كلمة الأمين العام حنا غريب خلال لقاء الأحزاب الشيوعية والعمالية العالمي
الرفيقات والرفاق
يرتدي هذا الأجتماع أهميته في مرحلة تتفاقم فيها أزمة الأمبريالية، بعد أزمة عام 2008، وتفجّر جائحة الكورونا المستمرة وأزمة البيئة والمناخ بحيث تقف البشرية في العصر الراهن أمام تحدّي تجديد إنتاج الحياة البشرية وتجاوز عوائق تطورها .
ففي زمن العولمة يزداد تصدير تبعات هذه الأزمة ومعها تتسع دائرة الفقر والاستغلال والتهميش وأشكال التبعية وتصعيد الحروب التجارية والعسكرية، وتنامي التيّارات الشعبوية المتطرّفة؛ وازدياد التحدّيات الناجمة عن الثورة العلمية التكنولوجية واحتكار الامبريالية لها كأحد أسلحة هيمنتها.
انها مؤشرات تعكس الطابع العدواني والتوسعي للأمبريالية لتأمين الاسواق لمنتجاتها والسيطرة على الموارد الطبيعية حول العالم بسبب عجزها عن معالجة أزماتها في عالم بدأ يتوجه نحو تعدد القطبية ويخضع لمتغيرات العولمة التي أدت الى الصعود الاقتصادي لبعض الدول وعلى رأسها الصين الشعبية التي يجري استهداف الأمبريالية لها بمختلف الأشكال .
لقد انعكست هذه الأزمات بوضوح ساطع في منطقتنا، حيث تعاقبت الصيغ المختلفة لمشروع الشرق الأوسط الجديد الهادفة لتصفية القضية الفلسطينية واعادة تقسيم المنطقة ودولها على اسس طائفية ومذهبية خدمة لمصالح الأمبريالية ولأمن الكيان الصهيوني، غير إنّ عصر شرطي العالم الذي يستطيع أن يفعل ما يشاء وأينما يشاء في التسعينيات ومطلع الألفية ، قد انتهىً. فتغيّر موازين القوى العسكرية والاقتصادية يدفعنا لتشديد النضال لألحاق الهزيمة بنهج الهيمنة الأمبريالية وتعزيز التضامن مع نضالات الأحزاب الشيوعية والعمالية والتضامن مع كوبا والشعب الفلسطيني وكل الشعوب المناضلة ضد العقوبات والمؤامرات والعدوان الامبريالي.
في هذا الإطار، لا تستطيع الحركة الشيوعية واليسارية العالمية الا ان تكون موحدةً في كفاحها المشترك على أساس التضامن الأممي وتطوير مفهومها له واستنباط اساليب جديدة في ممارستها العملية له من اجل تحقيق مصالح الطبقة العاملة والشعوب المضطهدة وبناء الاشتراكية.
ومن الضروري ان تركز الحركة الشيوعية على تمايزها عن التيارات السياسية التي تصنّف نفسها "مناهضة للنيوليبرالية وتسعى لبناء رأسماليات قومية. وكذلك ضرورة تمايزها ايضا عن القوى التي تواجه الهيمنة الأمبريالية وتتمسك ببقاء أنظمتها الرأسمالية. اننا نؤكد على تلازم ووحدة الموقف ضد الرأسمالية على اختلاف مظاهرها وأطوارها باعتبارها نظام استغلال الانسان للانسان. من هنا نؤكد على النضال الوثيق والمتكامل في منطقتنا العربية ضد الامبريالية والصهيونية من جهة وضد النظم الرأسمالية المحلية التي تتخذ من الطائفية ستاراً لطمس حقيقة الصراع الطبقي في مجتمعاتنا وهو ما يتجسد اليوم في بلدنا لبنان.
لقد صاغت البورجوازية اللبنانية نظاما خاصا لسيطرتها الطبقية والسياسية يقوم على تمزيق النسيج الإجتماعي وتأطير الفئات الكادحة لا كقوى إجتماعية واعية لمصالحها بل كطوائف ومذاهب تتواجه فيما بينها تحت حجة الدفاع عن مصالح الطائفة كلّما احتاجت البرجوازية الى ذلك. وهوما يفسر تعاقب مراحل تأزم النظام السياسي في لبنان المولد للحروب والصدامات الطائفية المتعاقبة .
وبدل تغيير هذا النظام السياسي الطائفي بتبعيته لقوى الرأسمال المعولم ومحاسبة أحزاب السلطة المسؤولة عن أكبر عملية نهب في التاريخ ، كما طالبت انتفاضة شعبنا في 17 تشرين في شعارها " الشعب يريد اسقاط النظام" واقامة دولة علمانية ديمقراطية مقاومة، يجري تحميل الشعب اللبناني نتائج فشل سياسات المنظومة الحاكمة وسط مواجهة سياسية وشعبية لا تزال مستمرة ضدها .
لقد وصل لبنان الى قعر الانهيار ، في ارتفاع معدلات التضخم والبطالة والفقر والهجرة، وفي إنهيار القوة الشرائية للدخل ومرافق الخدمات العامة الأساسية وتفكّك منظومة شبكات الحماية الإجتماعية، وبخاصة الصحّية والتربوية منها. ومع نهب اموال صغار المودعين تفاقمت أزمة المعيشة مع ارتفاع اسعار الدواء وتحرير اسعار المحروقات والكهرباء حيث بلغت نسبة التضخم حدودا خيالية (700%)، وفقدت الأجور ما يزيد عن ال 90% من قيمتها الشرائية.
ولأن ما يجري في لبنان مرتبط أشد الأرتباط بما يجري في منطقتنا العربية من مواجهات مترافقة مع مفاوضات على غير صعيد، تزداد احتمالات التصعيد العسكري والأمني على وقع الضغوط الأميركية المتزايدة، لفتح مسارات تطبيع غير مباشر مع العدو الصهيوني وفرض شروط صندوق النقد الدولي وتنفيذ بنود صفقة القرن المتعلقة بلبنان .
وفي ظل هذا الانهيار الشامل لنظام الطائف وعجز المنظومة الحاكمة عن معالجة الأزمة تلجأ الأخيرة لتأجيج الصراع الطائفي والمذهبي لطمس حقيقة الصراع الطبقي لإعادة إنتاج صيغة طائفية جديدة لنظام الاستغلال الطبقي والتبعي، تحت وصاية خارجية، وبانتظار ذلك ، تقوم اطراف المنظومة الحاكمة كلّ على طريقته، بمحاولة فرض قوانينه وأنظمته الخاصّة وتدبير أمور "دويلته" و"مناطقه" وفدراليته .
لقد كان حزبنا في قلب الأنتفاضة الشعبية في 17 تشرين وفي موقع المعارضة ضد هذا النظام القاتل ومنظومته السياسية الفاسدة وهو يتحضر لاستكمال المواجهة ضد المنظومة الحاكمة وقوانينها الانتخابية في استحقاق الانتخابات النيابية لمقبلة، كما كان في الشارع، من اجل بناء الدولة العلمانية الديمقراطية المقاومة ، وبناء اقتصاد وطني منتج ، وتعديل النظام الضريبي في اتجاه تصاعدي على الثروة والأرباح كما يطرح حماية الأجر الأجتماعي واسترجاع الأموال المنهوبة ومحاسبة المسؤولين عن انفجار المرفأ.
هذا ويدعو الحزب إلى تكريس سياسة خارجيّة للبنان تصب في اتجاه نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب وإلى قيام دول علمانية ديمقراطية على طريق التكامل والتقدم والوحدة في منطقتنا العربية، بديلاً من أنظمة الاستبداد والتطبيع والتخلف والرجعية والتبعية التي قمعت شعوبها، والتي شكّل بعضها أدوات لمشاريع السيطرة الخارجية.
كما يؤكد حزبنا موقفه الدائم في التضامن مع كوبا الثورة التي تتعرض للحصار الاميركي منذ 62 عاما ووقوفنا الى جانب الحزب الشيوعي الكوبي وصموده البطولي، ومع النضال المقاوم للشعب الفلسطيني وقواه اليسارية والتقدمية من اجل اقامة دولته الوطنية المستقلة على كامل تراب فلسطين وعاصمتها القدس وحق العودة، وعلى التزامنا خيار المقاومة الشاملة بكلّ أشكالها وعلى رأسها المقاومة المسلّحة ضد العدو الصهيوني في فلسطين ولبنان وعلى امتداد منطقتنا العربية.
ختاما، نتوجه اليكم ايتها الرفيقات والرفاق، بالدعوة الى اطلاق أوسع حملة سياسية لدعم المواجهة المستمرة لشعبنا وحزبنا ضد أحزاب السلطة ونظامها القاتل، والى دعم الصمود الشعبي في مواجهة الآثار الصحية والمعيشية والاجتماعية الكارثية الناتجة عن الانهيار الشامل وجائحة الكورونا.
عاش التضامن الأممي، والمجد والخلود للشهداء الذين سقطوا من اجل الأشتراكية وانتصار المثل العليا للشيوعية.
11/12/2021