الأحد، كانون(۱)/ديسمبر 22، 2024

كوريا الديمقراطية نحو نهاية أعوام العزلة

عربي دولي
يوم تم انتخاب الرئيس الصيني شي جين بينغ عام 2013، غاب عن معظم الوسائل الإعلامية خطابه الرئاسي الأوّل الذي تحدث فيه عن رغبته في رؤية كوريا موحّدة. وكان خطابه في عدم رغبته بوجود دولة معادية على حدود الصين منطقيّاً. مع الوقت تبلورت مبادرة "الحزام والطريق" وأصبحت الصين، بهيكلتها الدولية، دولة عظمى فريدة تسعى بشفافية لسياسة الربح من كلا الطرفين الممسكين بالحبل.

بعدها بسنوات، نتج عن فائض القوة حدثٌ كبير في كوريا الجنوبية، انتهى بالرئيسة الكورية، ابنة الديكتاتور العسكري، بالتزحلق من البيت الأزرق (مقر الرئاسة في سيول) إلى السجن، لتصبح توأم الرئيس باك الذي سبقها إلى الزنزانة، بعد أن سبقها بولاية إلى سدة الجمهورية. ينتمي الاثنان إلى الحزب ذاته الذي كان يُسمّى في وقتها "حزب الوطن الجديد"، وهو الحزب الأكثر التصاقاً بواشنطن، والذي عمل على الاقتصاص من كل من حاول الولوج والتودّد إلى قلب أوعقل الأخ الشمالي الشيوعي. وقد أوصلت الانتخابات الرئاسية المبكرة في العاشر من أيار 2017 زعيم الحزب الديمقراطي مون جيه اين إلى سدّة الرئاسة، والذي تعهد "إعادة وصل ما انقطع" مع بيونغ يانغ، وهو ما نجح فيه رئيسٌ سابق للجمهورية من الحزب ذاته، روه مو هيون، الذي كسب ود ورضى الأخ الذي لم يعتبره عدوّاً. وللمفارقة، فضّل هيون الانتحار على الظلم، يوم أوهم حزب "الوطن الجديد" الشعب بأنه كان فاسداً. هو ذاك الرئيس الذي لطالما تهجّم عليه جورج بوش الابن وغوندوليزا رايس وروبرت غايتس، الذين اجتهدوا لوصم حكمه بالأقل شعبية.

أمّا جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية، فقد شكّل فيها وصول كيم جونغ أون إلى سدّة الرئاسة عام 2011 حدثاً بارزاً لشخصه وظروفه، أوّلاً لصغر سنّه، وثانياً لرغبته في إرساء صورة الانفتاح من دون التفريط بوصية وإرث والده وجده، ولطالما أسيء فهمه عن قصد! وصل الزعيم الشاب إلى أعلى مستويات التوتر مع سيول (عاصمة كوريا الجنوبية) يوم دكّت مدفعيّته قرية جنوبية، ونجح، عبر نافذة روسيّة، بإظهار براءة بلاده من اتّهامها بإغراق فرقاطة (نوع من السفن الحربية) تابعة لسيول، لينتهي هذا التوتر، بعد تصعيد كلامي غير مسبوق مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، عبرانعقاد أول لقاء قمّة تاريخي نجح في رسم إطار لصورة جديدة أظهرت زيف الادعاءات السابقة بفقر وعوز بلاده، والتي قادتها مادلين أولبرايت (وزيرة سابقة للخارجية الأميركية). هذا بالإضافة لانعقاد قمة ثانية لم تصل إلى أي نتيجة رغم التقارب الشخصي بين الرئيسين لقلة الثقة بوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو ومعاونه جون بولتون (مستشار الأمن القومي الأميركي).

نجحت كوريا بشطريها يوم تمكنت من عقد قمّة عام 2018 من دون انتظار رضى الغرب. كما أوضحت كل التباس أوجده تحذلق الإعلام الأميركي، لا سيّما في تفسير معنى أن تكون كوريا موحّدة وخالية من السلاح النووي. والعمل جارٍ لانعقاد قمة ثانية قريباً سيسعى خلالها الرئيس مون لتظهير خطة طريق جديدة. لكن حتماً سيسبق القمة الكورية الثانية قمة بين "الرفاق الحلفاء" في روسيا في القريب العاجل جدّاً. هذا بالرغم من أن الدعوة وصلت منذ قرابة العام، يومها كان الاهتمام محصوراً بتهدئة واشنطن واستمالة حلفائها. وبعد ثبوت أن الود لا يفسد في التهجم والافتراء في قضية، قالت كوريا الشمالية ما لديها على الملأ بعد أن قالته جزئيّاً في قمة هانوي، "لا لوائح تفصيلية ولا تسليم إلى واشنطن"، و"لن تكون ليبيا ثانية ينزع سلاحها للانقضاض عليها"، وأن "بومبيو غير مرحب به مهما كانت مهمته وعلا تكليفه لأنه أرعن"، وأن "بولتون غير مرحّب به ولبعد نظره".


يلتقي الرئيس بوتين الزعيم الشاب في الايام القادمة دون لزوم قناع لاعب الوسط، وروسيا ستكون مع الصين أقرب إلى كوريا من اليابان. العديد من الخطوات الملموسة تؤكد سرعة انعقاد تلك القمة في فلاديفوستوك حيث شوهد كبير المستشارين الكوريين يتفحّص محطة القطارات في فلاديفوستوك. وما يزيد على أهمية القمة المنظرأن تعقد في الخامس والعشرين من الشهر الحالي، حصولُها قبيل الاجتماع الدوري الاقتصادي لدول شرق آسيا، ممّا سيسمح بوضع بعض المشاريع الاقتصادية التعاونية الكبرى على سكك التنفيذ ومنها مشروع ربط البلدين بجسر طويل فوق البحر.
يضاف إلى ذلك، أن الزعيم الشاب سيحقّق تقدّماً بالنقاط، بغض النظر عن دعم بوتين له عندما يحقق مزيداّ من الانفتاح والتوسع بعد قمة كورية وأربع قمم صينية، في حين أن ترامب محاصر حتى في تواصله مع حلفائه. ذلك ربما يسمح للرئيس كيم بنسج حلف أو ائتلاف داعم لنهجه في كيفية تخلّيه عن سلاحه النووي لفرضه لاحقاً بحكم الأمر الواقع. كما سيسمح برفع الصورة النمطية حول التصاق كوريا الشمالية بالصين. ومن المرجّح، أن كيم سيطلب من موسكو استراتيجية خاصة جديدة لتوسيع الدعم قبل رفع عقوبات الأمم المتحدة من بوابة حرص الاخيرة "الا ترمي العقوبات المفروضة الى عواقب انسانية سلبية على السكان المدنيين" . والجدير بالذكر أنه تم تسجيل علامة فارقة لهذه القمة وهي التجربة الصاروخية المثيرة قبيل انعقاد القمة، أي أن بيونغ يانغ تجمع أوراقاً جديدة من دون التخلي عن القديمة، ما يؤكّد أنها ليست في عزلة سياسية ولا صورة زعيمها اهتزت بعد هانوي.