مضى على عودة العميل عامر الفاخوري الوقحة، عبر مطار بيروت الدولي، أكثر من شهرين. وكشفت هذه العودة أنّ هناك جهات نافذة داخل أجهزة الدولة ومؤسساتها مهّدت له الطريق لعودة آمنة مطمئنة، وهو العميل الخائن للوطن لصالح العدو الصهيوني، والمعروف بجزّار معتقل الخيام لما ارتكبه من جرائم موصوفة بحقّ أبناء الوطن ممّن دخلوا إلى المعتقل بتهمة ممارسة حقهم الطبيعي بمواجهة قوات الاحتلال وعملائه. فكيف لهذا المجرم الذي يدرك جسامة ما ارتكبه خلال مدّة تعامله الطويلة مع الاحتلال أنْ يطمئنَّ لعودته بهذه السهولة لو لم يكن هناك من جهات تمتلك قراراً قويّاً داخل مؤسسات الدولة الأمنية والقضائية؟!
فمن هي تلك الجهات؟ وهل ما قامت به يُصنّف في خانة الجهل والخطأ؟ أم أنّها جزءٌ من مشروع الخيانة الأخطر داخل جسم الدولة؟
هذا السؤال سنبقيه بِرسم الرجال الوطنيين الذين يحظون بثقتنا كأسرى محرّرين وكأحرار في هذا الوطن، مدركينَ أنّ معركتنا مع العدو الصهيوني ما زالت طويلة ولم تنتهِ بعد.
بيّنت المعلومات التي كشفتها الأشهر القليلة الماضية أنّ الفاخوري هو العميل رقم 203 من عدد العملاء الذين عادوا بنفس الطريقة إلى لبنان، من دون أن يتعرّض لأي مساءلة أو متابعة إلّا عددٌ قليل منهم. وتبيّن بعد توقيف الفاخوري أنهم تواروا عن الأنظار، أو أنّهم غادروا البلاد مجدّداً خوفاً من أن يلحقهم ما لحق بالعميل الفاخوري، كونهم شركاء فعليين في جرائمه.
وعلى الرغم من الدور الاستثنائي الذي لعبه أحد عناصر الأمن العام في المطار بيقظته الوطنية لكشف عودة جزار الخيام، إلّا أنّ عوامل أخرى ساهمت على ما يبدو وسهّلت توقيف الفاخوري وانكشاف أمره، بخلاف العملاء الـ 202 الآخرين. ومن هذه العوامل أنّ الفاخوري، الذي يحمل جواز سفر إسرائيلي، كان يحاول تجديد جواز سفره اللبناني من السفارة اللبنانية في واشنطن، وعندما تأخر الردّ عليه، تواقح ربما وبزلّة لسانٍ أو عجرفة معروفاً بها، أنّه لن يحتاج إلى جواز سفر لبناني لأنّه خلال عام من ذلك التاريخ سيكون بحوزته جواز سفر أميركي سيخوّله دخول لبنان دون أي عائق. وقد شكّل تسجيل هذه المعلومة من قبل العين الساهرة لدى الأمن العام إلى جانب اسم الفاخوري المُسقط أصلاً من البرقية 303 الخاصة بمتابعة العملاء طرف الخيط الذي أوقعه في شباك القضاء اللبناني، العسكري والمدني، بعد أن تقدّم عدد من الأسرى المحررين وعبر لجنة من المحامين بدعاوٍ شخصية ضد الفاخوري، وقدّموا شهاداتٍ حية عن معاناتهم وآلامهم الجسدية والنفسية من جرّاء ممارساته الوحشية تجاههم بصفته المسؤول الأول عن قسم الحراسات في معتقل الخيام، قبل إغلاقه واندحار قوات الاحتلال الصهيوني عن الجنوب عام 2000، ومسؤوليته المباشرة عن تعذيب وإخفاء العديد من المقاومين الأسرى وعلى رأسهم الأسير علي حمزة الذي ما زالت آثاره مجهولة حتى الآن.
إنّ تسليم ملف العميل الفاخوري للقضاء اللبناني من قبل الأسرى المحررين وهيئة ممثليهم، وتحرّكاتهم أمام قصر العدل، والمحكمة العسكرية في بيروت ومناطق أخرى، يأتي ضمن قناعاتهم التزام القانون والقضاء العادل المنتظر منه إنصافهم وأخذ حقهم ممّن عذّبهم ونكّل بهم وبعائلاتهم، واستخدم أقذر الأدوات غير الإنسانية ضدهم كأسرى مقاومين لإيذائهم ماديّاً ومعنويّاً.
إلّا أنّ شكوكاً كبيرة بدأت تحوم حول جدّية القضاء واستقلاليته في متابعة هذا الملف والوصول إلى خواتيمه بالسرعة اللازمة، لا سيّما بعد تكرار عمليات التأجيل لجلسات التحقيق التي كانت مُقرّرة للعميل الفاخوري في قصر عدل النبطية، حيث قدّم عدد من الأسرى المحررين وعلى رأسهم المناضلة سهى بشارة دعاوى خاصة بحق الفاخوري.
وقد عبّر الأسرى المحررون في أكثر من تجمع أقاموه أمام قصر عدل النبطية، عن قلقهم من الطريقة غير المسؤولة لتعاطي القضاء مع هذا الملف، والمماطلة فيه، والأخذ بأسباب تمارض الفاخوري لتأجيل إحضاره أكثر من مرة مخْفوراً إلى المحكمة من دون الأخذ بعين الاعتبار مساحة الألم المختزَنة في أجساد وأرواح هؤلاء المعذبين على أيدي جزار الخيام، وثقل الزمن المنتظر منذ فترة طويلة الذي سيُحقّق لهم شيئاً من العدل، واستعادة الكرامة، وتحصين وطنهم من لوثة العمالة وقطع دابرها.
إنّ تخوّف الأسرى وقلقهم يعزّزه معرفتهم الأكيدة بحجم الضغط الذي يمارس على القضاء داخليّاً وخارجيّاً، والمحاولات المتكرّرة لاستلابه دوره ومكانته لمصالح سياسية وحسابات بعيدة كل البعد عن الحق والمصلحة الوطنية. كما أنّ الأحكام السابقة الشكلية في معظمها بحق العملاء والتساهل الكبير معهم، يدفع الأسرى المحررين وإلى جانبهم أحرار هذا الوطن ومقاوميه للبقاء على أهبة الاستعداد من أجل أن يأخذ القضاء مجره وبالسرعة الممكنة للاقتصاص من هذا الجزاء وأمثاله، وإنزال حكم الإعدام الذي يستحقه بعد كل الجرائم التي ارتكبها، وضمان عدم التدخل المشبوه في هذا الملف لا سيّما من السفارة الأميركية، محذّرين من أنهم لن يقفوا مكتوفي الأيدي تجاه أي جهة تحاول الاستهتار بآلامهم وجراحهم ودماء المقاومين الشهداء الذين سقطوا على أيدي الجلادين العملاء وعلى رأسهم الفاخوري، ومؤكدّين أنّ الثقة الممنوحة للقضاء اليوم هي على المحك، لا سيّما في زمن انتفاضة الشعب اللبناني الذي يطالب بالتغيير الجدي بطبيعة النظام، ومحاربة الفاسدين قي مؤسسات الدولة، وبناء قضاء نزيه مستقل يكون الفصل بين العدل والظلم، ويعيد الاطمئنان لكل صاحب حق في بلدنا. آملين أن يكون الموعد الثالث الذي حُدّد في الخامس من كانون الأول المقبل هو الموعد الأخير لبدء المحاكمة الحقيقية لهذا الخائن.
إن نزول معظم الأسرى المحررين للشارع إلى جانب أبناء شعبهم المنتفض لرفع الصوت وانتزاع الحقوق والمطالب المرفوعة، يثبت استعدادهم الكامل، مرة أخرى، لاستكمال عملية التحرّر الوطني ومقاومة الاحتلال التي كانوا من صُنّاعها، بعملية التحرر الديمقراطي والاجتماعي على المستوى الوطني.