الإثنين، كانون(۱)/ديسمبر 23، 2024

رد المكتب الإعلامي للحزب الشيوعي اللبناني على مقالة سجعان قزّي: ظهور الشيوعية في لبنان أم انهيار الرأسمالية اللبنانية؟

  المكتب الإعلامي للحزب الشيوعي اللبناني
بيانات
لم يصب الوزير السابق سجعان قزّي في 880 كلمة كتبها في مقالته تحت عنوان "ظهور الشيوعية في لبنان" في جريدة "النهار" سوى في 9 كلمات قال فيها " غايةُ الشيوعيّةِ في مفهوم كارل ماركس هي سعادةُ الإنسان"، أمّا ما تعدّى ذلك فملأته الأحقاد والافتراءات وتشويه الحقائق.

قبل 173 عاماً افتتح كارل ماركس وفريديريك انجلز "البيان الشيوعي" بجملتين شهيرتين رداً على قوى السلطة كما على قوى المعارضة الرجعية في حينه في أوروبا، حيث كتبا: "شبحٌ يطارد أوروبا، إنّه شبح الشيوعية. ضد هذا الشبح اتحدت في طراد رهيب قوى أوروبا القديمة كلها...، فأيّ حزب معارض لم يتهمه خصومه في السلطة بالشيوعية؟" ويكاد القارئ أن يقول وكأن ماركس نفسه استشرف المستقبل فردّ على سجعان قزّي وأمثاله قبل 173 عاماً، قبل أن يستدرك القارئ نفسه أمام الاحتمال الأصحّ وهو أنّ سجعان قزي قد عاد به الزمن والفكر 173 عاماً إلى الوراء، إلى حيث كانت تسود أفكار الرجعية والانغلاق ورهاب الشيوعية عند أبواق السلطات الدينية والبوليسية بين قوى أوروبا القديمة حتى في معايير ذلك الزمن نفسه.

انفجرت نوبة رهاب الشيوعية عند سجعان قزّي بسبب البحث في إقرار قانون "كابيتال كونترول" مشوّه ومروّض، بعد أن انتهى رأسماليو لبنان بقيادة مصرفييه من نهب وتهريب مليارات الدولارات ، وبعد أن تسببوا بجفاف العملات الصعبة من السوق كما من احتياطات مصرف لبنان. قانون هزيل بعد فوات الأوان استفزّ عند البعض رهاب الشيوعية، فما كان ليحصل مع الوزير السابق لو تمّ فعلاً إقرار قانون جديّ تحت ضغط الحالة الشعبية التي خلقتها الانتفاضة بعد 17 تشرين، فتمّت فعلاً حماية احتياطات البلاد المالية من النهب المنظّم الذي قام به أرباب السلطة السياسية والمالية، لتستخدم اليوم في تأمين حاجات المقيمين الأساسية من كهرباء ودواء وغذاء، أو لتفعيل ودعم قطاعات الانتاج والابتكار، أو لدعم صحة اللبنانيين وتعليم أولادهم؟

"عار الأجيال" في مخيلة الوزير السابق هو قانون مشوّه خيّل إليه أنّه شيوعية مزعومة، لكنّ عار الأجيال الحقيقي هو جريمة إفقار اللبنانيين وسرقتهم وتهجيرهم وقمعهم ورهنهم لحسابات مشبوهة وتجويعهم وإذلال كرامتهم. وهذه الجريمة الموصوفة لها عنوان واضح: التحالف الوثيق بين زعماء الاحزاب الطائفية مع قوى رأس المال، تحالف زعماء ميليشيات الحرب مع أصحاب المليارات، الذين حكموا لبنان بالترهيب والترغيب على مدى عقود، وكان الوزير المهجوس برهاب الشيوعية واحداً من فرقهم التنفيذية في الحكم!

"النظامُ الليبراليُّ اللبنانيُّ" الذي يتغنّى به سجعان قزّي هو نفسه النظام الطائفي الذي تسبّب على مدى أكثر من قرن بالحروبِ والفتن والأزَماتِ السياسيّةِ، وتواطأت منظومته النافذة حينها مع الاجتياحات والاحتلالات، فتصدّى لهم الشعب اللبناني المقاوم وأذلّ العدو الصهيوني في بيروت والجبل والجنوب والبقاع، فأخرجه دون تنازلات ولا مساومات ولا تطبيع.

"النظام الليبرالي اللبناني بمنظومته الفاسدة" أنتج العتمة، ولم يستطع أن يبني محطات كهرباء رغم أن الكهرباء اختراع قديم بسيط يعود إلى أيام كارل ماركس نفسه الذي يخشاه الكاتب ويصيبه بالرهاب، فمن الذي نشر العتمة والظلام غير النظام وقواه؟

"النظام الليبرالي اللبناني بمنظومته الفاسدة " فجّر مرفأ بيروت وقتل أهل الأشرفية والرميل وكرم الزيتون ويعمل جاهداً على طمس معالم الحقيقة ليؤمن إفلات كل المسؤولين من العقاب. في هذا النظام المتخيل في رؤوس البعض، يموت الناس على أبواب المستشفيات لأنّ لا تغطية صحية لهم، ويعمل جزء كبير من قواه العاملة دون ضمانات صحية واجتماعية ويخرج فيه المتقاعدون إلى خريف عمرهم دون معاشات تقاعد ولا ضمان شيخوخة ولا بدلات بطالة. تحت مظلّة هذا النظام جرت دولرة الاقتصاد وضرب الانتاج واخترعت الهندسات المالية وتمّ تحويل المليارات من الدولارات من المال العام إلى المال الخاص لكبار المصرفيين، وبسبب هذا النظام انهارت العملة الوطنية دورياً كل بضعة عقود، لتدفّع الطبقة العاملة والطبقة الوسطى وسائر محدودي الدخل كلفة هذه الانهيارات. وفي "النظام الليبرالي" الخارق، لا تتسع الجامعة الرسمية لنصف طلاب الوطن ولا يتمّ تطوير أي وسائل نقل عام على الإطلاق، فلا يشاهد المقيمون في ظل "النظام الليبرالي" المترو والقطار سوى في أفلام مستوردة. فأي "نظام ليبرالي لبناني" يسكن عقل الوزير السابق إلى جانب رهاب الشيوعية؟

يكتب الوزير السابق عن الدول الشيوعية غافلاً أن الصحة والتعليم والنقل والسكن والعمل كانت حقوقا مكتسبة لكلّ من ولد فيها، فيما يحرم منها من لم يتوفر لهم المال في "الأنظمة الليبرالية"، وأنه حينما كانت هذه الدول ترسل المنح الدراسية والأطباء والمتطوعين والمهندسين إلى دول العالم، كانت "الأنظمة الليبراليّة" ترسل قنابل نووية لشعب اليابان وقنابل فوسفورية لشعب فيتنام وقنابل يورانيوم منضّب إلى شعب العراق، ومختلف صنوف أسلحة القتل والدمار الشامل إلى شعوب منطقتنا عبر كيان الاحتلال الصهيونيّ، فهل من عوارض رهاب الشيوعية ينتج كل هذا الغفلان؟

على الوزير السابق والمستشار الحالي أن يهتمّ بشؤون أهل السلطة والنظام الطائفي الذي ينتمي إليه، وأن يحاول ولو قليلاً أن يجد لنفسه حصةً في المسؤولية عما وصلنا إليه بصفته عضواً ولو صغيراً في فريق الحكم الذي دمّر البلاد وأفقرها بدل التلهّي عن ذلك بكيل الاتهامات الفارغة الناشئة من تصورات وهمية عن قانون من هنا أو مشروع من هناك، تقف وراءها قوى النظام نفسها التي ينتمي إليها الكاتب.