فكر مهدي عامل اليوم... أكثر توهّجاً
ألم يقل ماركس أن "الفقر لا يصنع ثورة وإنما وعي الفقر هو الذي يصنع ثورة"... لذلك نرى في أبحاث مهدي الفكرية توجّهاً منصبّاً على كشف مكامن الخلل الأساسي والبنيوي في النظام البرجوازي اللبناني بجوهره الطبقي ووجهه الطائفي، وتعرية الدولة الطائفية التي جرى نشؤوها في ظل السيطرة الكولونيالية، لتخدم مصالح قلة من البرجوازية المسيطرة داخلياً على حساب الطبقة العاملة والفئات الشعبية الكادحة والوسطى، ومصالح مراكز الرأسمال في الدول الاستعمارية، على حساب بناء دولة وطنية ديمقراطية توحّد اللبنانيين على قاعدة المواطنية والتحرّر من الطائفية والتبعية.
فلم تكن مؤلفات وكتابات مهدي عامل الفكرية والسياسية بدافع الاستمتاع الشخصي أو إرضاء الذات. بل شكّلت إسهاماً نضالياً مضيئاً في معركةٍ فكرية وإيديولوجية تفنّد الفكر البرجوازي الرامي إلى تبرير وتقديس النظام وبديهية الطابع الطائفي للدولة القائمة. وهذا ما يعطي كتاباته قيمة مضافة، وطابعاً نضالياً يكشف الجوهر الطبقي والإجتماعي الكامن في صلب هذا النظام، والقناع الطائفي الذي يحمي الفساد ويغطّي الفاسدين وناهبي المال العام، ويحوّل الصراع الاجتماعي الأفقي، إلى انقسام عموديّ وتناقض بين ذوي المصلحة الاجتماعية والمعيشية الواحدة.
وإذا ما رأى البعض أنّ مهدي عامل في تحاليله متحزّباً، وفي نظرته منحازاً، فذلك ليس خطأ كما يريد له البعض. فالإنحياز لقضية الشعب والوطن، ولكادحي لبنان، الذين يفنون طاقاتهم لإنتاج الخيرات المادية، ويقاومون ويستشهدون من أجل تحرير وطنهم وإعلاء كرامة شعبهم، ويتعرضون لإستغلال رأسمال الجشع، وسرقة ثمرة أتعابهم... الانحياز إلى هذه القضايا هو المعيار للموقف السليم الذي يحمل الطموحات الوطنية والاجتماعية لشعبنا. وهو نقيض الانحياز لمصلحة شخص أو طائفة أو أي فئة طبقية.
لقد كان وراء تلك الرصاصات التي أطلقتها يدٌ مجرمة لاغتيال حسن حمدان في 18 أيار 1987، وبعد ثلاثة أشهر على اغتيال حسين مروة، فكراً ظلامياً يخاف بل يرتعب من حرية الفكر والكلمة، خصوصاً التي ترتبط بحركة نضالية تجسّد هذه الأفكار في نضالها، ينتمي مهدي عامل وحسين مروّة إليها وهي الحزب الشيوعي اللبناني.
لقد كان الهدف الأساسي من اغتيال مهدي عامل هو اغتيال فكره لكن غيابه جسدياً لم يغيّب أفكاره بل على العكس. فها هي تتجلّى اليوم في إنتفاضة شعبنا الغاضب على النظام الطائفي المهترئ وتناقضاته التحاصصية وتسبّبه بالانهيار الإقتصادي والمالي والاجتماعي، وعلى الطبقة السلطوية العاجزة والفاسدة. فيتجلّى ذلك برفع شعارات "لا للنظام الطائفي والدولة الطائفية - لا لسلطة المصرف - لا لنهب الشعب وماله العام - الوطن للعمّال تسقط سلطة رأس المال - نعم لاستعادة المال المنهوب وللتغيير".
إنّ ظِلّ مهدي عامل وحضور فكره، يلاحق اليوم النظام المهترئ وسلطته السياسية الفاسدة التي تمثّل تحالف زعامات الطوائف والمصارف والاحتكار.
لقد كان مهدي عامل إنساناً محبّباً، قريباً من الناس. وكان يجمع بين الفكر والممارسة، ومتميزاً بالتواضع والبساطة في نمط حياته. ففي فترة الحرب الأهلية عام 1976 أسهم في لقاءات وندوات في عدة بلدات جبلية بحضور جمهور في كلٍّ منها. وتركت في أذهان الحاضرين الوضوح في الموقف السياسي، والثقة في جدوى النضال.
لقد ثابر الشهيد مهدي عامل على المشاركة في مختلف النضالات السياسية والاجتماعية، واستشهد وهو في مواقع النضال. لكن فكره النيّر هو أكثر حضوراً وتوهّجاً اليوم، في الانتفاضة الشعبية المتصاعدة من أجل التغيير.