الإثنين، كانون(۱)/ديسمبر 23، 2024

الأزمة الاقتصادية: هذه مقترحاتهم وتلك بدائلنا

  إ
لبنان
تواصل الأزمة الاقتصادية في لبنان تفاقمها بشكل خطير، وتتوالى يوماً بعد يوم التحذيرات الداخلية والخارجية الموجّهة إلى حكومة تصريف الأعمال من أن اقتصاد البلد وعملته الوطنية أصبحا على حافة الانهيار. وفي المقابل، فإن أطراف السلطة، الذين يتحمّلون المسؤولية الأساسية عن تردّي الأوضاع العامة، ماضون في انغماسهم حتى العظم في التجاذبات والحسابات المصلحية والزبائنية المرتبطة بالتقاسم الفوقي للمناصب الوزارية في الحكومة الجديدة.وإذ يزداد قلق الناس من فداحة الانعكاسات التي سوف ترتّبها هذه الأزمة على ديمومة عملهم ومصادر دخلهم ونظم تقاعدهم ونهاية خدمتهم وما بقي متاحاً لهم من خدمات عامّة، فإن الدوائر الأساسية المتنفّذة داخل السلطة تبدو من جهتها منهمكة داخل غرف مغلقة على الترويج لأنماط من "الحلول" التي تحميها من تداعيات الأزمة وتلقي بهذه الأخيرة بشكل خاص على عاتق الفقراء وذوي الدخل المحدود

ومن أبرز عناوين هذه "الحلول" التي تسعى أطراف السلطة الى فرضها بقوة الأمر الواقع:
أوّلاً، لجهة تكبير حجم الايرادات العامة، من خلال مبادرة هذه الأطراف إلى زيادة كلّ أو معظم أنواع الضرائب غير المباشرة بما فيها خصوصاً الضريبة على القيمة المضافة، فضلاً عن أسعار عدد من الخدمات العامة الأساسية، ولا سيما أسعار المحروقات، الأمر الذي يتهدّد مصالح الغالبية الساحقة من المواطنين والمقيمين.
ثانياً، لجهة خفض النفقات العامة، من خلال مبادرة تلك الأطراف الى "البطش" بنظام تقاعد العاملين في القطاع العام، والتقليص العملي لجزءٍ مهمّ من عطاءات سلسلة الرتب والرواتب، و"ترشيق" حجم القطاع العام والوظيفة العامة.
إن بناء الكتلة الشعبية الجامعة لكلِّ أطياف المتضرّرين من سياسات السلطة ونموذجها الاقتصادي المدمّر، يشكل حجر الأساس لنجاح المواجهة الشعبية وبقدر ما يتمكن الحراك الشعبي من صياغة بدائله لإجراءات سيدرز ولمشروع ماكنزي الذي يشترط تنفيذ مقررات سيدرز بقدر ما ينجح في فضح ما يروّجون له من ان هذه الإجراءات هي إصلاحات في حين أنها تستهدف الفقراء والأجراء.

فإذا كانوا ينوون رفع الضريبة على القيمة المضافة من 11% إلى 15%، فإن الردّ الشعبي على هذا التوجّه يكون في المقابل بطلب تشطير الودائع المصرفية وإخضاع الفوائد على الشطور العليا منها التي تخصّ كبار المودعين (فئة الـ 1% الأغنى) لمعدل ضريبة تصاعدي يصل إلى 15%. وهذا ما يتيح زيادة في الايرادات العامة لا تقلّ عن مليار ونصف مليار دولار تبعاً لفرضيات مختلفة، ومن دون أن تطيح بأساسيات ربحية المودعين.

ويجب أن لا يقتصر الردّ الشعبي على طلب تشطير الضريبة على الفوائد، بل يجب أن يتعدّاه إلى فرض نظام ضريبي تصاعدي على الدخل والأرباح تصل معدلاته على الشطور العليا الى 30%، وهذا ما يؤمّن بدوره إيرادات عامة إضافية تصل إلى نحو مليار إلى مليار ونصف المليار دولار أميركي. كذلك ينبغي على الردّ الشعبي أن يفرض وقف كلّ أشكال الاعفاءات الضريبية التي تتظلّل بها مصالح زبائنية معلنة ومستترة، بما في ذلك الإعفاءات الممنوحة للأوقاف الدينية المختلفة.

وإذا كانوا يحرصون فعلاً، في ظلّ المخاطر الوجودية التي تتهدّد الاقتصاد والدولة والمجتمع، على تعزيز الايرادات العامة، فالحريّ بهم، من باب الأولوية، أن يفرضوا على القطاع المصرفي - الذي زادت رؤوس أمواله الخاصة أكثر من 100 ضعف منذ عام 1993 - اقتطاع جزء من أرباحه السنوية المستمرّة في الارتفاع (بما يشمل ثلث أو نصف الأرباح)، وذلك لفترة تمتد على ثلاث أو خمس سنوات، في انتظار التعافي التدريجي للبلد من الأزمة الكأداء التي تعصف به. ويجب أن يفرضوا على المصارف أن مساهمتها في مواجهة الإنهيار هي واجب وطني لاستمرار عملها.

وإذا كانوا يخطّطون لزيادة أسعار المحروقات، ولا سيما سعر صفيحة البنزين بما يوازي خمسة آلاف ليرة لبنانية، فإن الردّ الشعبي عليهم يكون بضرورة إعطاء الأولوية لتفكيك احتكار استيراد المشتقات البترولية - المدعوم من أطراف أساسية داخل السلطة - إلى جانب الشروع الفوري في وضع خطط تطوير النقل العام موضع التنفيذ، وهي الخطط التي انفقت على دراساتها منذ التسعينيات مبالغ تقدّر بعشرات ملايين الدولارات من دون أن تترجم نتائجها على الأرض.

وإذا كانوا يريدون تخفيض النفقات العامة عبر تسليط سيف التسريح الجماعي لفئات من العاملين في القطاع العام وتقويض نظام التقاعد، فإن الردّ الشعبي يكون بمطالبتهم – أولاً – بوقف الهدر والفساد المُنظّمَين والممأسسين والمجسّدين في تقاسمهم للمناقصات العامة وتجاوزهم الدائم للمؤسسة العامة للمناقصات، وإيغالهم في القفز فوق مجلس الخدمة المدنية عبر التوظيفات الزبائنية وغير المبرّرة اقتصادياً في السلكين المدني والعسكري. كما ينبغي مطالبتهم بإلغاء المجالس، وبضبط التحويلات إلى الجمعيات غير الحكومية، وبخاصة الوهمية منها، وكذلك إعادة بحث أوضاع قطاع التعليم المجّاني وأوضاع العشرات من المؤسسات العامة التي باتت تفتقد مع مرور الزمن إلى غايات وظيفية بنّاءة ومحدّدة.

وإذا كانوا يرغبون في الإطار نفسه، أي في مجال خفض الإنفاق العام، تقليص الفاتورة الصحية التي تقع على عاتق الدولة، فالأولى بهم بدل تقديم المبرّرات لتغطية تراجع دور الدولة في هذا المرفق العام الحيوي، أن يعطوا الأولوية – تحت ضغط الكتلة الشعبية الجامعة - لكسر احتكار الدواء وتأمين مشروع التغطية الصحية الشاملة للبنانيين، الذي يتيح للدولة – عبر التنسيق الممأسس بين وزارة الصحة والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي - أن تفاوض بالجملة شركات الأدوية والمستلزمات الطبية والخدمات الاستشفائية بإسم 4،5 مليون لبناني دفعة واحدة، وتفرض بالتالي عليها شروطها، بدلاً من أن تفاوضها بالمفرّق بإسم نظم تأمينات عامة متعددة ومبعثرة وذات شروط وأنماط عمل وتغطية متفاوتة وأحيانا متباينة.

وإذا كانوا يعملون على تعزيز الانقسامات المذهبية والطائفية بين اللبنانيين، فهناك ضرورة إلى العمل الحثيث لقيام أوسع تكتّل شعبي – قوى وأحزاب ونقابات وشخصيات وجمعيات وتيّارات مدنية وديمقراطية - يتولّى الضغط في الشارع، وأن يشكّل هذا التكتل قيادته المحلية في إطار مجالس سياسية وشعبية تتولّى توجيه وتنظيم هذا الحراك الشعبي على مستوى المركز والمناطق.