الأحد، نيسان/أبريل 27، 2025

في وداع رفيقنا فايز فوز... رثاء من مواطن جنوبي

  المهندس علي سميح رمضان
متفرقات
 جارنا فايز


خلف بيتنا،
كان شجر الكلمات كثيف،
وكانت تربة الحواكير تعرف وطأ اقدامنا،
وكنا صبية الأزقة المرصوفة بعُريّ الحجارة والعمر والفرح..
في آخر الزقاق كان يتلوّى ممرٌ يؤدي الى بيت " أم أسعد"...نقصده لنجلس على كرسي هزاز على الشرفة الغربية التي تعرش فيها شجرة تسميها أم أسعد " ألمازة"، وكانت تعد لنا بعض الكعك والشاي وكثيراً من الحب والحكايات التي تتدلى من منديلها.
كانت الأيام أيام طفولة لنا، وأيام بطولة وفداء لجيل احترف التحزب ليثور على موروث ميثاق هجين لتحديد هوية ووجه الوطن.
كان وهج الكمات أسطع في سبعينيات ذاك الزمن، حين كانت الاحلام تتوهج ايذانا بالتحرر من الانظمة البائسة التي تتلون حينا بالإقطاع وحينا بالانعزال وأحياناً بالطائفية.
كنت طفلا، وكان في خَلَدي رجل في بيت أم أسعد، طويل القامة نحيل الجسم ستاليني الشاربين كأنه يعلن بهما طائفته التي تنقض نتن الطائفية وتنبذ المتاجرة بالدين باسم الوطن.
ذلك كان فايز فوز.
هو من قماشة النضال الأولى، حين كانت جذوة النضال تنسل الى مسام الشباب لتنضجها رجالا.
هو من ذلك الزمن الذي كان يقدس القضية قبل ان تذوي أنفة الفدائيين في نتن الماديات الدنيوية التي اعمت القلوب قبل البصائر.
إلا فايز،
تغير العالم و استدار الغرب على الشرق و الشرق على الغرب ، و بقي فايز كما هو، ماركسي العقيدة ستاليني الشاربين على رغم تعثر التطبيق. لعل الذين حكموا باسم العقيدة-النظرية، لم يعشقوها كعشق فايز فوز لها ، فسقطت الانظمة و لم تسقط مبادئ فايز.
و مثل فايز كثر في بلدتي خذلتهم الايام المنخورة بالطائفية و المذهبية و التشرذم، اذكر منهم حسن خنيفس و حسين طراف و غيرهم و غيرهم. لعل هذا الجيل افلح في تحطيم الحواجز الطائفية على صعيد بلدتنا بلاط لكن هذا الجهد لم يمتد ليحيط بمساحة وطن، فسقط.
" في البال أغنية، يا اخت عن بلدي " قالها محمود درويش في سبعينيات القرن الماضي، في زمن الحوارات المشبعة بالثقافة و العقيدة و فن السياسة و الآن تلاشت هذه الحوارات لتحل مكانها جيوش السوشيل ميديا التي تمتهن تراشق السباب و الشتائم العقيمة الفارغة، عوضا عن النقاش الفلسفي العقائدي الذي يحمل مشروعا لنظام كان في بال جيل بأكمله و ما بقي الا في بال فايز فوز.
برحيل فايز، ترتحل آخر ذكريات النضال الفكري العلماني ليبقى اسمه "نائماً" في كلمات محمود درويش و الحان مارسيل خليفة و يُحفر ،"وشماً" على "جسد" بلدتنا بلاط ليبقى "في البال أغنية" عسى ان تتحقق.
فوداعا جاري العزيز فايز فوز المشبع بالنقاش.