لوموند: عدد خاص (كارل ماركس والثورة ضد الرأسمالية) – فبراير 2020
وحوالي منتصف سنة 1842، شرع يكتب على صفحات " حوليات هاله " (Halle: أكبر مدن ولاية زاكسن-أنهالت الألمانية) وهي لسان الهيغليون الشباب. بيد أن الوعي السياسي المطرد لماركس جعله يتوقف عن الكتابة في الحوليات وينفصل عن هذه المجموعة ليستقر بعدها في مدينة كولونيا (بالألمانية Köln )، حيث سيكون متعاونًا في لانوفيل غازيت رينان (La Nouvelle Gazette rhénane) ثم بعد شهور سيتولى رئاسة تحريرها.
في ذلك الوقت، كانت تلك الصحيفة تدافع عن وجهة نظر البورجوازية الصناعية الراينلاندية
(نسبة إلى منطقة Rhénanie التي تضم وتمتد غربًا حتى حدود بلجيكا وفرنسا ولوكسمبرج وهولندا. بعض المدن الكبرى في راينلاند تتضمن آخن وبون وكولونيا ودويسبورغ ودوسلدورف وكوبلنز وكريفلد ولڤركوزن وترير.)، وذلك في سياق السياسة المحافظة لفريدريك غيوم الثالث.
فقد كان ماركس لا يزال آنذاك من المدافعين عن البورجوازية الراديكالية، ومع ذلك فإن الرقابة الخانقة طيلة سنة 1842 ضد مختلف المنشورات، والتي كتمت الأنفاس دفعت ماركس أن يلتجأ إلى باريس، لخوض مغامرات صحافية جديدة برئاسته "الحوليات الفرنسية الألمانية".
ففي رسالة مؤرخة في شهر شتنبر 1843 لصديقه أرنولد روج Arnold Ruge (فيلسوف ألماني وكاتب سياسي)، والذي تحمل معه مسؤولية الصحيفة الباريسية السالفة الذكر، قال ماركس عن ألمانيا: "حتى الهواء الذي تستنشقه فيها يجعل منك عبدًا"، وبالفعل فكل الآمال التي عقدها جزء مهم من طبقة المثقفين، وكذلك البورجوازية في شخص فريدريك غيوم الثالث عند اعتلائه العرش وحتى يونيو 1840، كل تلك الآمال تبخرت منذ القرارات الأولى التي أقدم عليها، وهكذا ابتدأ بالنسبة لماركس سنوات منفى لا تنتهي حتى مماته، باستثناء فترات قصيرة جدًا.
للعودة إلى النشاط الصحفي لماركس، لا بد من ملاحظة بأن بعض من أعماله المهمة حسب التحليل التاريخي، مثل الثامن عشر من برومير ـ لويس بونابرت أو الصراع الطبقي في فرنسا، ظهرت أولًا على شكل مقالات صحفية؛ العجينة الصحفية للفيلسوف السياسي تركت آثارها من ألمانيا إلى فرنسا مرورًا بإنجلترا وبلجيكا وحتى في الولايات المتحدة الأمريكية من خلال مساهماته في الصحيفة الأمريكية New-York Tribune.