الأربعاء، تشرين(۲)/نوفمبر 13، 2024

الجزائر تاريخ شعب لا يهدأ

عربي دولي
تشهد الجزائر منذ الثاني والعشرين من شهر شباط الماضي حراكاً شعبيّاً واسعاً في مختلف أنحاء البلاد، وبشكل أساسي في العاصمة الجزائر، تشارك فيه مختلف فئات المجتمع الجزائري، وفي مقدمتهم النساء والشباب من طلاب جامعيين ومهنيين، تحت شعار "لا لولاية خامسة للرئيس بوتفليقة، ونعم لإجراء إنتخابات حرة في موعدها في أواخر شهر نيسان القادم".

واستجابة لضغط الشارع، عدَلَ الرئيس عن ترشحه، لكنه أجرى تبديلاً حكوميّاً ومدّد لولايته الرابعة في الحكم، بذريعة إتمام الندوة الوطنية المقترحة من قبل النظام الحاكم، تحضيراً لانتخابات رئاسية سلسة، تؤدي إلى نقلة نوعية في النظام .
إلا أن المعارضة الشعبية التي ترفع صوتها في الشارع وتضم في صفوفها عدداً من قياديّي جبهة التحرير الحاكم، لم تقتنع بمبدأ التمديد ولا بغموض اللجنة المرتقبة التي يتم التحضير لها، لا من حيث مكوّناتها ومدّتها وصلاحيّاتها، ولا عناصر نجاحها. وأبقت على حراكها السلمي قائماً، وبوتيرة أعلى، لأنها على قناعة بأن الطبقة السياسية الحاكمة لم تعد مقبولة وأنها على مسافة من أصحاب الكفاءات والشباب والأيادي النظيفة.
وبلد الأكثر من مليون شهيد في حرب التحرير ضد الإستعمار الفرنسي حتى استقلاله عام 1962، لم يقع في دائرة ما تم تسميته بالربيع العربي، رغم انتفاضة الجارة تونس ضد نظام بن علي، وبقي خارج سياق التدخلات الخارجية وتأثيراتها المباشرة، رغم مساعي اللوبي الصهيوني للإيقاع به. ولم يفلح الصوت التحريضي للكاتب والفيلسوف الفرنسي، مواليد الجزائر برنارهنري ليفي، الملقب بشيطان الثورات في العالم العربي والغربي، في تحقيق هدفه الخبيث الداعي لرؤية ربيع الجزائرخدمة للصهيونية وأطماعها.
الجزائر التي تعتبر أكبر دولة في أفريقيا، والتي أنهت حرباً داخلية مع الإرهاب كلفتها آلاف الضحايا، واستمرت من عام 1991 حتى تولي بو تفليقة الرئاسة عام 1999 ، إضافة إلى أزمات اقتصادية واجتماعية، يدرك شعبها مخاطر التدخلات الخارجية بشؤونها، وما قد ينجم عنه من كوارث مؤلمة، لذا فالمعارضة كما الموالاة أحسنت إغلاق باب التحريض القادم من أنظمة الفتن، والرامي لخروج التظاهرات الشعبية عن مسارها الديمقراطي الهادف إلى تحقيق تغيير حقيقي في النظام السياسي، خدمة لطموحات الشعب وتطلعاته، من دون العبث بأمن واستقرار البلاد.
شعب الجزائر الذي يتسلح بميثاق السلم والمصالحة الوطنية في الإستفتاء الذي صُوّت عليه في أيلول 2005 بموافقة 97,38 بالمئة، من المشاركين بالاستفتاء، كركيزة قوية في حياته اليومية يزداد تمسّكًا به حفاظاً على السلم الأهلي، ومصالحه الوطنية، وسلمية حراكه.
والجزائريون، مقتنعون أن وطنهم، ملكهم جميعًا، وأن صون الإنجازات التي حققها الشعب على مدى السنوات الماضية، من استقرار أمني، وصناعة نامية، وتعليم متطور، وإنتاج مزدهر، أصبحت في عهدة أجياله، بالتوازي مع تضحيات ودماء المناضلين الجزائريين التي روت أرض بلادهم في وجه الإستعمار الفرنسي، لن يُسمح بمسّها أو التفريط فيها.
"لقد تعرض جيلنا للخيانة، لا يزال آخر ممثليهم يتمسكون بالسلطة... لا تتركوا عملاء المتنكرين بملابس ثورية يسيطرون على حركتكم التحررية... لا تتركوهم يسرقون انتصاركم.. لا تتركوهم يفسدون نبل معركتكم "، هكذا عبرت المناضلة الرمز جميلة بوحيرد عن غضب الجماهير، حين شاركت في التظاهرات.
لقد وقفت شعوبنا وأحزابها الوطنية والشيوعية بثبات إلى جانب الشعب الجزائري وتضحياته ضد المحتل الفرنسي، وفي تصديه للإرهاب، وأقامت علاقات طيبة مع قياداته الوطنية المناضلة. واليوم نحن على ثقة بأن وعي الجزائريين، برموزهم النضاليّة، وفي طليعتهم بوحيرد، سيمكّنهم من اجتياز أزمتهم الراهنة بنجاح، ولن يسمحوا لأي قوى خارجية أن تجد للجزائر منفذاً لتعبث بشؤونهم الداخلية وسيبقون على سلمية تحركاتهم، فالشعب مصدر السلطات وحقه في التغيير مشروع لا لبس فيه، ورهانات القوى المتربصة بأمنه وسيادته لن تنال منه، ومن الإنجازات الكبيرة التي حققتها ثورة الجزائر في الداخل على كافة الصعد، وكذلك مواقفها تجاه القضايا العربية وفي طليعتها قضية فلسطين، ورفض التطبيع مع العدو الصهيوني.

# موسومة تحت : :