اجتياح النفايات: عود على بدء
2015: مواجهة شعبية أجهضت
لنعُد قليلاً إلى الوراء، تحديداً إلى صيف 2015، حيث استفاق اللبنانيون على نفاياتهم تجتاح الشوارع والأحياء وتهدّد صحّتهم وصحّة أطفالهم. تظاهروا وملأوا الشوارع، اعترضوا على نتائج سياسات الفساد والرشاوي والتنفيعات والمكائد والمحاصصات السياسية.
اعترضوا على السرقة والهدر كنهجٍ لحكم يعتمده ممثلو الطوائف في السلطة. غير أنّهم سرعان ما تفرّقوا وأُجهِض حراكهم بالقمع حيناً، وبسياسة فرّق تسُدْ في الحين الآخر. عاد المواطنون إلى بيوتهم محبطين وتفوّقت السلطة على نفسها، بزبائنيّتها، مجدّداً وأقرّت خطة "مؤقتة" أهملت بجميع جوانبها أبسط متطلّبات السلامة الصحية.
اعتمدت السلطة الخطة "المؤقتة" التي اقترحها وزير الزراعة في حينه وليس وزير البيئة في واحدة من عجائب بلاد الأرز التي لا تنتهي. ارتكزت الخطة على إنشاء مطامر "صحية" مؤقتة في خلدة منطقة الكوستابرافا وبرج حمود، واستكمال خطّة تأهيلها.
كما تضمن الموافقة على اعتماد مطمرين صحيّين يتم تحضيرهما "وفق المعايير البيئية" في سرار عكار ومنطقة المصنع. وتضمنّت أيضاً استخدام معمل معالجة النفايات في صيدا لاستقبال جزء من النفايات خلال المرحلة الانتقالية.
أُقيمَت المطامر المفترض لها أن تكون "صحية" فأضحَتْ عشوائيةً تلوّث الهواء ونُسِيَ أمرُ الفرز باستثناء مبادرات بلدية محدودة. أمضينا ثلاث سنوات في نفق الترقيع الذي يظلّل جميع الأشغال في لبنان من الحفر التي تملأ الطرقات إلى كبرى مشاكل البنى التحتية.
وحاليّاً، عادت نفايات زغرتا والضنية لتجد طريقها هذه المرة إلى تربل وسط مواكبة أمنية، من الجيش اللبناني، تهدّد أيّ محاولة اعتراض. ورغم اعتراض الأهالي واشتباكهم مع القوى الأمنية، لم يتُم منع النفايات "المدعومة" من اجتياح البلدة.
تربل: غياب الاستراتيجية وحضور التنفيعات
تكمن المشكلة في الأساس، بحسب رأي الخبير البيئي والأستاذ المحاضر في كلية الزراعة بالجامعة اللبنانية كمال خزعل، في غياب الاستراتيجية والتخطيط لدى الدولة. يشرح خزعل أنّ تربل لديها خزان مائي كبير، كما تجرّ من آبارها مياه الشرب التي تستخدمها مصلحة مياه لبنان لطرابلس لسكان طرابلس. لم تكلّفْ الدولة نفسها عناء النظر إلى الخرائط الجيولوجية التي توضح أماكن المياه الجوفية والموجودة لدى وزارة الطاقة. ويصر خزعل أنّ إنشاء أيّ مطمر يستلزم مراعاة الشروط الصحية، بيجب أن يكون مطمراً للعوادم بالتزامن مع الفرز من المصدر، وهو الأمر الذي تتجاهله عمداً دولة التنفيعات.
يتحرّك الناس بناءً على ردة فعل آنية، بحسب خزعل، وما تلبث أن تفتر همّتهم ويمرّ المشروع كما يُراد له. ويضيف أن "الأهالي لم يتحرّكوا تحت عنوان واحد وهو سلامة بيئتهم وصحتهم، بل كان هناك عنوان آخر إلى جانب هذا الأمر، وهو التحريض الطائفي الذي تمثّل بأنّ نفايات طائفة معينة تُرمى في مناطق طائفة أخرى". وهو ما يأسف خزعل لأجله، قائلاً "الوعي البيئي لهذه الكارثة لا يزال بعيد المنال".
برجا... خطة جامعة للمواجهة
في المقابل تبدو برجا أكثر تصميماً على محاربة خطة مطمر الجية الذي يمتد إلى أطراف برجا. يشير رئيس بلدية برجا ريمون حمية إلى اجتماع عقدته البلدية مع أحزاب وفعاليات البلدة تضمن وضع خطة مواجهة للمطمر، كما جدد رفض البلدة بكل مكوناتها لإنشاء المطمر. وأصدرت منظمة الحزب الشيوعي في برجا بياناً، صدر في العشرين من الشهر الجاري، أكّدت من خلاله على "الرفض القاطع لأيّ مصدر جديد للتلوث في هذه المنطقة التي يمكن تصنيفها بالمنكوبة صحيّاً والموبوءة بيئيّاً". في حين أنّنا لسنا مسؤولين عن إيجاد الحلول لهذه الازمة التي يجب ان تتحملها كل اطراف السلطة الفاسدة التي تستثمر بهذه القضية وتحولها الى مصدر للربح المالي والمحاصصة والسمسرات فيما بينها".
الشويفات: المطمر ومواجهة توسيعه
وجدّدت بلدية الشويفات موقفها برفض توسيع مطمر الكوستابرافا باتجاه أراضي الشويفات على لسان عضو البلدية فارس جريديني لما فيه من مخاطر بيئية وصحية اختبرتها البلدة ولا زالت. وأشار إلى قرارٍ آخر صدر عن البلدية بإيقاف المحارق ضمن نطاق البلدة.
ولكن، ما هي القوة القانونية لقرارات سلطات محلية ضدّ قوى الأمر الواقع وسلطة التعديات والتنفيعات والهدر والفساد وقتل المواطنين. نحن أمام سلطة عاجزة وفاشلة بكل المقاييس وتجّدد فشلها عند كل استحقاق بيئي كان أو اقتصادي أو اجتماعي أو حتى قانوني، بينما يغطّي فشل هذه الطغمة الحاكمة أكثرية شعب تجدد الولاء والطاعة لها كلّ أربع سنوات. اهلا بكم في بلاد الارز.