للأول من أيار: تحية الانتفاضة
إنها الطبقة العاملة المناضلة ليس للدفاع عن مصالحها الاقتصادية والاجتماعية فحسب، بل بصفتها القوّة الأساسية للتغيير السياسي الجذري. إنه الأول من أيار العيد الذي استلهمت فيه كل شعوب العالم روح ومثل نضالها من أجل تحررها الوطني من نير الاستعمار المباشر وغير المباشر ضد الإمبريالية وأدوات سيطرتها ومشاريع هيمنتها العدوانية.
ونحن في لبنان، إذ نحيي الأول من أيار هذا العام، فإنما نحييه في أصعب الظروف وأشدّها معاناة على شعبنا المنتفض في الشوارع من أجل كرامته الوطنية والإنسانية والاجتماعية، وضدّ منظومة السلطة السياسية التي تعتبر أشد وباءً وخطراً على حياته ومصيره من وباء كورونا.
ففي الأول من أيار: تحية لساحات الانتفاضة وشوارعها ضد المنظومة السياسية الفاسدة والمرتكبة:
فاسدون ومرتكبون بحق شعبهم ووطنهم، أمضوا ثلاثين عاماً وهم ينهبون أمواله فأوصلوه إلى حافة الإفلاس وإلى أسوأ أشكال الانهيار الاقتصادي والمالي والاجتماعي.
قوّضوا المرافق والخدمات العامة، كما قوّضوا كل استثمار منتج في الصناعة والزراعة،
وأطلقوا العنان لحرية التجارة والاستيراد والفورات العقارية وحركة رؤوس الأموال،
وشغلوا عموم الناس بالفوائد المرتفعة وسياسة التثبيت النقدي وخدمة الدين العام.
وهجّروا خيرة الشباب والشابات إلى الخارج.
وسطوا على مداخيل الأسر وضاعفوا معدلات الفقر والبطالة والعوز.
وأشاعوا مشاعر القلق والخوف من المستقبل في صفوف اللبنانيين، وبخاصة العمال والأجراء والشباب والشابات.
وتحاصصوا المشاريع بالتراضي ونهبوا المال العام.
واستخدموا أموال صناديق الضمان الاجتماعي وتعويضات ومعاشات التقاعد للموظفين وذوي المهن الحرة من أجل تمويل صناديقهم الزبائنية.
وتهربوا من دفع الضرائب على ارباحهم وثرواتهم وريوعهم.
وسطوا على الأملاك البحرية والنهرية وهم يستعدون الآن للسطو على أراضي الدولة بمال الدولة المنهوب.
حتى في زمن كورونا السيىّء لم يتورعوا عن مواصلة ارتكاباتهم:
حجروا اللبنانيين في بيوتهم ولم يقدّموا للفقراء ما يحتاجون، وهرّبوا العملاء، ورفعوا الأسعار.
وأطلقوا العنان كذلك لسعر الدولار، وتغاضوا عن صرف العمال والموظفين، وعن قطع رواتبهم وأجورهم وإجازاتهم وتقديماتهم الاجتماعية.
واحتجزوا الودائع الصغيرة فيما تولّوا تهريب الودائع الكبيرة.
وهدّدوا السلم الأهلي بتعميم العنف والفوضى كمخرج لهم للمضيّ بارتكاباتهم وتأمين ديمومة نظامهم الطائفي المشبع بالفساد.
ودفعوا الذين نهبت رواتبهم، من مدنيين وعسكريين، للتصادم في ما بينهم وهم يتفرّجون.
ولم تتردّد القوى الأمنية، المسؤولة عن حماية الناس وضبط الأمن ومنع الاعتداء على الأملاك العامة والخاصة، في إطلاق النار على المنتفضين الجياع.
إن هذا العنف الطبقي والاجتماعي لا يواجه إلّا بتثوير الانتفاضة، وبالعمل على كسب كل المتضررين وحثّهم على الانضمام إلى الانتفاضة وإشراكهم في قرارها.
وتثوير الانتفاضة بالتأكيد لا يكون بالسير خلف أطياف من المنظومة السياسية الفاسدة لا تخجل من التحجّج بوجودها خارج الحكومة للتنصّل من مسؤولياتها الأساسية عن إفلاس البلد بعدما إمتهنت هي أيضاً السطو على المال العام طوال ثلاثين عاماً.
ولكل أطراف المنظومة السلطوية، لا سيما أولئك الذين يتحفوننا على وسائل الاعلام، ليلاً نهاراً، بأنهم يريدون استرجاع المال العام المنهوب.
ها قد رأيناهم يصوّتون في المجلس النيابي عرقلة وتفشيل استرجاع هذا المال، ويسقطون مشروع قانون رفع الحصانة عن أنفسهم، ومشروع قانون الإثراء غير المشروع، ومشروع قانون الألف والمئتي مليار ليرة المخصّصة لدعم المتضرّرين من جائحة كورونا.
لقد أسقطوا هذه القوانين، الواحد تلو الآخر، محتمين بطوائفهم ومرجعيات مؤسساتهم الدينية وثنائياتهم المذهبية.
وتحت ضغط الانتفاضة، وكثمرة من ثمارها، رفع رئيس الحكومة حسّان دياب صوته بوجه حاكم مصرف لبنان، ونحن من موقعنا، نشجّع على ذلك، وندفع باتخاذ أي إجراء يصبّ في إطار محاكمة المنظومة الحاكمة كلها، لكن العبرة تبقى في التنفيذ.
ونقول بصوت عال: لا ضمانة لفرض تنفيذ هذه الإجراءات إلّا بتثوير الانتفاضة، لأن مثل هذه القرارات الوزارية سرعان ما تتبخر في دهاليز وأروقة اللجان النيابية وتنحو في اتجاهات ضبابية ومعاكسة تحت وطأة المصالح العميقة للمنظومة التي يحتضنها المجلس النيابي كما حصل في الجلسة الأخيرة.
إننا نسأل المنظومة الحاكمة عن مصير المفاوضات مع السفيرة الاميركية، وعن الهدف من ورائها؟ فلماذا تتستّرون على هذا النوع من الاجتماعات المشتبه فيها، كما تستّرتم على نهب المال العام؟
ان مواجهة الضغوط الاميركية لا تكون بالخضوع لإملاءات السفيرة الاميركية ولا لضغوطاتها، بل تكون برفض الخضوع لشروط صندوق النقد الدولي، وببدء الخروج من السياسات البائسة التي تحكّمت بالبلاد وأوصلتنا إلى الانهيار.
ماذا بعد؟
الكساد الاقتصادي واقع لا محالة، والمجاعة تدقّ الأبواب مع انهيار الأجور والمداخيل وبدء فقدان السلع من الأسواق. لا خلاص ولا أفق لأي تغيير حقيقي، طالما بقيت هذه المنظومة السياسية مستمرة في السلطة ومتحكّمة بموقع القرار فيها.
أيتها اللبنانيات، أيها اللبنانيون،
كفّوا عن مطالبة من أوصل البلد إلى هذا الخراب الكبير.
أخرجوهم واطرقوا بقوّة باب التغيير، وبداية التغيير لا تكون في تبديل الوجوه، بل في إسقاط المنظومة السياسية الفاسدة التي فشلت في حماية الانتظام العام وأخذت تنحو في اتجاه تعميم الفوضى والصدامات الطائفية للتهرّب من المحاسبة.
إن التغيير السياسي تصنعه القوى الاجتماعية المتضررة: عمالاً وأجراءً ومثقّفين ومزارعين ومتعطلين عن العمل ومياومين، وشابات وشباباً وطلاباً، ومستأجرين وسائقين وحرفيين، وسائر الفئات المهمّشة والمعرّضة للإقصاء، ومعهم الفئات الدنيا والمتوسطة من الموظفين والأساتذة والمعلمين والمتعاقدين والمتقاعدين.
إن فرصة لبنان الوحيدة باتت تتجسّد اليوم في هذا التحدي، أي في انخراط هؤلاء جميعاً في تثوير وتطوير الانتفاضة الشعبية لتملأ الشوارع والساحات في المدينة والريف، وتكون محصّنة بإرادة صلبة وبعزم كفاحي يسمو على العصبيات المذهبية والطائفية الضيّقة، من أجل إعادة تكوين السلطة والعبور بلبنان من الدولة الطائفية، دولة المحاصصة والفساد إلى الدولة العلمانية والديمقراطية.
أيتها اللبنانيات، أيها اللبنانيون،
إن الحزب الشيوعي اللبناني يرى أن الردّ على هذه المخاطر الوجودية يتجسّد في الدرجة الأولى بالارتقاء بدور العامل الذاتي الذي يلبّي تطلعات الانتفاضة الشعبية، ويجمع ويكتّل قدرات الانتفاضة الشعبية بكل طاقاتها، بما فيها الحاضن النقابي المستقل، حول مشروع سياسي وطني يهدف إلى تحقيق تغيير فعلي في موازين القوى وإحداث انتقال سلمي في السلطة السياسية.
عاش الأول من أيار.
والمجد والخلود لشهداء الحركة النقابية والانتفاضة الشعبية.
عشتم وعاش لبنان.
*نص كلمة الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في الأول من أيار – عيد العمال العالمي.