هي سردية متوارثة؛ كتب التاريخ، الأساطير والحكايات الموغلة في غابر الزمن، كانت المرتكز التي بنيت عليها. لم تخلو حادثة، مستعادة من ماض ملتبس بطبيعته ورواته، إلّا وتقاطعت عليها مصطلحات مثل: الفرادة وتدبير الأمور والغريب والنحن والهُمْ والعيش المشترك والشراكة... وإذا دققنا جيداً في تلك المصطلحات أو معانيها فنجدها متواكبة دوماً مع جولات من التقتيل والتهجير والاستباحة والتدخل... هو ذلك التاريخ المؤسِس لمراحل قيام الكيان اللبناني، أو لنقل لمن استوطن على جزء من الساحل الشرقي للبحر المتوسط. وعلى ذلك التمرحل في ترتيب المحطات التي شهدت تبدلات، إن في طبيعة الكيان القائم على تلك الأرض، أو في نوعية مكوناته واتجاهاته من حيث كانت تأتي الرياح التي تعبث في الجغرافيا لتعيد صوغها على مقاسات مختلفة. لقد كان البحر وجهته غرباً، والبر شرقاً. هو، تناقض في الاتجاهات، وهذا بديهي في علم الجغرافيا، إلّا أنه تحول، وبقدرة قادر، إلى خيارات سياسية متناقضة، مرتبطة بالانتماء أو التوجه، والتي أحياناً، كانت تُعطى بعداً "حضارياً"، يُغلّف النوايا الحقيقية لمن كانوا ينادون به وأهدافهم. لم تتغير تلك السردية أو تتبدل، بل ازدادت تعمّقاً وأصبحت منطلقاً لخيارات سياسية/طائفية ومذهبية، تطفو بوضوح عند كل منعطف، وتُعلن عن نفسها بفجاجة، يُستحضر معها أبشع التاريخ وأسوء الخطابات السياسية، وتبرز من خلالها طبيعة المكونات والمكنونات وامتداداتها الداخلية والخارجية. هي مصيبة تلك الجغرافية ومن عليها، والتي، بدل أن تتطور وتأخذ منحاً تصاعدياً منفتحاً على التلاقي والتطور، كانت تجنح نحو مزيد من التقوقع والأنوية المفرطة في انعزاليتها، وقد بدا ذلك وبوضوح مع انتهاء الحرب الأهلية ولعنة المسارات التي تلتها، والتي يمكن ملاحظتها من خلال ظواهر تأسيسية للخطاب السياسي الذي ساد، والتي تفننت قوى السلطة في استخدامها صعوداً وهبوطاً في لعبة مكشوفة؛ تدفع الوضع نحو الانفجار ثم تسوق حلولاً فيما بينها لتعيد صوغ العلاقة بين مكوناته وفق حسبة جديد وحسابات مستجدة مع تطورات الإقليم المحيط أو الأبعد.