تحيّة من أحمد بدران إلى مازن عبود
إلى مازن
هكذا إذا أنت أيضا غادرتني.
قلت لي وللبحر الذي تقاسمنا حبه أنك ستنتظر عودتي. وعدتني أنك لن ترحل قبل أن أعود الى بيروت، ووعدتك أن لا أبكيك كما طلبت مني.
لكن لا أنت انتظرت عودتي ولا أنا استطعت أن لا أبكيك.
إنها خيانتنا الاولى.
كنا ثلاثة : أنت وأنا والبحر . ونحن الثلاثة كنا نعرف.
كنا نعرف أنك ستترجل قريبا وتدير ظهرك وتمشي، تماما كما فعلت في ذلك اليوم من أيلول عام ١٩٨٢ عندما رميت أول قنبلة على الجنود الإسرائيليين الذين تجرأوا على اقتحام أرضنا وبحرنا وعاصمتنا.
رميت القنبلة عليهم وأدرت ظهرك كفارس وابتعدت فاتحا لنا الطريق لندخل جميعا وراءك.
كم كنت جميلا وكم كنا بحاجة إليك٠
ها أنا أكتب عنك بصيغة الغائب.
يا لقساوة هذه اللحظة.
صمتك يدوي.
نحن جميعا في حضرة غيابك اليوم.
نحييي ذكرى انطلاقة مقاومة كان لك شرف وشجاعة إطلاق شرارتها.
كتب كثيرون عنك وقالوا فيك الكثير.
كتبوا أنك كنت بطلا.
كتبوا أنك كنت مقاوما منسيا.
قالوا إن الماركسية بالنسبة إليك كانت مقاومة اسرائيل في لبنان وفلسطين والدفاع عن الفقراء والمسحوقين والانحياز للضعفاء.
قالوا إنك كنت فقيرا من البداية الى النهاية.
لكن ربما لم يتنبه كثيرون أنك كنت خصوصا رجلا حرا، رجلا حرا شقيا لكن رجلا حرا . رجل لا يملك شيئا ولم يسعى لامتلاك أي شيئ. رجل ذهب في إيمانه بمبادئ الشيوعية حتى النهاية ودون أي تردد , دون أي لحظة شك ، دون أي لحظة ضعف.
رجل تعامل بصبر شديد مع اهتراء كل شيئ حولنا كتعامله مع السجاد الذي كان يجيد في مرحلة من شبابه إصلاحه.
عندما سألتك في إحدى جلساتنا الأخيرة : ماذا ستفعل يا مازن لو تكرر الاجتياح والاحتلال الاسرائيلي للبنان ؟
أجبتني ببساطة الأطفال : "سيكون هناك عندها من يقاوم ومن يكون مستعدا للموت في سبيل أرضه وشعبه وكرامته كما فعلنا نحن . ستكون هناك جمول كما كانت جمول الثمانينيات . ليس لدي أي شك في ذلك".
يعود إلي في هذه اللحظات صوت التصفيق الطويل لك وقوفا في المؤتمر العام الثاني عشر للحزب الشيوعي ، عندما رشحك الرفاق من دون استشارتك الى العضوية الفخرية للجنة المركزية .
نصفق لك اليوم مجددا ونتذكر ابتسامتك ونقول لك سنكمل يا رفيق ، سنكمل يا صديقي.
أحمد بدران