الخميس، تشرين(۲)/نوفمبر 14، 2024

جبل الديون مقابل جبل الثروات

  مجلة النداء
متفرقات
"لا يمكن السماح للعملية الديمقراطية في اليونان أن تتدخل في السياسات الاقتصادية المتبعة"، بهذه العبارات بدأ المفاوضون الأوروبيون اجتماعهم مع وزير مالية اليونان بعد الانتخابات التي نتج عنها فوز اليسار الراديكالي في هذا البلد.


ماذا يعني هذا الكلام؟ ببساطة، لقد اختاركم الشعب على المستوى السياسي، ولكن على المستوى الاقتصادي لا يوجد ديمقراطية، نحن، أي الدائنين وأصحاب الثروات والشركات الكبيرة من نتحكّم في هذا المجال، وممنوع عليكم تغيير هذا الواقع. وفعلاً هذا ما حصل لاحقاً في اليونان، استقال هذا الوزير لرفضه شروط الدائنين، أما الحكومة المنتخبة ديمقراطياً، خضعت لإملاءات الدائنين وغيّرت من خطها الذي انتخبت على أساسه.
في ندوة للوزير نفسه (Yanis Varoufakis) بعنوان "الرأسمالية ستأكل الديمقراطية"، يروي بعضاً من تجربته في الوزارة، ويضيف وجهة نظره حول الرأسمالية والديمقراطية، معتبراً أن الرأسمالية لم تكن يوماً مع الديمقراطية الحقيقية، ومن الخطأ اعتبار الثانية نتاج للأولى. كما يشرح كيف أن فصل المجال السياسي عن الاقتصادي، وحصر "الديمقراطية" الليبرالية في المجال السياسي، أدّى إلى سيطرة المجال الاقتصادي على السياسي، وبالتالي أصبح من الطبيعي أن نرى حكومات ووزراء ليس لهم أي سلطة، بل السلطة الفعلية هي في يد الدائنين وأصحاب الثروات.
هل يذكّركم هذا الكلام ببلدٍ ما؟ حسناً، دعوننا نكمل السرد لكي لا ندع أيَ شكٍ للتأويل حول هوية البلد الذي تنطبق عليه هذه الصفات. يتحدث Varoufakis عن مقاربة لموضوعة الديون والثروات، ففي هكذا حالات، يتكّون (جبلان متوازيان)، جبل يمكن رؤيته بسهولة من قِبل عامة الناس، لا بل يتم الإضاءة عليه دائماً من قبل الحكومات لا من أجل تخفيض حجمه، بل من أجل زيادة هذا الحجم، هذا الجبل هو "جبل الديون". وفي مقابل هذا الجبل هناك آخر، متكوّن بمعظمه على حساب الأول، وهو "جبل الثروات" أو الأموال "الكاش" التي يملكها الأغنياء، ولا يقوون في استثمارها أبداً في الاقتصاد الحقيقي، حيث أن (الجبلان هذان) متساوييْ الأحجام إلى حدٍّ ما، الأول سالب لمن يمثّل والثاني موجب للفئة الأخرى. وفي حال تم استثمار هذه الأموال، لكانت العديد من المشاكل قد تم حلها، ولكن طبعاً ليس كلها، لأن السبب الرئيسي يبقى في النظام نفسه، الذي بهكذا آليات "يصنع حفّاري قبوره".
أعتقد أن الجميع يعلم أننا نستشهد بكلام Varoufakis للتدليل على الحالة اللبنانية. وبإضافة مجموعة صغيرة من الأرقام يمكن أن تتضح الصورة أكثر. حجم الدين العام سنة 2018 لامس الـ 100 مليار دولار (جبل الديون)، وحجم الثروات في لبنان في نفس العام لامس 140 مليار دولار (جبل الثروات)، 10 % من اللبنانيين يملكون ما يقارب الـ 70% من هذه الثروات، أي ما يقارب 98 مليار دولار. قارنوا حجم "جبل الديون" مع ثروات الـ 10%، لتعلموا من نهب المال العام.