حنا غريب في ذكرى اليوم الوطني الفرنسي: أطلقوا سراح جورج عبدالله
تحل ذكرى اليوم الوطني الفرنسي في الرابع عشر من تموز لتذكر العالم بالمعنى التاريخي لانتصار الثورة الديمقراطية الشعبية الفرنسية التي أدت إلى انتصار الجمهورية على الملكية والإقطاع عام 1789، والتي تجلت مبادئها في "إعلان حقوق الإنسان والمواطن" الصادر بعد أيام قليلة على اقتحام سجن الباستيل الشهير الذي شهد فصول طويلة من القمع والترهيب والإعدامات.
تحل هذه الذكرى اليوم وتحتفل بها الجمهورية الفرنسية لتؤكد من جديد على انتصارها لمبادئ الثورة في الحرية والمساواة والأخوة، فتحيي مراسيم احتفالاتها في المدن الفرنسية وفي سفاراتها حول العالم، لكن الحكومة الفرنسية تغفل عن تطبيق مبادئ تلك الثورة على منطقة "لانميزان" Lannemezan حيث يمضي جورج ابراهيم عبدالله عامه الثاني والثلاثين في السجن رغم أنه استوفى شروط الإفراج عنه منذ سبعة عشر عاماً، ورغم أن محكمة مقاطعة "بو" Pau قد أمرت بإطلاق سراحه قبل استئناف قرارها منذ ثلاثة عشر عاماً، ورغم أن الحكم والاستئناف معاً وصلا إلى قرار الإفراج والترحيل إلى لبنان قبل ثلاثة أعوام، إلا أن تدخل وزارة العدل وتواطؤ وزارة الداخلية عبر إصدار قرار سياسي ظالم بعدم الترحيل خلافاً لكل القرارات القضائية والقوانين الفرنسية والمبادئ التي بشرت بها ثورة الرابع عشر من تموز بالعدل والحرية أعاد القضية إلى نقطة الصفر.
لقد نصت المادة السابعة من "إعلان حقوق الإنسان والمواطن" الذي أعلنته الثورة التي تحتفلون بذكراها أنه "لا يمكن اتهام أو اعتقال أو احتجاز أي إنسان إلا في الحالات التي حددها القانون وبحسب الآليات التي حددها. أما أولئك الذين يقومون أو يتسببون أو يحثون على الأوامر الاعتباطية، فيجب أن يحاكموا...".
لقد أصبحت قضية جورج ابراهيم عبدالله قضية اعتقال تعسفي لرجل أمضى كل ما يطلبه منه القانون ونفذ كل الأحكام القضائية الصادرة بحقه، فيما قرر أهل السلطة احتجاز حريته وحكموا عليه دون مسوغ قانوني بالبقاء خلف قضبان الزنزانة ودون حد زمني ما يعني عملياً حكماً بالإعدام البطيء حتى انتهاء حياته. لقد صار احتجاز جورج ابراهيم عبدالله أمراً اعتباطياً شديد الوضوح وشديد المظلومية وهذا ما تتحمل مسؤوليته الحكومة الفرنسية.
نطالب الحكومة الفرنسية اليوم بأن تلتزم بقوانينها وبإعلانات ومبادئ الثورة، وأن توقف الظلم التعسفي المستمر بحق جورج عبدالله الذي يدخل عامه الخامس والستين ولا تظهر أي آفاق أو سبل لتحقيق حريته بعد انقضاء كل المحكوميات. لقد لوثت السلطة الفرنسية صورة مبادئ الثورة فصارت صورةً قاتمةً ملؤها الحقد والتشفي والظلم، لذلك لن تستقيم القيم والمثل إلا بتحقيق الحرية الآن وتعويض جورج معنوياً عما خسره من سنوات عمره ضحيةً لامتناع الإدارة الفرنسية عن تطبيق القانون وإعادة الاعتبار له.
أما حكومتنا اللبنانية التي تبنت هذه القضية تحت ضغط المعتصمين وشكلت لجنة وزارية لمتابعتها عام 2013 بناءاً على اقتراح وزير الداخلية في حينه، فقد تخلت عن كامل مسؤولياتها منذ ذلك الحين ولم تبادر لجنتها إلى أي فعل حقيقي. ورغم وعود رئيس الحكومة عام 2012 ببحث الموضوع مع الرئاسة الفرنسية إلا أن كل الكلام ذهب مع الريح. وبعد أن هنأ وزير الخارجية اللبنانيين بإطلاق سراح جورج عبدالله عام 2013 نتيجة صدور الحكم القضائي في حينه، توقف عن المتابعة الجدية إثر رفض الداخلية الفرنسية تطبيق قرار الترحيل. اليوم نقول لرئيس الحكومة ووزراء الخارجية والداخلية ولكل الوزراء أن هذه القضية هي قضية وطنية توجد فيها قرارات والتزامات سابقة ينبغي متابعتها بشكل طارئ ككل قضايا المخطوفين اللبنانيين، ونود أن نذكرهم بأن اللجنة التابعة للأمم المتحدة والمعنية بقضايا الاعتقال التعسفي تحت إشراف مساعد الأمين العام للأمم المتحدة قد وثقت في سجلاتها رسمياً قضية جورج عبدالله مع المعتقلين إدارياً وتعسفاً إثر شكوى قدمها مناضلون لبنانيون، فماذا هم ينتظرون للمبادرة والمتابعة الحثيثة حتى تحقيق الحرية؟
إن الحفاظ على مبادئ الثورة الديمقراطية الفرنسية التي تحتفلون بها اليوم لا يكون بالتراجع أمام الضغوط ٍ الأميركية أو الاسرائيلية، وأعلى شأناً من مصالح سياسية أو انتخابية، وهو ما أبدت القيادة الفرنسية كل الفشل في الحفاظ عليه، وضربت عرض الحائط صميم هذه المبادئ حيث ترتكب اليوم بحق جورج عبدالله ما مارسه جلادو الباستيل بحق أبناء الشعب الفرنسي.
فلتكن مناسبة اليوم الوطني الفرنسي مناسبة للحرية والعدالة والمساواة، مناسبة لإطلاق سراح جورج ابراهيم عبدالله فوراً دون أي تأخير .
بيروت - لبنان
14 تموز 2016