التشريع المرتبط بمصالح المنظومة الحاكمة
المعيار الثاني المرتبط بالعملية التشريعية يكون في " تمييع " القوانين المتعلقة بحاجات المواطنين وذلك عبر احالتها إلى اللجان النيابية المختصّة. وهنا قد يضيع القانون لسنوات عديدة لانّ لا مهلة زمنية يحدّدها القانون للجنة النيابية لان تدرس القانون وتضع ملاحظاتها عليه قبل احالته إلى الهيئة العامة وهذا يعدّ ثغرة تشريعية كبيرة. وإذا أمعنّا النظر إلى القوانين التي أقرّها المجلس النيابي في جلساته المنعقدة يومي ٢١ و٢٢ نيسان، يتأكد ما افترضناه أعلاه. فكلّ ما شرعّه المجلس لا يمت بصلة بحاجات المواطنين الأساسية، بل رٌحلت هذه القوانين إمّا إلى اللجان أو إلى غياهب جوارير المجلس.
نستعرض فيما يلي أبرز القوانين التي تهمّ المواطنين لناحية مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية وتحسين حياة المواطنين المعيشية والصحية والتي لم تجد طريقها إلى المجلس علماً أن كل هذه الشعارات ما فتئت تطبّل لها كل أحزاب السلطة ليلاً ونهاراً. هذا الحرص هو حرص كاذب لانّ مشاريع أساسية تمّ تجاهلها من قبل مجلس " ممثلي الشعب " نستعرض أبرزها:
سقط اقتراح قانون الاثراء غير المشروع وأحيل إلى اللجنة الفرعية التي يترأسها إبراهيم كنعان والتي تبحث في قوانين ذات صلة بالأخص قانون رفع السرية المصرفية. سقط الاقتراح المتعلق بمحاكمة الوزراء سقط اقتراح قانون بوقف الأعمال بسد بسري سقط اقتراح لقانون إلغاء السريّة المصرفيّة سقط مشروع حظر التنازل عن سندات "اليوروبوندز"، وإنشاء صندوق خاص لمواجهة تداعيات كورونا سقط مشروع قانون تحديد الفائدة المرجعية لدى مصرف لبنان. سقط الاقتراح المقدّم من حزب الكتائب بتقصير ولاية مجلس النواب. سقط مشروع القانون المقدم من الحكومة لفتح اعتماد إضافي بقيمة 1200 مليار ليرة، يستخدم في ما تسميه الحكومة «تأمين شبكة الأمان الاجتماعي» على مدى سنة لتأمين موارد مالية للمزارعين والحرفيين وصغار الصناعيين وذلك لمواجهة الآثار المترتبة عن توقف الاعمال بسبب الكورونا.
أمّا القوانين التي أقرّت فهي إمّا قوانين تناسب مصلحة الطبقة السياسية الآنية والمستقبلية، أو هي اجازات لقبول قروض وهبات من دول وجهات مانحة، أو فتح اعتمادات تعتبرها السلطة ملحّة (ولا نعرف حقاً ما هي الالية التي يقررها المجلس والطبقة السياسية برمتها في فتح هذه الاعتمادات)، أو قوانين ستحتاج لسنوات طويلة لكي تصدر الحكومة مراسيمها التنفيذية. يوجد عشرات القوانين التي صدرت سابقاً عن البرلمان ولا يوجد لها مراسيم تطبيقية، والمعلوم في علم التشريع أنّ هذه المراسيم هي التي تحدّد آلية تنفيذ القانون ما يطرح علامات استفهام كثيرة على جدوى صدور هذه القوانين.
على سبيل المثال لا الحصر، قد يخال للبعض أن تشريع القنّب الهنديّ لأغراض طبية والذي لطالما حكي عنه يفيد المواطنين والزراعة بشكل عام وخاصة في البقاع الشمالي الاّ أنّ دراسة متأنية لهذا المشروع وأهدافه ومضامينه تفيد العكس. فالغاية الأساسية لتشريع هذا القانون هو دخول الدولة كوسيط أساسي بينها وبين مزارعي هذه النوع من النبتة، وبالتالي احتكار توزيع هذه النبتة وترويجها تجارياً في استعادة لما فعلته الدولة مع عمّال التبغ عبر "مصلحة الريجي" وبالتالي قد ترتفع أسعار هذه النبتة، وستدخل فئة من المحتكرين الكبار مما قد يحرم المزارعين من العائدات المالية الناتجة عن زراعة الحشيش. وضرورة هذا التشريع أيضاً لم يرتبط بخطة زراعية شاملة لا تملكها الدولة، ولا تكلّف جهداً لتطوير مثل هكذا خطة بل أتى استجابة لما قالته خطة ماكينزي المعدةّ عام ٢٠١٨ والتي أفادت أنّ العائدات المالية للقنّب الهندي قد تصل إلى ملياري دولار سنوياً.
اذاً، وكخلاصة القول، أنّ ما يناسب المنظومة الحاكمة هو ما يكتسب أولوية في التشريع وبذلك تسقط حاجات المواطنين من جدول أعمال مجلس الشعب. وهذا يؤكّد أنّ المشرعون هم مؤتمنون على مصالحهم فقط وليس على مصلحة الشعب اللبناني. وبالتالي الرهان على تغيير فعلي من داخل المؤسسة التشريعية هو رهان خاسر حتماً.