في مسألة الطبقة الاجتماعية والعِرق
لا يمكن فصل تركيبة اجتماعية عنصرية عن التطور الاقتصادي الرأسمالي، في حين أن هذه التركيبة تكون غير متأصّلة في الوضع الكولونيالي، لأنّ مسألة العِرق مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالاستغلال الطبقي؛ ففي تركيبة سلطة عنصرية-رأسمالية يكون الاستغلال الرأسمالي والقمع العِرقي متلازميْن؛ وإلغاء الاستغلال يضمن إلغاء القمع.
أصبح الصراع العرقي في العالم الحديث جزءاً من الصراع الطبقي. وبعبارة أخرى، أينما وجدت مسألة عرقية فهي الآن مرتبطة بالصراع الطبقي.
أدّت آثار التصنيع في إفريقيا وفي مناطق أخرى من العالم إلى تعزيز نمو البورجوازية ونمو طبقة كادحة واعية سياسيّاً، في نفس الوقت. إن اكتساب الملكية والسلطة السياسية من قبل البرجوازية وتزايد الطموحات الاشتراكية والقومية الإفريقية للطبقة العاملة يضربان جذور التركيبة الطبقية العنصرية، بالرغم من أنّ كل طرف يرمي إلى بلوغ أهداف مختلفة. فالبرجوازية تؤيد التطور الرأسمالي بينما تسعى الطبقة الكادحة -الطبقة المستَغلَّة- إلى تحقيق الاشتراكية.
تمثّل البورجوازية خُمس السكان في جنوب إفريقيا التي تُعتَبر فيها الطبقة الاجتماعية ولون البشرة أساس العلاقات الإثنية. ومع اتحاد البريطانيين والبور (1) للحفاظ على مكاناتهم الامتيزاية، قسّموا ما تبقى من أربعة أخماس السكان إلى "سود"، "ملوّنين" و"هنود". إنّ الملّونين والهنود هم أقليات تعمل كحواجز لحماية أقلية البيض من الأغلبية المتكوّنة من السود وهي الأغلبية المناضلة والثورية بشكل متزايد. وفي أرجاء الاستيطان الأخرى في إفريقيا، يتم خوض صراع طبقي-عرقي مشابه.
لا يمكن تحقيق مجتمع لاعنصري إلا بواسطة العمل الاشتراكي الثوري للجماهير. لن يكون مجتمعٌ كهذا عبارةً عن هدية تمنحها طبقة الأقلية الحاكمة لأنه من المستحيل فصل العلاقات العرقية عن العلاقات الطبقية الرأسمالية التي تضرب جذورها فيها.
يمثّل جنوب إفرقيا مرة أخرى مثالاً نموذجيّاً. ففي السنوات الأولى من الاستيطان الهولندي (2)، لم يكن التمييز قائماً بين السود والبيض، وإنما كان بين المسيحيين والوثنيين. ولم تظهر علاقة سيّد-خادم إلا مع التوغل الاقتصادي الرأسمالي وما رافقه من عنصرية، من حكمٍ مسبق على لون البشرة ومن تمييزٍ عنصري. والتمييز العنصري هو المنظومة والسياسة الأكثر لا تسامحاً وظلماً ضمن السياسات و"المنظومات" العرقية-الطبقية التي تولّدت من المجتمع البرجوازي الرأسمالي الأبيض. فثمانون في المئة من سكان جنوب إفريقيا ليسوا ببيض وليس لهم الحق في التصويت أو هم محرومون من الحقوق السياسية.
كانت العبودية وعلاقة سيد-خادم إذًا هما سبب العنصرية بدلاً من نتيجتها. واتخذت هذه المكانة شكلاً محّدداً وتعزّزت باكتشاف الذهب والألماس في جنوب إفريقيا واستخدام يد عاملة إفريقية رخيصة في المناجم. ومع مرور الوقت تمّ تطوير ونشر خرافة الدونية العرقية لأن تبرير الاستغلال والقمع كان أمراً ضروريّاً.
في عصر الاستعمار الجديد، لا يتم نسب "التخلف" إلى الاستغلال وإنما يتم نسبه إلى الدونية. وتبقى نغمات خفيفة عنصرية تتداخل مباشرة مع الصراع الطبقي.
إنّ إنهاء الرأسمالية والاستعمار والامبريالية والاستعمار الجديد وبلوغ الشيوعية العالمية وحدهما كفيلان بتهيئة الظروف التي تمكّن من إلغاء المسألة العرقية والقضاء عليها نهائيّاً.
مصدر النص: كتاب كوامي نكروما «Class struggle in Africa, Panaf Books Ltd, London, and International Publishers Co., Inc., New York, 1970»
ملاحظات وسيرة ذاتية لنكروما من إعداد المترجم محمد وليد قرين (كاتب قصص وأستاذ في الترجمة في جامعة الجزائر):
(1) البور Boers: هو اسم المستوطنيين الاستعماريين الهولنديين في جنوب إفريقيا خلال احتلالهم للبلد. عانت جنوب إفريقيا من استعمار مزدوج، هولندي أوّلاً ثم بريطاني في مطلع القرن الـتاسع عشر.
(2) بدأ الاستعمار الهولندي في جنوب إفريقيا في القرن 17 ميلادي.
• كْوامي نْكرُوما (1909-1972): فيلسوف ورجل سياسي وقائد وطني ثوري غاني. قاد الحركة القومية التحررية الغانية لانتزاع الاستقلال من الاستعمار البريطاني وهو مؤسس الحزب الغاني الاستقلالي Convention People’s Party (حزب التجمع الشعبي). كان نكروما من بين المشاركين البارزين في مؤتمر باندونغ الأفريقي الآسيوي سنة 1955 والذي شاركت فيه بالمناسبة بعثة جبهة التحرير الوطني. يعدّ نكروما أول وزير أول لجمهورية غانا عند استقلالها من بريطانيا سنة ، ثم أول رئيس لها سنة 1960. دعّمت الدولة الغانية بزعامة نكروما حركات التحرر الوطنية في إفريقيا وكان نكروما من بين أهم الزعماء الإفريقيين الداعمين لثورتنا الوطنية التحررية (الثورة الجزائرية). عمل نكروما في مؤلفاته على تثمين ثقافة المقاومة والنضال وتحطيم الرواية الاستعمارية الأوروبية لتاريخ الشعوب الإفريقية، كما حلّل آليات وخبايا الاستعمار الجديد في إفريقيا (ومنه الاستعمار الثقافي). ويمكننا القول أن أعمال نكروما تمثل أدوات فكرية هامة لتحرير العقل من الإيديولوجيا الكولونيالية. ينتمي كوامي نكروما رفقة الجزائري فرانز فانون وأميلكار كابرال (غينيا بيساو) والمغربي مهدي بن بركة إلى أبرز المفكرين الثوريين في تاريخ القارة الإفريقية.
• من بين أبرز أعمال كوامي نكروما، نذكر:
- Towards colonial freedom (1945) (نحو تحرر المستعمرات)
- I speak of freedom (1961) (أتحدث عن الحرية)
- Africa must unite (1963) (إفريقيا يجب أن تتّحد)
- Neo-colonialism, the last stage of imperialism (1965) (الاستعمار الجديد هو أعلى مراحل الامبريالية)
- Class struggle in Africa (1970) (الصراع الطبقي في إفريقيا)