسات التي سترمي بعشرات الآلاف تحت خط الفقر، وهم يعتصمون الآن في ساحة عامّة، كانت تحمل اسم "ساحة عصّور" في مدينة فقدت تاريخها وأحياءها وتراثها من أجل مشاريع ما زلنا ندفع ثمنها. في الوقت نفسه، تتضرّر فئات أوسع بكثير من أولئك المعتصمين في الساحة.
فالحراك الفعلي يحصل حينما تتحرّك الفئات غير الكلاسيكية، تلك الصامتة، التي يعتمد النظام على صمتها، ويمدّد لنفسه عبر فقدانها الأمل بالتغيير. مرّة أخرى، ربّما يكون العمل السياسي الأصيل بأن نعمل مع الفئات الصامتة، أي أن تصبح ساحة عصّور، لهنّ ولهم مجدّداً.