الأحد، كانون(۱)/ديسمبر 22، 2024

مهدي عامل بين الأمس واليوم

رأي
"إن نمط الإنتاج الرأسمالي يميل، في قانون تطوره العام، نحو القضاء على علاقات الإنتاج السابقة عليه، بفعل آلية إعادة إنتاج رأس المال المتوسعة التي تحدّد تطوّره، بالضرورة، كتطوّر امبريالي، فإن هذا النمط منه الإنتاج الكولونيالي يميل، بالعكس، في قانون تطوره العام، نحو الإبقاء على علاقات إنتاج ما قبل الرأسمالية المتعايشة معه في خضوعها لسيطرته، بفعل تطوره في علاقة تبعيته البنيوية بالإمبريالية".مهدي عامل 1980

تحيّة إلى مهدي عامل، تحيّة إلى من وضع حركة التحرّر الوطني في صلب النظرية العلمية، الماركسية تحديداً.

إنّ التوسع اللّامحدود حاجةٌ لنظام الإنتاج الرأسمالي ويتحقق عبر العلاقة بين البنية الامبريالية المسيطرة (المركز) والبنية الكولونيالية التابعة (الأطراف). والرأسمالية في الدول المحدودة التوسع لا يمكن أن تكون إلّا رأسمالية كولونيالية تابعة، حيث أنّ من شأن هذه المحدوديّة أن تمنع قوى الانتاج من التطور وبالتالي تبقي على علاقات الانتاج القديمة بأشكالها المختلفة السياسية، الاجتماعية والقانونية، وتعيد بذلك إنتاج "التخلف" كما يقول مهدي: "ليست الكولونيالية سبباً لـ"التخلف" لأنها سابقة له زمانيّاً، بل لأنّ لها معه ارتباطاً بنيويّاً يجعلها تسبّبه، أي تنتجه باستمرار بحركة صيرورتها بالذات".

إن تحررالبلدان الكولونيالية من التبعية للامبريالية لا يمكن أن يحصل إلّا بالخروج من نظام الانتاج الرأسمالي إلى النظام الاشتراكي، لأن الرأسمالية في دول الأطراف لا يمكن أن تكون إلّا كولونيالية تابعة.

إنّ لدى الأحزاب الشيوعية في هذه البلدان مهمّة أساسية، هي قيادة حركة التحررالوطني، لذلك يجب أن تكون أحزاب الطبقة العاملة في نهجها السياسي دون أن تكون بالضرورة كذلك في تكوينها الطبقي.

عندما صاغ مهدي فكره ونظريّته السياسية في سبعينيّات وثمانينيّات القرن الماضي كان يقول: "هذا العصر هو عصر الانتقال إلى الاشتراكية". وشكّل دون شك صعود الاشتراكية والأمل الذي أعطته للبشرية ودعم الاتحاد السوفياتي اللامحدود لحركات التحرّر في العالم خلفيةً وسنداً هامين لواقعية هذا الطرح. لكنّه استشهد عشية سقوط الاتحاد السوفياتي ودخول العالم في مرحلة الليبرالية المتوحشة وحقبة هيمنة القطب الواحد.

ما هو الثابت وما هو المتغيّر في طرح مهدي عامل؟
الثابت هوالعلم والمتغير هو العلم. الثابت هو النظرية العلمية في إحاطتها لواقعنا السياسي والاجتماعي والحاجة إلى حركة تحرّر وطنية تكسر التبعية للامبريالية وتؤسّس لنظام إنتاج اشتراكي. والمتغيّر هو أيضاً علميّ بامتياز، وهو الأخذ بعين الاعتبار الزمان، ما بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، وما بعد سقوط هيمنة القطب الواحد وبروز قوى اقتصادية (غير امبريالية) صاعدة في العالم.
إن التأسيس الفكري المبني على أدوات النظرية العلمية وعلى الثابت في طروحات مهدي عامل، هو ضروري للمرحلة المقبلة وفي المواجهة المفتوحة مع الإمبريالية وأدواتها في المنطقة. أمّا من أجل الحفاظ على واقعية الطرح وفاعليته، يجب حتماً أخذ المتغيّر في عين الإعتبار من أجل بناء حركة تحرّر وطنيّ تأخذ في الحسبان القوى الاقتصادية الصاعدة وتبني معها.