رهان القواتيين!
حمّل كثيرون الانتفاضة وزر مشاركة القواتيين في فعالياتها، واعتبروا أن سمير جعجع هو القائد الفعلي لها، فضلاً عن وليد جنبلاط وسعد الحريري إضافة إلى سامي الجميل.
سنحيّد سامي الجميل جانبًا، لكون حزب الكتائب انخرط فعلاً في الانتفاضة وأكمل ذلك بانفكاكه فوقيًا من السلطة، عبر استقالة نوابه من المجلس النيابي؛ وهذا لا يعني بأي شكل من الأشكال أن الاتفاق كان كاملاً بينه وبين مختلف مكونات الانتفاضة، فلحزب الكتائب وجهة نظر خاصة في عدد من المسائل المطروحة التي لم تتمكن مجموعات الانتفاضة من الوصول في الأقل منه، إلى خطوط عامة مشتركة تطرحها باسمها مجتمعةً.
النقاش اليوم مع سمير جعجع "حكيم" القوات اللبنانية، الذي نقل عنه جنبلاط كلامًا كبيرًا وخطيرًا، وبرغم نفي الدائرة الإعلامية في القوات اللبنانية صحة تلك التصريحات، فإن تلميحات وتصريحات معظم كوادر القوات ومن يدور في فلكها سياسيًا، تأخذك من فورك، إلى لغة تقسيمية لطالما كانت الفدرلة أحد أخطر طروحاتهم التي لا ينفكوا يكررونها مع كل مناسبة، وبالتالي فإن الحكيم وقواته، يبدو أنهما لم ولن يستطيعا الخروج من شرنقة الطائفية نفسيًا وماديًا ومعنويًا وطبعًا جغرافيًا.
لقد استثمر سمير جعجع بحنكة، محطة MTV ومنابر إعلامية أخرى، في جميع مراحل انتفاضة 17 تشرين وحتى تاريخ اليوم الذي يصادف في ذكراها السنوية الأولى، وحاول منذ البدايات، خفيةً احيانًا وعلانيةً احيانًا أخرى، أن يطرح شعارات ملغومة هدفها كان ولا زال، الاستفادة السياسية القصوى من الانتفاضة، أو تحميلها مواقف وسلوكيات ليست من صلب توجهات المنتفضين الحقيقيين الصادقين في مقاصدهم لجهة تغيير النظام الطائفي التحاصصي وبناء بديل ديمقراطي يلبي طموحاتهم.
من يقرأ تصريحات ومواقف منظري وسياسيي القوات يكتشف بدون أي جهد أن ما باح به جنبلاط ليس بالأمر الجديد، وأن هذا الحزب، كما غيره، هو على استعداد لتلبية أي إشارة خارجية كائنًا ما كانت تداعياتها المستقبلية، ومن حقنا كمنتفضين، أن نسأل بعين قلقة، هل يراهن القواتيون على مظلة سياسية خارجية وتحديدًا أميركية؟ وهل يقارن جعجع اللحظة الحالية في لبنان والمنطقة، بالظروف التي سبقت الحرب الأهلية السيئة الذكر سنة 1975؟ والتي جرّت تدخلات خارجية وأمّنت توازنًا عسكريًا ومناطقيًا وسياسيًا فرمل عملية تغيير النظام الطائفي الذي كان قائمًا ولا زال، ولا زلنا ندفع ثمن تخلفه الشديد حتى يومنا هذا.
ان انتفاضة 17 تشرين لم تكن يومًا من الأيام حلمًا قواتيًا، إنما كانت منصةً أرادتها القوات للتصويب على قوى تشببها في مذهبيتها وطائفيتها، وإن اختلفوا، كلهم، في مقاصدهم النهائية، وذلك بهدف الحصول على عددٍ من المقاعد النيابية لزيادة حصتها المسيحية تحديدًا، وهي هنا، وللأهداف عينها، تلتقي مع حزب الكتائب في الدعوة إلى إجراء انتخابات نيابية مبكرة وفق القانون الانتخابي الهجين المعتمد. لكن فيما يكتفي الكتائب بسعيه إلى تلميع صورته التي تهشمت في الانتخابات عبر نتش نوابًا من جسد التيار الحر، فإن مشروع سمير جعجع أكبر بكثير، كونه يسعى الى حصةٍ نيابية وازنة تعطيه صفة الرجل المسيحي الأقوى، وبالتالي يستخدمها كورقة ضغط بغية تحقيق حلمه، وهو حلم قادة مسيحيين كثر، في أن يفرض نفسه رئيسًا للجمهورية.
إنّ الوطن، بحسب من افترشوا الساحات والشوارع وأقاموا الندوات الفكرية والسياسية العميقة، لا يبنى بفكر طائفي كالذي يتمظهر في مواقف وسلوكيات القوات اللبنانية وسائر القوى التي تشبهها، والانتفاضة جاءت تعبيرًا حقيقيًا عن حلم اللبنانيين في بناء وطن ديمقراطي يقوم على الكفاءة والنزاهة وإلغاء الطائفية السياسية المبني بالأساس على إقرار قانون انتخابي عصري، يجعل من لبنان دائرة انتخابية واحدة من دون قيد طائفي، على أن يخفض سن الاقتراع ليتسنى لمن بلغوا سن الـ 18 فرصة انتخاب من يعتقدون أنه يمثلهم ويحمل طموحاتهم وأحلامهم الى الندوة البرلمانية. فضلاً عن إلغاء تلك الآفة المرضية المسماة طائفية سياسية، والتي يستحي من تبنيها أي عقل بلغ سن الرشد في جميع أرجاء المعمورة.
القوات كما الاشتراكي وبطبيعة الحال كما سعد الحريري، وكما كل من تداول السلطة ولم يبادر يومًا ما إلى التغيير نحو الأفضل، لم يكونوا يومًا مع الانتفاضة، وهم آثروا البقاء في مجلس النواب برغم إرادة المنتفضين، الذين فيما كانوا يحاولون منع دخول النواب الى المجلس في الجلسة الشهيرة، كان نواب القوات يخذلونهم ويؤمنون النصاب لحكومة حسان دياب، وفي خلال سنة الانتفاضة هذه لم يجرؤ نوابهم أن يقدموا أي مشروع قانون انتخابي يلبي طموحات المنتفضين؟! فما هي إذًا أهداف تلك الثورة التي سيبلغها الحكيم وفق تغريدته أعلاه؟!
هكذا تكون هذه القوى قد ساهمت بضعضعة الانتفاضة من الداخل، وتكاملت مع تلك القوى التي اصلاً وقفت ضدها ووضعت نفسها في موقع السلطة بالكامل، ووجهت ضربات حقيقية ضد المنتفضين في الساحات بدءًا من صور مرورًا بالنبطية وكفررمان وعاليه وبعلبك وتركيزًا في رياض الصلح. ووجهت اتهامات طالت المنتفضين بكراماتهم، واحصوا عليهم أنفاسهم وعبوات المياه التي يشربونها، ثم، بعد حين، التقوا هم أنفسهم، مع ممثلي الدول الغربية، وها هم يهندسون حكومة جديدة بإشراف اميركي فرنسي مباشر.
جل ما في الأمر، أنهم، كلهم، تهربوا من مسؤولياتهم الحقيقية المتمثلة بإفلاس الوطن ورهن مقدرات شعبه، وتقاسموا الأدوار بين من يتهم ومن يدعي ثورةً، ليعودوا، معًا، إلى سلطة الفساد لحظة تتلاقى مصالحهم في المحافظة على النظام الطائفي الزبائني الهش في لبنان.