تقرير سياسي صادر عن اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اللبناني تاريخ 24 – 12 - 2024
أولاً: القسم الدولي والعربي
الانتخابات الرئاسية الأميركية وانعكاساتها:لأول مرة، منذ عام 2000، يفوز الجمهوريون في الولايات المتحدة الأميركية، بشكل كاسح وغير مسبوق بجميع الأكثريات، الشعبية والنيابية وفي مجلس الشيوخ. فأصوات ترامب لم ترتفع سوى بنسب قليلة عن الدورة السابقة. وفي المقابل، تراجعت أصوات الديمقراطيين لأسباب عديدة منها امتناع شرائح من العرب والمجموعات الإسلامية واليسار والتقدميين عن تأييدهم.
لقد شكّل فوز ترامب انتصاراً للشعبوية والفكر الديني والانعزالية، "أميركا أولاً" و "أميركا عظيمة". وتعكس التعيينات التي يجريها اليوم للمسؤولين في ادارته (تشكيلة من الصهاينة وكبار المتمولين واليمين المتطرف) أشكال وأنواع الحروب الاقتصادية والتجارية التي سيعتمدها فور تسلمه مقاليد السلطة. هكذا ستكتمل مشهدية الحروب العسكرية والاقتصادية والتجارية في آن، في ظل الصعود المتنامي للشعبوية والعنصرية في دول المركز الرأسمالي كتعبير واضح عن المدى الخطير الذي بلغته أزمة الرأسمالية.
انعكاسات انتخاب ترامب: انطلاقاً من عناوين سياسة ترامب بإنهاء الحروب العسكرية قبل دخوله البيت الأبيض والتفرغ لمواجهة الصين وايران وتنفيذ وعوده الانتخابية، سيترتب على كل ذلك متغيرات على الصعد الدولية والداخلية، إن لجهة مواقفه المتباينة عن مواقف إدارة بايدن، أو لناحية طريقة وأسلوب مقاربته للأزمات والحروب المتفجّرة، ومنها:
موقفه المعلن بضرورة انهاء الحرب في أوكرانيا بتسوية مع روسيا، واذا ما فشل سيترك تبعات استمرارها على عاتق أوروبا. وقد يكون تصعيد إدارة بايدن وبريطانيا والاتحاد الأوروبي بالسماح لأوكرانيا بقصف العمق الروسي بصواريخ بالستية، والرد الروسي بالتوقيع على العقيدة النووية المحدّثة، هدفه خلق حالة من التوتر يصعب على ترامب معالجتها، ويمنع روسيا من تحقيق التسوية المطلوبة من قبلها وبالتالي استمرار الحرب واضعاف روسيا وأوروبا معا. موقفه الرافض لقيام دولة فلسطينية حتى وفق "حل الدولتين". ودعمه للكيان الصهيوني في ضمّ الضفة الغربية وغزة مع دعمه لسياسة التوسّع وفق خريطة نتنياهو التوسّعية. وسيدفع ترامب باتجاه استكمال اتفاقيات ابراهام، وتفعيل الممرّ الهندي رغم عدم قدرته على منافسة التجارة البرية والبحرية في الممرّات الدولية القائمة حالياً، ودفع السعودية، للتطبيع مع الكيان الصهيوني ، مقابل ضمانات سياسية وأمنية لها وتخليها عن حل الدولتين والاكتفاء بإقامة بلديات تتولى تحسين الوضع المعيشي للفلسطينيين. يتبنى ترامب الموقف الإسرائيلي بضرب البرنامج النووي الإيراني أو تعديله، لكنه قد يتبع أولاً أسلوب الضغط وزيادة العقوبات واثارة الصدامات الأثنية والاقتصادية في الداخل الإيراني، بعد ان تم تقويض نفوذها الخارجي الى حد كبير ، لتنكفىء للاهتمام بمشاكلها الداخلية ويسهل احتوائها، بما يتوافق مع المصالح الأميركية. وقد يخفف هذا التوجّه من احتمالية شنّه حروب خارجية في الفترة الأولى من رئاسته مع ابقاء الخيار العسكري كملاذ أخير في ايران. يرى ترامب بأن علاقة الولايات المتحدة مع الاتحاد الأوروبي والناتو والمؤسسات الدولية عموماً يجب أن تتغيّر، باعتبارها تستنزف الاقتصاد الأميركي ودافعي الضرائب، وعلى الاتحاد الأوروبي تحمل أعباء أمنه ودفع تكاليف القواعد العسكرية الأميركية الموجودة في أوروبا. سيعتمد على الحرب الاقتصادية والتجارية معها عبر رفع الرسوم الجمركية لتعديل الميزان التجاري وارهاق الاقتصاد الصيني، وهي من جهتها سترد بالمثل وفي تايوان تحت عنوان الصين الواحدة.المحكمة الجنائيّة الدولية
رحّب الحزب بقرار المحكمة الجنائية الدولية، بإصدار مذكرات توقيف بحق رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو ووزير الحرب السابق يولاف غالانت، بتهمة ارتكاب جرائم حرب ضد الشعب الفلسطيني في غزة. إن هذا القرار هو قرار ملزم لجميع الدول الموقعة على ميثاق تأسيس المحكمة والبالغ عددها ١٢٤ دولة، التي أبدى معظمها التزامه الأولي بالقانون الدولي. وفي هذا الإطار، يأتي الرفض الأميركي لقرار المحكمة، والتي لم تنضم إليها الحكومة الأميركية منذ تأسيسها، كتعبير مدان ووقح عن العدوانية الأميركية وشراكتها في العدوان وتغطيتها له، من خلال التسليح والتمويل وتبادل المعلومات وممارسة حق النقض في مجلس الأمن. إن تطبيق هذا القرار ومتابعة الدعوى الأخرى التي رفعتها دولة جنوب أفريقيا في محكمة العدل الدولية، والتزام الدول الأعضاء بها، من شأنها أن تشكّل تعبيرا واضحا عن العزلة الدولية التي تواجه الكيان الصهيوني ورادعاً قانونياً دولياً مشجعا على مقاومة الشعبين اللبناني والفلسطيني، من أجل إنهاء الاحتلال ووقف العدوان وحرب الإبادة الجماعية.
حرب الإبادة الصهيونية على فلسطين
تستمر حرب الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة حيث يسقط الشهداء بالعشرات يوميا وسط حصار مطبق يمنع دخول المساعدات الإنسانية الى غزة ، كما يستمر الاستيطان والعدوان والاغتيالات والاعتقالات في الضفة الغربية وبوتائر متصاعدة. ومع استشهاد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس يحيى السنوار لا يزال الاحتلال يسعى الى تهجير الشعب الفلسطيني أولا من شمال غزة الى جنوبها تمهيدا لتهجير أبناء غزة جميعهم الى الخارج في المرحلة الثانية، إضافة الى اعتماد مختلف الطرق وأساليب الضغط والترهيب للتحكم والسيطرة على الأرض ومنها إنشاء منطقة عازلة موسعة في محور نتساريم لفصل مدينة غزة عن باقي مدن الوسط والجنوب، وتعزيز التواجد التقني والعسكري في محور فيلادلفيا على الحدود مع مصر خلافا لاتفاقية التطبيع معها. أما المرحلة المقبلة فستكون شديدة الضغوط على المقاومة الفلسطينية ، بعد اعتبار نتنياهو أنها أصبحت ضعيفة بعد اتفاق وقف اطلاق النار على الجبهة اللبنانية وسقوط النظام في سوريا وانسحاب ايران وتراجع فعالية الجبهة العراقية واليمنية. وبالرغم من كل ما حصل فلا خيار امام الشعب الفلسطيني الا المقاومة ، وهي مستمرة في عملياتها النوعية البطولية ضد قوات الاحتلال الصهيوني ملحقة المزيد من الخسائر والقتلى والجرحى في صفوفه، مع احتفاظها بقوة ضغط أساسية تتعلق بالمحتجزين من اجل وقف الحرب على الشعب الفلسطيني . هذا ويجدد الحزب الشيوعي اللبناني دعمه للمقاومة الفلسطينية بكافة فصائلها وفي مقدمتها قوى اليسار الفلسطيني، معربا عن أسفه لما يجري في الضفة الغربية من اقتتال بين قوى السلطة الفلسطينية وبعض الفصائل في جنين، والذي لا يستفيد منه الا العدو الصهيوني ، داعيا الى وقفه، ومشددا على تعزيز حملات التضامن دعماً للقضية الفلسطينية من تظاهرات وتحركات ودعاوى قانونية ومبادرات سياسية في البرلمانات المحلية والوطنية، ومن تفعيل لحضور الحزب ومنظماته والقوى اليسارية والشيوعية في العالم في هذه الحملات التضامنية من أجل فرض وقف إطلاق النار وإنقاذ الشعب الفلسطيني من آلة البطش والقتل الصهيونية المدعومة أميركياً وأطلسياً حيث يسقط عشرات الشهداء يوميا في غزة من دون أي تحرك يوقف هذه المجازر التي تتم تحت غطاء المفاوضات التي يستخدمها نتنياهو لمواصلة الحرب .
4 - سقوط النظام في سوريا
سقط النظام السوري بشكل مفاجئ وبسرعة فاقت التصوّر والمتوقع ودون اية مقاومة، ورحل بشار الأسد دون ان يوجّه كلمة واحدة الى الشعب السوري. سبق هذا السقوط محاولات سياسية فاشلة قامت بها روسيا لناحية اجراء مفاوضات تؤدي الى حل سياسي في سوريا ، تلتها محاولة أخرى بدعوة أردوغان الى عقد اجتماع قمة لتطبيع العلاقات مع تركيا. لكن الرئيس الأسد بقي على موقفه بعدم التجاوب وسط عجزه عن معالجة أزمات نظامه السياسية والاقتصادية والاجتماعية وعن تأمين الحاضنة الشعبية للدفاع عنه ما أدى الى سقوطه السريع. لقد جاء هذا السقوط - الزلزال بتداعياته على صعيد المنطقة ، اثر الهجوم الواسع - الخارج عن اتفاق وقف التصعيد وفق ( مسار أسٍتانا) - الذي شنّته هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا) وعدد من الفصائل بدعم كامل من تركيا الساعية لضرب "قسد". وجاء توقيت الهجوم بعد حرب الإبادة الجماعية المستمرة في غزة والضربات الصهيونية على المواقع الإيرانية واعلان الاتفاق اللبناني – "الإسرائيلي" وانشغال روسيا في أوكرانية وعدم تجاوب معظم الأطراف في مشروع الحل السياسي للأزمة التي كانت روسيا تريد تحقيقه لتجنيب سوريا سقوط النظام وتداعياته الجيو – سياسية على المنطقة وعلى موازين القوى الدولية.
لقد تمكّنت الفصائل المسلحة خلال خمسة ايام من الهجوم من اسقاط النظام بقيادة هيئة تحرير الشام التي استخدمت في هجومها خطابا سلميا - معتدلا تلقفه الشعب السوري بارتياح وأمل، لا يخلو من الحذر والخوف والترقب أثر حدوث تجاوزات وعمليات قتل وسرقات أدت الى موجة لجوء واسعة من بعض المناطق الى لبنان. واليوم تتقاسم القوى والمجموعات العسكرية الجغرافيا السورية احتلالا وسيطرة . فالعدو الصهيوني يحتل هضبة الجولان وهو يوسّع احتلاله بالسيطرة على المنطقة العازلة وعلى اعلى قمة في جبل الشيخ ( قمة حرمون) بعد ان ضرب معظم المواقع العسكرية في سوريا حتى أصبحت سوريا الآن منزوعة السلاح وبدون جيش ولا شرطة مدنية. وهيئة تحرير الشام استلمت السلطة وتسيطر على الشمال والوسط، وتركيا تحتل منطقتين على الحدود الشمالية. و"قسد" تسيطر على الشمال الشرقي، والولايات المتحدة تحتل "قاعدة التنف"، و"غرفة عمليات الجنوب" تسيطر على المنطقة الجنوبية . هذه الخريطة الجيوسياسية هي خريطة متحركة مع استمرار المعارك في الشمال السوري مع تحشيد الجيش التركي لقواته على الحدود تمهيدا لضرب قسد،.هذه الخريطة لتوزيع القوى تبرر المخاوف من مشروع تقسيم سوريا اذا ما تعذّر الحل السياسي ودبّت الفوضى، حيث وبشكل منفرد، شكّل الجولاني حكومته المؤقتة من 11 وزيرا جميعهم من هيئة تحرير الشام، وهؤلاء أنفسهم كانوا يشكلون "حكومة ادلب"..
مواقف الأحزاب السورية:
أعلنت أحزاب الجبهة الوطنية تأييدها للحكومة المؤقته، وادانت العهد البائد ومعها مجلس الشعب وحكومة النظام .وقيادة حزب البعث اجتمعت وقررت حلّ الحزب. الحزب الشيوعي السوري الموحد وحزب الإرادة الشعبية وحزب العمل الشيوعي في سزريا ومعهم أحزاب قومية وشخصيات سورية ديمقراطية ومستقلة اعلنوا مواقف متمايزة منفردة ومشتركة عبر تصريحات وبيانات موقّعة، أما الأحزاب الشيوعية العربية فقد أصدرت بيانا أدانت فيه العدوان الصهيوني على سوريا المدعوم اميركيا داعيا الى وحدة سوريا وسيادتها.
موقف الحزب:
في بيان له اعلن الحزب موقفه معتبرا ان لحظات سقوط النظام ورحيل بشار الأسد هي لحظات تاريخية تفكّكت خلالها منظومة الاستبداد التي حكمت البلاد على مدى عقود وامتدّت سطوتها أيضاً إلى بلدنا لبنان، الذي كان له حصته من ممارسات المنظومة الأمنية والقمعية المتكاملة مع منظومة النهب والفساد، لجهة دعم وتثبيت التحالف الرأسمالي ونظام المحاصصة الطائفية في مرحلة ما بعد اتفاق الطائف.
كما اعتبر الحزب ان رحيل بشار الأسد جاء نتيجة سقوط النظام وفشل سياساته بالقيام بموجبات القضية الوطنية ومعالجة القضايا الاقتصادية والاجتماعية والحريات الديمقراطية العامة، ما أضعف سوريا وأنهكها وخلق الأرضية الملائمة لبيئة التطرّف في ظل الأطماع والمشاريع الامبريالية والصهيونية المترافقة معها، وهو ما شرّع الأبواب، لتحويل الانتفاضة الشعبية لحرب أهلية وللتدخلات الخارجية، والتي أودت جميعها بحياة مئات الآلاف وهجّرت الملايين وشهدت أبشع أنواع الجرائم التي قامت بها معظم أطراف الصراع الدموي، على ضفتي الصراع، وعلى رأسها الجماعات التكفيرية والإرهابية المتطرّفة التي تفنّنت في صنوف القتل والتعذيب والاضطهاد، ونظام القمع والاستبداد البائد
كما اعتبر الحزب ان معاناة الشعب السوري وآلامه الدفينة قد شاركه فيها شعبنا اللبناني وقواه الوطنية فكان للشيوعيين والتقدميين نصيبا وافرا من جراحها وآلامها. ورأى الحزب ان الشعب السوري يعتريه اليوم مزيج من الشعور بالأمل والخوف والحذر : أمل بمستقبل أفضل، يقوم على حلول سياسية داخلية للمشكلات السورية وبناء الدولة الوطنية الديمقراطية العادلة لجميع أبنائها على اختلاف انتماءاتهم، وبناء الاقتصاد وإعادة الإعمار وعودة اللاجئين إلى منازلهم، وخوف وحذر من الفوضى وتجدد أشكال أخرى من الصراع والاقتتال أو من تغوّل وطغيان قوى التطرّف في ظل المخاطر والأطماع الخارجية التي تقف خلفها.
وأولى هذه المخاطر المحدقة بسوريا اليوم تتجسّد بأطماع العدو الصهيوني واستمرار تكثيف ضرباته العدوانية وتدمير كل مقدرات الدولة ولا سيما مقدرات الجيش السوري وتوسيع رقعة سيطرته في محيط الجولان والغاء اتفاقية وقف اطلاق النار الموقّعة منذ عام 1974، والتوسع لفرض سيطرته على أجزاء واسعة من الجنوب السوري. كما يقوم بافشال الانتقال السلمي للسلطة ومنع عودة الحياة الطبيعية الى سوريا عبر ضربه لمؤسسات الدولة وتعطيل خدماتها للمواطنين، لإشاعة الفوضى .
وهو ما يستدعي وضع قضية تحرير الجولان والجنوب السوري المحتل من الاحتلال الاسرائيلي واستعادة السيادة عليه في رأس أولويات القضية الوطنية في سوريا. وكذلك، تشكّل الأطماع التركية في الشمال وسعي الحكم التركي لإنشاء منطقة أمنية عازلة على مساحة آلاف الكيلومترات، والتدخّل العسكري المباشر في المناطق ذات الأغلبية الكردية، وطموحها بفرض نفوذها السياسي على الحكم في سوريا تحدياً وجودياً أمام مستقبل الشعب السوري وتقدّمه. كما أنّ المشروع الأميركي في المنطقة عموماً ومنها في سوريا، لا يزال يعمل وبقوّة على الفتنة والتفتيت والتجزئة من خلال أدوات عديدة، وتحتفظ الولايات المتحدة بقواعد عسكرية وقوات فاعلة على الأرض في معظم مناطق الشرق والجنوب السوري.
إنّ عملية تغيير النظام تغييراً جذرياً شاملاً، سياسياً واقتصادياً- اجتماعياً، وبناء الدول السيّدة العادلة، هي عملية أشد تعقيداً بكثير من مجرد رحيل رئيس وقدوم رئيس. وهذا ما يستوجب التنسيق والتكامل والوحدة بين مختلف أطياف القوى الوطنية والديمقراطية والعلمانية والتقدمية والشيوعية في سوريا، لتشكيل قطبية وازنة تساهم في إعادة تشكيل ورسم المستقبل السياسي للبلاد بعيداً عن نظم المحاصصة الطائفية ومشاريع النفوذ والهيمنة الخارجية على القرار الوطني السوري.
أما على الصعيد اللبناني، دعا الحزب الحكومة أن تبادر فوراً لمتابعة بعض القضايا المصيرية، وعلى رأسها تأمين الظروف المناسبة لعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم بعد زوال الهاجس الأمني. كما يجب على الحكومة أن تعمل على تأمين الحدود الشمالية والشرقية مع التنويه بنشر الجيش اللبناني تحسباً لأية تطورات سلبية مستقبلاً، وأن تبادر بكل ما أوتيت من قوة دبلوماسية لمتابعة ملف المفقودين اللبنانيين في السجون السورية، والذين أعلنت حكومتا البلدين زوراً عدم وجودهم سابقاً، فيما تبين الآن وجود الكثيرين منهم في سجون النظام المتداعي، وهي قضية إنسانية حسّاسة تعني مئات العائلات اللبنانية.
ويعتبر الحزب ان إرادة الشعب السوري فتحت صفحة جديدة مليئة بالأمل باتجاه انجاز الحل السياسي بأسرع وقت ممكن لطي صفحة الماضي الأليمة وفتح صفحة جديدة كفيلة بتحقيق وضمان تطلعاته وتضحياته وتاريخه الوطني والقومي العظيم. وان من حق الشعب السوري تقرير مصيره بنفسه بعيداً عن التدخلات الخارجية، مجددا وقوفه إلى جانب قوى اليسار والتقدّم والديمقراطية في سوريا في نضالها لتحقيق الحرية الكاملة للشعب السوري ولتحقيق العدالة الاجتماعية وإعادة إعمار البلاد وعودة المهجرين إليها، وتعزيز الوحدة الوطنية واستعادة السيادة على كامل التراب الوطني السوري، وبناء أفضل العلاقات الندية والأخوية القائمة على التعاون والتكامل بين بلدينا.
استنتاجات :
مع سقوط النظام في سوريا، سقطت وحدة الساحات بالكامل وانقطع الامداد عن حزب الله عبر سوريا. وتبين ان النظام كان قائما على الدعم الخارجي. الرابح الأول هو تركيا ومجموعاتها الداخلية والكيان الصهيوني ومن ورائهما الولايات المتحدة الأميركية ومشروعها للشرق الأوسط الجديد. اما الشعب السوري الذي كسر حاجز الخوف ونزل الى الساحات والشوارع في تظاهرة ساحة الامويين بدمشق وفي التصاريح والبيانات والتجمعات النسائية المطالبة بحقوق المرأة وبالدولة المدنية الوطنية والديمقراطية، فتبقى آماله معلّقة في مدى قدرة القوى الوطنية والديمقراطية السورية على توحيد صفوفها وبلورة مشروعها السياسي القادر على الحفاظ على وحدة سوريا وسيادتها وحق شعبها في تقرير مصيره لتحويل المرحلة الانتقالية الى فرصة لفرض مسار الحل السياسي عبر حوار سوري داخلي تشارك فيه كل الأطراف السياسية يؤدي الى تشكيل حكومة انتقالية موسعة تغطي تمثيل كل القوى السياسية التي دفعت أثمانا باهظة من حكم الاستبداد والتعسف والافقار، وتفضي الى إقرار دستور جديد للدولة العلمانية والمدنية الضامنة للحريات العامة وتعدّد الأحزاب واجراء انتخابات ديمقراطية مع أولوية مهام تحرير ارضها من الاحتلال الصهيوني. انه المسار الكفيل في مواجهة المخاطر التي لا تزال قائمة، وفي مقدمها مخاطر التقسيم حيث تحت ذريعة المناطق العازلة تقوم تركيا والكيان الصهيوني باحتلال المزيد من الأراضي السورية كما يجري في غزة والضفة الغربية وفي الجنوب اللبناني من قبل الاحتلال الصهيوني، هذا بالإضافة الى تبعات سياسة الأستئثار بالسلطة التي ستؤدي الى تضارب المصالح بين الفصائل التي لا يجمعها سوى العداء للنظام ما يهدد بخطر الانزلاق نحو الفوضى والاقتتال الداخلي.
ان خطر الاقتتال الداخلي في سوريا له انعكاساته الخطيرة على دول الجوار وبخاصة على لبنان والأردن والعراق ، فبالنسبة الى لبنان لا بد من التأكيد على اتخاذ كل الإجراءات السياسية والأمنية الكفيلة بحماية الحدود الشمالية والشرقية مع سوريا مع التحذير من عودة التصعيد في الخطاب المذهبي لبعض المجموعات في الداخل اللبناني على وقع تداعيات سقوط النظام السوري . مواكبة تنفيذ العدو الصهيوني لاتفاق وقف اطلاق النار ومجمل مواقف القوى السياسية الداخلية والخارجية من التطورات الداخلية اللبنانية لا سيما استحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية في 9 كانون الأول التي لا تزال نتائجه غير مؤكدة لجهة انتخاب رئيس ام لا . . من المؤكد أيضا ان يتصاعد ويتوسع العدوان الامبريالي – الصهيوني على اليمن والعراق وايران الى حد اسقاط النظام أو احتوائه اجراء ورش نقاشية حول الأوضاع المستجدة على الصعيدين اللبناني والعربي وتكثيف اللقاءات وممارسة أعلى اشكال التنسيق والعمل المشترك بين القوى اليسارية والشيوعية العربية على قاعدة خيارها التحرري الوطني والعروبي وممارسة الفعل المقاوم ضد هذا الزحف التوسعي للعدو الصهيوني فالظرف السياسي مناسبا في ظل هذا الفراغ وهذا الوضوح في جذرية المشروع الامبريالي الذي يستوجب وجود من يتقدّم الصفوف لملء الفراغ. ومن أجدر من اليسار وقواه الحيّة من ان يتصدر الواجهة ويتحمل المسؤولية بالقيام بدوره التاريخي المطلوب . وتلك هي أولوية المهام .
القسم الثاني: في الوضع اللبناني
الحرب العدوانية الصهيونية على لبنان
استكمالا لما سبق للحزب ان اتخذ من مواقف تم إعلانها تباعا حول الحرب العدوانية الصهيونية على لبنان ، والتي استمرت وتصاعدت في همجيتها حوالي الشهرين وعلى مرحلتين . الأولى تركزت على القصف الجوي للمناطق اللبنانية كافة مركزة على الجنوب والضاحية وبعلبك – الهرمل كما طالت ايضا العاصمة بيروت، أما المرحلة الثانية فاستكملت بالتوغل البري جنوباً وببطء على كلّ الجبهات. وقد تراوح عمق هذا التوغل كيلومترات عدة وعلى طول الحدود الدولية مع فلسطين المحتلة.، معتمدا على سياسة الأرض المحروقة والتدمير والقتل والتهجير والاغتيالات . وفي المقابل خاض الشعب اللبناني ومقاوميه معارك شرسة وبطولية في التصدي له، والردّ على عدوانه في الجليل وحيفا وتل أبيب وغيرها من مناطق الداخل الفلسطيني المحتل، وفي تعزيز الصمود الشعبي واحتضان النازحين ومواجهة الخطاب المتطرف الانقسامي والمذهبي الهادف الى التصادم الأهلي ونشر الفوضى .
اتفاق وقف اطلاق النار:إن وقف إطلاق النار هو انجاز تحقق بفضل الدماء والتضحيات التي قدّمت والتي حالت، في ظل موازين القوى، من تحقيق العدو الصهيوني لهدفه بإخضاع لبنان وشعبه. إنه الصمود البطولي الذي فرض على العدو وقف هجماته البربرية التدميرية والحرب النفسية ضد المدنيين، التي تعدّ جرائم حرب يجب أن يحاكم عليها، كما غيرها، نتنياهو وغالنت تنفيذاً لقرار المحكمة الجنائية الدولية، ومعهما الحكومة العنصرية والقادة العسكريين والجنود الذين ارتكبوا المجازر بقصف المدنيين العزل. أما في ما ورد بالاتفاق فقد تجاوز القرار 1701 من خلال التعديلات والإضافات التي أدخلت عليه ومن معظم البنود المفروضة على لبنان، في آلية المراقبة والتنفيذ التي صوّرت لبنان وكأنه هو المعتدي على "إسرائيل"، فشكلت بذلك عملية تبرئة للعدو الصهيوني من كل الجرائم التي ارتكبها بحق لبنان وشعبه.
وهو ما تبين، في تشكيل لجنة "المراقبة والتنفيذ" وترئيس الولايات المتحدة لها وهي المنحازة والداعمة للعدو. وعليه نجدد رفضنا لأي شروط أو تنازلات على حساب لبنان وسيادته وحقوقه الوطنية براً وبحراً وجواً، وعلى وجوب تنفيذ الانسحاب الاسرائيلي الكامل، وعدم إعطاء "إسرائيل" أي حق في أي "عمل عسكري وقائي"، مع التمسك بوجوب الالتزام بالانسحاب "الإسرائيلي" إلى الحدود الدولية وفق اتفاق الهدنة الموقع عام 1949، والتشديد على أهمية دور الجيش اللبناني في حماية وصون سيادة لبنان والدفاع عن اللبنانيين ضد أي عدوان صهيوني متوقّع وفق ما صرّح به نتنياهو بأن "الاتفاق ليس نهاية الحرب".
إن الأوضاع السياسية والأمنية التي يمر بها لبنان لا تزال محفوفة بالمخاطر، ذلك أن العدو الصهيوني لا يمكن الركون له، فهو رغم توقيعه الاتفاق لا يزال مستمرا في ممارسة شتى أنواع وأشكال الإجرام والاعتداء على أهلنا العائدين إلى الجنوب، بحيث يتعرضون لمحاولات القتل والترهيب والخطف والمنع من الدخول إلى قراهم، بالإضافة إلى استمرار العدو في تفجير المنازل وتسيير المسيرات واستباحة الأجواء اللبنانية ومن دون أي رادع وهو ما يدعونا لمطالبة الحكومة اللبنانية بالتحرك ومن الجيش اللبناني القيام بما يلزم لوقف الخروقات.
ومن المتوقع إن تستمر هذه الخروقات "الإسرائيلية" الميدانية التي تجري طوال مرحلة الستين يوما المعطاة لتنفيذ الاتفاق، وبغطاء وضمانات أميركية في محاولة اسرائيلية لجعل التوافقات التي صاغتها مع واشنطن، أمراً واقعاً ، مع ما تتركه من تململ وتساؤلات في موضوع العودة الى قرى الشريط الحدودي التي يستمر العدو في تفجير البيوت لمنع عودة أهلها ومضاعفة مشاكل العائدين الاعمارية والصحية والتربوية والمعيشية. وهو ما يستدعي رفع الصوت عاليا بوقف الخروقات المستمرة التي تكشف نواياه المبيته بعدم الانسحاب تحقيقا لأطماعه التوسعية.
ومما لا شك فيه، أن قوى سياسية يمينية قد بدأت بالتحضير لمحاولة إعادة تكوين السلطة وتوزيع الحصص الطائفية في النظام السياسي اللبناني، وصولاً إلى أن بعضها يراهن على دخول لبنان مرحلة التطبيع الكامل مع "إسرائيل". وفي ظل هذا الواقع، يتبدى المشهد السياسي على بروز نسخة عن التكتلات السياسية الطائفية والمذهبية القديمة – الجديدة تشبه تلك الاصطفافات السابقة بين 8 و14 آذار، إنما مع تلميع صورتها بوجوه جديدة تمهيداً لتوافقات من ذات الطبيعة الطائفية – السلطوية انما بموازين قوى مختلفة.
فعلى وقع هذه الضربات الموجعة التي تعرض لها حزب الله وانكفاء دوره الإقليمي باتجاه الداخل ،جاءت موافقته على اتفاق وقف اطلاق النار وإعلان التزامه بالنقاط الأربع التي أعلنها، حيث بدأ بالعمل عليها عبر تشكيل اللجان المتفرعة عن القمة الروحية المنبثقة من لقاء بكركي، وعبرانتخاب رئيس الجمهورية وفق الدستور والالتزام باتفاق الطائف والمساهمة بإعادة الاعمار وتنشيط مؤسسات الدولة المنهارة، ما يؤشر، إلى إعادة تموضع حزب الله مع شركائه في السلطة، ومحاولة إعادة تكوين السلطة السياسية معهم وفق الأسس والتحالفات الطائفية عينها مع بقاء تمسكه بالمقاومة بانتظار نتائج تنفيذ الاتفاق وتطورات الأحداث في لبنان والمنطقة.
من هنا تأتي أهمية ابراز موقف حزبنا ورؤيته للوحدة الوطنية، المبنية على أساس الحق بمقاومة العدوان والاحتلال بكل اشكال النضال، مع التصدّي لمحاولة نشر الفوضى والخطاب الطائفي في الداخل، وضرورة التزام السلطة اللبنانية في المفاوضات بالخطوط الحمر بحيث لا يتم ترتيب أوضاع الإقليم على حساب لبنان، ووجوب الدخول في مرحلة انتقالية ترسي بناء مشروع الدولة العلمانية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية،؛ دولة مقاومة تحمي سيادة لبنان من خلال جيشها الوطني، الذي يجب على الدولة اللبنانية تسليحه وتجهيزه بأحدث الأسلحة والعتاد ومن مختلف المصادر، بحيث يكون انتخاب رئيس للجمهورية انتخاب لمشروع سياسي – برنامجي، هو بمثابة بيان وزاري تتشكل على أساسه حكومة من خارج الاصطفافات الطائفية ولديها صلاحيات تشريعية لتنفيذه.
في هذا الاطار، سيتابع الحزب الاتصالات واللقاءات، التي بدأها مع مختلف القوى الحزبية العلمانية والوطنية واليسارية، ومع بعض النواب والشخصيات السياسية والإعلامية والنقابية، بهدف طرح رؤيته لكيفية مواجهة العدوان الصهيوني تحسبا لاحتمال وارد بعدم انسحاب العدو بعد 60 يوما من لبنان، ولكيفية بناء إطار سياسي وطني علماني وديمقراطي بديل وقادر على كسر حلقة الدوران في الحلقة المفرغة وانقاذ مصير لبنان ووجوده. وما يجري من قبل أطراف السلطة وأوصيائهم هو إعادة انتاج نسخة جديدة للدولة الطائفية، رغم كل ما دفعه الشعب اللبناني من تضحيات، ذلك أن الدولة الطائفية المأزومة تحاول تجديد تحالفها اليوم مع قوى الرأسمال الريعي ، وهو التحالف الذي أدخل البلد في الانهيار الشامل. من هنا يمكننا ملاحظة عودة مناخ الانقسامات الطائفية إلى البروز من جديد وفق العودة إلى طرح الملفات السياسية بمفاعيل نتائج الحرب العدوانية على لبنان، مضافا اليها عودة الاستثمار السياسي بعد سقوط النظام في سوريا. وهنا لا بد من تشكيل لجان عمل لمتابعة القضايا التي تحتل الأولوية واتخاذ المواقف بشأنها ومنها مسألة الخروقات الاسرائيلية المستمرة في الجنوب ذلك ان وقف اطلاق النار كما يتأكد هو من جانب واحد.وكذلك متابعة ملف النازحين والاعمار والتعويضات وتوفير السكن اللائق لمن تهدمت بيوتهم وخسروا ارزاقهم وعملهم ولا يجدون حتى الآن الحلول الناجعة لتأمين السكن البديل .
انتخابات الرئاسة: الجميع بانتظار جلسة 9 كانون الثاني، والتي من غير المعروف نتائجها، إذ لا يملك أي طرف العدد الكافي لحسم انتخاب الرئيس، وإعادة تكوين السلطة وفق المعايير السابقة والتوازنات الداخلية والتقاطعات الخارجية، والتي تتنوع اليوم؛ فالفرنسي مهتم بتنفيذ الاتفاق الذي أبرم حول الوضع في الجنوب، ويريد استكماله بتشكيل السلطة . فحتى الآن لا حسم لأي سيناريو انتخابي ، انما الجديد هو ارتفاع أسهم قائد الجيش جوزف عون بعد تبني وليد جنبلاط وكتلة اللقاء الديمقراطي ترشيحه. وقد جاء تصريح مستشار ترامب لشؤون الشرق الأوسط مسعد بولس، حول عدم الاستعجال بانتخاب الرئيس الآن، ليُعقّد المشهد و يؤكد بأن العقد خارجية كما هي داخلية.
ان المرحلة السياسية المقبلة هي من أدق المراحل التي يمر بها لبنان. ما يستوجب ضرورة العمل على استكمال بلورة حالة وطنية، تطرح مشروعها وآليات تحركها، من موقعها المواجه للعدوان والمقاوم لاعتداءاته، وأيضاً الرافض لأي انقسام داخلي على أساس طائفي أو مذهبي أو مناطقي... واستكماله بجهد لتشكيل نواة سياسية (أحزاب وشخصيات، ويمكن نواب...)، يبني على ما انجزه شعبنا في حراكاته الوطنية، من 17 تشرين وهيئة التنسيق والحراكات المطلبية واسقاط النظام... تأخذ على عاتقها إطلاق مسار سياسي خارج المعمول به حالياً، فتطرح القضايا بكل تشعباتها، وتقترح آليات متابعة تنفيذية، من أجل بناء دولة المواطنة والديمقراطية والعلمنة والعدالة الاجتماعية كبديل عن اعادة انتاج النظام القديم المولد للأزمات المستمرة.
السياسات الاقتصادية للحكومة اللبنانية في ظل الحرب
في ظل العدوان "الإسرائيلي" على لبنان منذ الثامن من اكتوبر 2023، وصولاً إلى اتساعها منذ 23 من ايلول والاضرار المادية المباشرة والخسائر الاقتصادية التي حدثت والتي تقدّر بمليارات الدولارات، بالإضافة إلى كلفة النزوح الجماعي الذي طال حوالي مليون ونصف المليون شخص، والتدمير الممنهج للقرى الحدودية والضاحية والبقاع ، لم تحرك الحكومة اللبنانية ساكناً إلّا بأقل من الحدّ الأدنى، واستمرت في السياسات التقشفية التي اتبعتها منذ أزمة 2019. في هذا الإطار، فإن هذه السياسات التقشفية قد أدت إلى تراكم كبير في السيولة لدى القطاع العام، وهي موجودة في المصرف المركزي والقطاع المصرفي والتي تبلغ حوالي 6.5 مليار دولار. وبدلاً من استعمال هذه الفائض في دعم الاقتصاد والمجتمع اللبنانيين هذه السنة، من خلال الانفاق على التعليم والصحة العامة والنازحين، ودعم المؤسسات المتعثرة ظرفياً ودعم المداخيل في القطاع العام وتأمين الكهرباء والسكن والمياه وسائر الخدمات الاقتصادية والاجتماعية، والتي عادة ما تنفقها الدول خلال الحروب والأزمات على شعبها، فإن الدولة اللبنانية اختارت استمرار التقشف في موازنة 2025. ويبدو أن الحكومة تضع السياسة المالية في خدمة السياسة النقدية والتي هي إعادة تجربة التثبيت النقدي بدلاً من أن تكون للسياسة المالية أهدافاً اقتصادية واجتماعية مستقلة عن السياسة النقدية. وبالتالي، فإننا ندعو إلى اتباع سياسة مالية توسعية تعتمد على الفائض المالي المحقق، بالإضافة إلى تعديل موازنة 2025 من أجل مواجهة تحديات الإنفاق الاجتماعي خلال وما بعد الحرب، والاستعداد لإعادة الأعمار، بدلاً من الاعتماد الحالي على الهبات الخارجية واستجدائها وإيهام اللبنانيين بأن الدولة اللبنانية مفلسة. أن هذه السياسات التقشفية تعكس محاولة السلطة إعادة إنتاج النموذج الاقتصادي القديم، الذي أسقطته أزمة 2019، في ظل أكبر حرب تدميرية يواجهها لبنان منذ عام 2006. وهذا يعكس، في النهاية، تخلي الدولة – التي تشكل تحالف بقايا الرأسمال الريعي مع بقايا الاحزاب الطائفية – عن الشعب اللبناني، ومحاولة استعمال أموال الضرائب التي يدفعها اللبنانيون لتثبيت سلطتها الطبقية التدميرية للاقتصاد والمجتمع، بدلا من استعمالها في الصمود الاقتصادي والاجتماعي خلال الحرب وما بعدها.
قضية المناضل جورج إبراهيم عبداللهقررت المحكمة الابتدائية الفرنسية إطلاق سراح الأسير المناضل جورج إبراهيم عبدالله، بعد أكثر من 41 عاماً على ابقائه في السجن، مع ترحيله إلى بلده وعدم عودته إلى فرنسا. لكنّ الدولة الفرنسية استأنفت قرار المحكمة مباشرةً أمام محكمة الاستئناف، التي قررت في 19 كانون الأول الجاري، تأجيل اصدار الحكم بالأفراج عنه تحت ضغط الولايات المتحدة الأميركية التي وجهت رسالة الى المحكمة تعتبر فيها ان جورج إبراهيم عبدالله "مجرم وارهابي" ويجب عدم اطلاق سراحه. وهو ما يتطلب استمرار التحرك لتنفيذ قرار الافراج عنه وادانة موقف الإدارة الأميركية وخضوع الحكومة الفرنسية للقرار الأميركي باستمرار. فهذه هي المرة الثانية على التوالي يصدر حكم الافراج عن جورج عبدالله وتقرر الحكومة الفرنسية التراجع عنه وعدم تنفيذه.
وفي الختام أقرت اللجنة المركزية في اجتماعها المنعقد في 22 – 12 -2024 تقرير لجنة الصمود الشعبي مع الإضافات التي وردت في المداخلات وكذلك عناوين المهام الملموسة السياسية والتنظيمية.
بيروت في 24 – 12 – 2024
اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اللبناني