السبت، تموز/يوليو 19، 2025

تعميم سياسي حول أبرز المستجدات السياسية في إطار زيارة المبعوث الأميركي توم برّاك إلى لبنان

  المكتب السياسي للحزب الشيوعي اللبناني
بيانات
  بحث المكتب السياسي للحزب الشيوعي اللبناني المستجدات السياسية في لبنان والمنطقة في سياق زيارة المبعوث الأميركي توم برّاك ، وأصدر التعميمً السياسيً المتضمن عرضاً لأبرز التطورات، وتحليلاً لتداعياتها ومخاطرها وموقف الحزب منها.

أولًا: خلفيات الزيارة وأهدافها

تشكّل زيارة توم برّاك الى لبنان، بصفته ممثلا للرئيس الأميركي دونالد ترامب، وكبديل عن المبعوثة السابقة أورتيغوس، محطة مفصلية خطيرة على طريق تنفيذ المشروع الأميركي - الصهيوني في المنطقة، حيث ستتوالى زياراته المكوكية بهدف تحقيق إنجاز سياسي سريع لرئيسه في لبنان وسوريا وفق مشروع الشرق الأوسط الجديد.

إن اختيار برّاك لا يعكس استمرار الضغط الأميركي على لبنان وسوريا بوصفهما الدولتين الوحيدتين على حدود فلسطين المحتلة اللتين لم توقّعا اتفاقيات تطبيع فحسب، بل كما يتبيّن هو لتصعيد العدوانوالدفع بخيار التقسيم ورسم خرائط جديدة كمقدمة للتطبيع عبر الاحتلال والضم والالحاق وخلق الفتن الطائفية والمذهبية في البلدين وما بينهما، من أجل: تقسيم سوريا وتسريع توقيع اتفاق التطبيع السوري – "إلأسرائيلي"، وحسم موضوع تسليم سلاح حزب الله في لبنان والتحكم بتحديد موقع تركيا دورا ونفوذا في سوريا والاقليم .  وهذا الضغط المتزايد يعكس حاجة ترامب الملحة لتحقيق إنجازات سريعة بعد ان تبين له ان ملفات التفاوض الأخرى ( ايران – أوكرانيا - غزة) دونها عقبات قد يصعب تجاوزها بالسرعة المطلوبة كما كان يتعهد ويرغب في سياق جهوده الشخصية لنيل جائزة نوبل للسلام.

ثانيًا: ورقة برّاك إلى الحكومة اللبنانية

قبل الخوض في مضمون الورقة، لا بد من التوقف عند الاستخفاف الذي تعاملت به السلطة مع الشعب اللبناني، حيث لم تعرض الورقة لا على الحكومة ولا على مجلس النواب ولم يُنشر مضمونها رسميًا، كما لم يُكشف عن الردّ عليها، رغم أن الشعب هو من يدفع ثمن القرارات والتسويات. خصوصًا أن ما عُرف عن المفاوضات اقتصر على تسريبات وتحليلات إعلامية، بعضها قد يُعوّل عليه، وبعضها الآخر لا يُعتدّ به.

جاءت ورقة برّاك بما تضمنته من طلب أجوبة واضحة من الحكومة اللبنانية حول قرارها بنزع سلاح حزب الله وفق رزنامة زمنية محددة بهدف :

- وضع آلية بديلة عن الحوار الدائر بين رئيس الجمهورية وحزب الله حول الموضوع ما اعتبره الأميركي عملية كسب وقت من جانب حزب الله في حين أجندة ترامب تتناقض مع ذلك. - تحقيق استثمار سياسي على الساحة اللبنانية بعد العدوان على ايران وإعلان الانتصار عليها وان الفرصة أصبحت مؤاتية لذلك. - طرح الملفات العالقة بين لبنان وسوريا (ترسيم الحدود البرية والبحرية – النازحين السوريين في لبنان – الموقوفين السوريين – الودائع السورية في لبنان) ، بما يخدم ويمهد الطريق لتوقيع اتفاقيات التطبيع مع العدو الإسرائيلي بدءا من سوريا وصولا الى السعودية وعمان ولبنان،

ثالثًا: الظروف السياسية التي سبقت الزيارة

على الصعيد السياسي:

- قرار سعد الحريري باقفال مكاتبه في بيروت وصرف العاملين فيها، بما يؤشر الى تحييد تيار المستقبل عما قد يحدث، وقد يكون للقرار له بعده الاستراتيجي بانتهاء دوره السياسي بالكامل.

 

- زيارة يزيد من فرحان الى لبنان واجتماع الخماسية في السفارة الأميركية لتمهيد الأجواء والضغط على الحكومة اللبنانية لأقرار آلية لتسليم سلاح حزب الله. - زيارة المفتي دريان الى سوريا ولقائه الشرع والتي كان للسعودية دور أساسي في ترتيبها لتمهيد الأجواء وتنسيق المواقف وتوحيدها داخل الطائفة السنية لما يحضّر من مشاريع للبنان وسوريا والمنطقة. - زيادة الضغوط المالية على حزب الله من خلال فرض عقوبات على سبعة مسؤولين أساسيين في القرض الحسن وتوقف حزب الله عن تسديد الدفعة الأخيرة من التعويضات على الترميم لعدم توفّر الأموال، ومن ثمّ حظر مصرف لبنان التعامل مع مؤسسة القرض الحسن من قبل المصارف والمؤسسات المالية، استجابةً لطلبات أميركية.

على الصعيد الأمني:

- استمرار الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان وتصاعد وتيرة الاغتيالات على عناصر حزب الله وحماس والحرس الثوري الايراني وفي كل المناطق اللبنانية. - خلق الانقسامات والصدامات ذات الطابع الطائفي التي تتمدد في المحافظات السورية من اللاذقية الى حمص ودمشق وآلتي وصلت الى ذروتها في السويداء   و قامت على اثرها تحركات شعبية احتجاجية ومواقف سياسية مولّدة المزيد من المخاوف ومن توسيع رقعة الاقتتال والتفجيرات الامنية التي قد يكون لها انعكاساتها السلبية على الوضع في لبنان.

رابعًا: الرد اللبناني على الورقة

- لم يكن هناك من رد من قبل الحكومة اللبنانية كما طلبت ورقة برّاك، بل اقتصر الرد على ورقة موحّدة من قبل الرؤساء الثلاث عون – بري – سلام . لقد تضمن  الرد مجموعة أفكار تتمحور حول التمرحل والتزامن بتنفيذ إسرائيل للاتفاق الأول مع  تسليم السلاح وتنفيذ الإصلاحات . - موقف حزب الله:  جاء الموقف المعلن إعلامياُ على لسان امينه العام لجهة أولوية تنفيذ الاتفاق الأول قبل الشروع باجراء اتفاق جديد  ( الانسحاب – الاعمار  - العودة – الضمانات – التمويل). اما موضوع السلاح فهو قضية داخلية تحل في اطار الاستراتيجية الدفاعية والامن الوطني. - موقف القوات اللبنانية: هددت القوات اللبنانية بالانسحاب من الحكومة معتبرة ما جرى نوع من إعادة احياء للترويكا مطالبة الحكومة مجتمعة باتخاذ قرار سحب سلاح حزب الله من دون تأخير، وتسعى من خلال ذلك إلى تعزيز أوراقها الشعبوية قبيل الانتخابات النيابية.

خامسًا: موقف برّاك من الرد اللبناني

جاءت تصريحات برّاك محكومة بسياسة استخدام العصا والجزرة. فهي قدّمت خيارين لحزب الله :

أولا : تسليم السلاح على قاعدة انه حزب سياسي يمكن التفاوض معه فهناك نافذة مدتها 60 يوماً(حتى مطلع الخريف القادم) و ان حزب الله حزب سياسي وهو من اكبر الأحزاب في لبنان لكنه "إرهابي" واذا قرر الحزب السياسي التخلي عن الإرهاب فنحن سنساعده ( نوع من ضمانات ) وسنكون وسيطا بين المتقاتلين والخصوم وبالنسبة للأعمار الخليج ملتزم بالاعمار شرط التطبيع.

ثانيا : عدم تحقيق تقدم كبير لجهة سحب السلاح فالحرب الإسرائيلية مستمرة ولا اعمار ولا عودة ولا عون مالي والضغط المالي على حزب الله سيتوسع ليطال حتى الحوالات المالية للمهاجرين الشيعة.

- ومع وصول الرد الأميركي على الرد اللبناني عبر السفارة الأميركية في لبنان،من المتوقع ان يعود  برّاك الى لبنان في زيارته الثالثة في 22 -  23 تموز القادمين لاستلام قرار الحكومة اللبنانية بتسليم سلاح حزب الله  وفق آلية واضحة. - تسريب تهديدات في الإعلام الاسرائيلي حول "ضم طرابلس وقسم من البقاع الى سوريا مقابل انسحاب جزئي من الجولان واعتبار مزارع شبعا سورية"، بغرض خلق  الفتن الطائفية والمذهبية في البلدين وما بينهما وبالتالي تنفيذ المخطط الأميركي – الصهيوني  التقسيمي بأيدينا  وبدماء شعبنا . - دخول بريطانيا على خط الضغوط عبر اقتراح انشاء  أبراج للمراقبة على الحدود الجنوبية بغرض قيام  مراقبة دولية للبنان وتعزيز دورها في لبنان. - استخدام ملف التمديد لقوات اليونفل -  المفترض اقراره في آب القادم والذي تتولى اورتاغوس العمل عليه في الأمم المتحدة - كورقة ضغط على لبنان من خلال محاولتها ادخال تعديلات على القرار، وهو ما يجب مواجهته. وهنا لا بد من الاشارة الى الرعونة في التعاطي بموضوع حساس مثل اليونيفيل، فقد سبق ووضعنا ملاحظاتنا في هذا الخصوص، انما اليوم، فان بقاء قوات الطوارئ الدولية له اهمية استراتيجية بالنسبة للبنان، وأن دفعهم للمغادرة يصب بشكل رئيسي في مصلحة اسرائيل.

سادسًا: توحيد مسارات التفاوض

تندرج المهلة الأميركية للبنان في سياق مهلة مشابهة لفلسطين وإيران ( 60 يوما). ويهدف ترامب إلى تحقيق إنجاز سريع. أما ربط المهلة بالانتخابات النيابية في لبنان فيجعلها خطيرة، إذ يسعى لفرض تسليم السلاح مقابل الإعمار وإجراء الانتخابات. وفي هذا السياق، لا بدّ من التأكيد على أن مسألة كبيرة وحساسة مثل موضوع السلاح الثقيل لا تخضع فقط للقرار اللبناني، بل ترتبط بشكل أوثق بالتفاوض الأميركي – الإيراني الذي استؤنف بعد وقف الضربات، حيث ستحدد نتائجه مصير التفاهمات في لبنان، سواء باتجاه الاتفاق أو عودة العدوان الصهيوني.

سابعًا: نظام المحاصصة والفساد مستمر

عادت الحكومة، مستندةً إلى منطق المحاصصة الطائفية، فأقرّت التشكيلات القضائية، لا على أساس الكفاءة أو استقلالية القضاء، بل ضمن صفقات ومحاصصات مكشوفة.

تزامن ذلك مع تجدد فضائح الفساد المالي، حيث برزت فضيحة جديدة تتعلق بـ"كازينو لبنان"، مع مباشرة التحقيقات بحق عدد من الموقوفين. وتشير المعلومات الأولية إلى تورط نواب ووزراء سابقين في عمليات نهب بملايين الدولارات، ما يؤكد استمرار هذا النظام في حماية الفاسدين وتدويرهم في السلطة بدل محاسبتهم. وفي هذا الإطار أثمرت جهود عدد من الإعلاميين والقانونيين في وضع ملف الكازينو أمام الرأي العام وتجاوب القضاء في فتح الملف والتوسع به، مع عدم تعطيله من قبل المدعي العام المالي بالوكالة، كما كان يحصل في معظم الملفات المالية.

ثامنًا: العلاقات اللبنانية – السورية

1- ملف الموقوفين الإسلاميين: 

يطفو هذا الملف مجددًا على واجهة الأحداث، مثيرًا توترًا متصاعدًا في العلاقة بين الحكومتين اللبنانية والسورية. فقد نقل الشرع موقفًا واضحًا بضرورة الإفراج الفوري عن هؤلاء الموقوفين، معتبرًا أن تجاهل هذا المطلب سيقابل بإجراءات سياسية واقتصادية مباشرة من دمشق.

وقد بدأت ملامح هذه الضغوط بالظهور، من خلال التضييق على حركة المزارعين والتجار اللبنانيين على المعابر الحدودية، إضافة إلى تجميد التفاوض حول الملفات العالقة، مثل: : ترسيم الحدود - الودائع السورية في لبنان - ملف النازحين السوريين

إن التعامل مع هذا الملف لا يمكن أن يكون بمنطق التهديد أو الخضوع، بل يجب أن يستند إلى تفاوض ندّي، ووفق القوانين والمواثيق الدولية التي تحفظ السيادة اللبنانية وتضبط العلاقة بين البلدين.

وفي هذا السياق، لا بد من التذكير بمحاولات السلطة – بكل أطيافها – استغلال هذا الملف لتمرير قانون العفو العام خلال فترة انتفاضة 17 تشرين، بطريقة طائفية وتحاصصية تحت قاعدة الافراج عن قضايا الإرهاب والإتجار بالمخدرات والتعامل مع العدو، لكنّ تلك المحاولة جرى إفشالها بفضل ضغط الشارع والانتفاضة الشعبية، وكان لرفاقنا دور بارز وأساسي في إسقاط ذلك القانون المشبوه.

2- ملف النازحين: 

يشهد ملف النازحين السوريين تطوّراً لافتاً وإيجابياً في الآونة الأخيرة، تمثّل بموافقة السلطات السورية، عبر الشرع، على تسهيل عودة 11 ألف نازح سوري إلى بلادهم، ضمن آلية دعم مالي تقدّمه الأمم المتحدة، تشمل 100 دولار لكل فرد و400 دولار لكل عائلة عند وصولهم إلى سوريا. ومن المتوقع، إذا صدقت الوعود واستمرّت العملية، أن ترتفع وتيرة العودة تدريجياً لتصل إلى نحو 400 ألف نازح بحلول نهاية العام المقبل، ما يشكّل خطوة نوعية على طريق معالجة هذا الملف الشائك.

في المقابل، لوحظ دخول نحو 100 ألف نازح جديد إلى لبنان من الأراضي السورية، معظمهم من أبناء الطائفتين العلوية والمسيحية، مع وجود تخوف من موجات لجوء مماثلة نتيجة أحداث السويداء والجنوب السوري، ما يعكس استمرار حركة النزوح المتبدلة اتجاهاتها تبعاً للتطورات الأمنية والسياسية داخل سوريا.

تاسعًا: الدعم الأميركي للحكم السوري

ان أولوية ترامب هي التركيز على سوريا والسيطرة عليها موحدة او تقسيمها وهو ما تريده اسرائيلوتفضله. اما لبنان كوطن فيتم الضغط واطلاق التهديدات عليه من كل الاتجاهات وبمختلف الاشكال في التطبيع مع الكيان الصهيوني او الالتحاق بسوريا وتنفيذ الملفات المتعلقة بتدعيم حكم الشرع لإنجاز التطبيع السوري – "الإسرائيلي" من هنا نقرأ:

- قرار ترامب رفع العقوبات عن سوريا وشطب جبهة النصرة عن لائحة الإرهاب الأميركية - الطلب من دول الخليج وبخاصة السعودية وقطر والامارات مساعدة سوريا بكل المجالات والا فان حكم الشرع مهدّد بفزاعة " داعش". - رعاية برّاك محادثات الشرع ومظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية لمعالجة المشاكل العالقة بين الطرفين. فقد انعكس موقف حزب العمال الكردستاني التركي بتخليه عن الكفاح المسلح على الأكراد بشكل سلبي في كل من ايران والعراق وسوريا وتحديدا على "قسد" حيث طالب الشرع في اجتماعه الأخير مع  مظلوم عبدي بدمج قوات قسد بالجيش السوري  بدون شروط رافضا اعطاء أي وضعية خاصة للأكراد في سوريا لا فدرالية ولا لا مركزية بما يعني عدم تأمين حصة لهم من الثروات النفطية  ولا حتى المشاركة في إدارة شؤونهم الحياتية والثقافية .وهذا الموقف لاقى دعما مطلقا من توم برّاك على أساس "ان سوريا يجب ان تبقى واحدة ارضا وشعبا ودولة مركزية" . واذا ما التزمت "قسد" وتم إقرار حل قواتها العسكرية تكون الولايات المتحدة قد باعت الأكراد بعد ان استخدمتهم في محاربة النظام وداعش.   - هكذا تتسارع الخطوات التمهيدية للتطبيع حيث التقى في عاصمة أذربيجان ( باكو ) المندوب السوري مع المندوب الإسرائيلي لاستكمال ما سبق بحثه في بعض دول الخليج حول الخطوات المقبلة في مسار التطبيع بين الجانبين.

أحداث السويداء ومشروع نتنياهو لتقسيم سوريا:

وفي هذا السياق وبعد لقاء باكو واتفاق الطرفين على دخول قوات الشرع الى السويداء " لضبط الوضع الأمني والسلاح غير الشرعي" . اندلعت أحداث السويداء مع دخول قوات الشرع وارتكابها المجازر المروعة والمدانة بحق الأهالي، حيث قامت اسرائيل استنادا الى طلبات الحماية لبعض المشايخ والسياسيين المرتبطين بها بالعدوان على سوريا وقصف دمشق (رئاسة الأركان ووزارة الدفاع والمنطقة القريبة من قصر الرئاسة ) داعية لسحب الجيش السوري فورا من السويداء وهو ما حصل وشكّل ضربة قوية لحكم الشرع ورسالة واضحة لاردوغان. وهو ما يدل على ان إسرائيل لا يهمها سوى تحقيق مصالحها، في تنفيذ مخططها على حساب دماء الشعب السوري لجهة تحقيق توسعها من اجل السيطرة على الجنوب السوري بحجة خلق منطقة آمنة لها. والآن لا بد من تثبيت الاتفاق على وقف اطلاق النار في السويداء مع التأكيد على ان الحل يبقى حلا سياسيا داخليا يشارك فيه جميع الأطياف والقوى والمكونات السورية لقطع الطريق نهائيا على أطماع العدو الصهيوني التوسعية ودعاة الانفصال، وعلى أساس التمسك بوحدة سوريا وارساء مرتكزات بناء دولة المواطنة والديمقراطيةوالعدالة الاجتماعية لكل السوريين.   

عاشرًا: لقاء ترامب – نتنياهو

أولا : غزة:

يبدو ان المقاومة الفلسطينية قد استعادت المبادرة في غزة لجهة تكثيف عملياتها البطولية ضد الاحتلال الصهيوني من خلال الخسائر التي تتكبدها قوات الاحتلال في الكمائن التي ينفذها المقاومون، بالمقابل يستمر العدو في حرب الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني رافضا وقف اطلاق النار والانسحاب من غزة مقابل الافراج عن المحتجزين ، بسبب موقف نتنياهو الذي سيتعرض للمحاكمة في حال توقفت الحرب وعدم وجود تصور لليوم التالي لقطاع غزة مع تعدد الخطط المطروحة له. ويبقىالاحتمال الأقصى الذي ستخرج به المفاوضات هو التوصل لهدنة مدتها 60 يوما. فطالما نتنياهو بالحكم فان دوامة الحروب مستمرة في المنطقة .

وأخطر ما يجري التحضير له لليوم التالي  هو ما يجري الترويج له أميركياً تحت عنوان "الهجرة الطوعية". فبعد تحول القطاع إلى منطقة غير قابلة للحياة، إثر حرب الإبادة وتدمير البنية التحتية والمستشفيات والمدارس والطرق وتجريف الأراضي الزراعية، قد يرى بعض الفلسطينيين أنفسهم يبحثون عن الهجرة إلى الخارج. وفي هذا الإطار، تضغط الولايات المتحدة  على عشرات الدول لإعلان استعدادها لاستقبال لاجئين فلسطينيين تحت عنوان انساني، لتأمين هذه "الهجرة الطوعية"، وهي تهجير قسري بكل معنى الكلمة، لأكثر من نصف مليون فلسطيني.

ثانيا : ايران:

بين عودة المفاوضات واستمرار العدوان، من المرجح عودة ايران الى المفاوضات ضمن مهلة ال60 يوما وما  يؤشر على ذلك تصريح الخامئئي بأن لا مانع من عودة الشركات الأميركية للاستثمار في ايران مقابل رفع العقوبات وحصر التفاوض حول الجانب النووي السلمي. ومع الشروط الأميركية المرتفعة، والتي تريد تحقيق المكاسب المباشرة لها من دون حلفائها، قد تضطر إيران إلى تقديم تنازلات سياسية واقتصادية أساسية، ومن غير المستبعد عودة جولات أخرى من العدوان الإسرائيلي أو الأميركي إن رفضت الإذعان لكل هذه الشروط. وهو ما يعني أن العدوان الذي حصل ربما كان جولة سيليها جولاتأخرى، قبل تحقيق اتفاق يضمن مصالح وأطماع الأميركيين.

ثالثا : تركيا :

- اعتبر اردوغان نفسه منتصرا بعد موقف حزب العمال الكردستاني التركي بالتخلي عن الكفاح المسلح محاولا ضمان الفوز بولاية رئاسية جديدة بتحالفه مع حزب  المساواة والشعوب الكردي . - يبقى الموقف التركي موقفا أساسيا في مهمة برّاك  بالنسبة لسوريا ولبنان والمنطقة  وصولا الى  القوقاز وجمهوريات آسيا الوسطى مع أذربيجان وأرمينيا وهو يقوم بزيادة موازنة تركيا العسكرية لتنفيذ برنامج صناعة الصواريخ الباليستية والطائرة الشبحية وتعزيز نظام الدفاع الجوي . - تسعى تركيا إلى تثبيت نفسها كلاعب أساسي ومقرر في سوريا، ومن خلاله ممارسة بعض التأثير في لبنان، ما يجعلها قوة إقليمية مؤثرة، وساعية إلى ملء الفراغ الذي خلفه الانكفاء الروسي والتراجع الإيراني. ورغم كونها حليفة لأميركا وعضواً في الناتو، تتوجس إسرائيل من هذا الدور التركي وتسعى لتقليم أظافره في سوريا             ( السويداء) وتثبيت السيطرة الإسرائيلية أولاً في الإقليم. وهو ما تبين من خلال ما جرى في السويداء والذي قد يجد تداعياته على حدودها مع " قسد".

موقف حزبنا:

أمام المرحلة الخطيرة التي يمر بها لبنان، وما يرافقها من تضليل سياسي وإعلامي وضغوط أميركية متصاعدة، نؤكد في حزبنا ثوابتنا السياسية التي لطالما شكّلت بوصلة نضالنا الوطني.

إن لبنان كوطن وكيان وشعب مهدد بمصيره ووجوده، وليس فقط هذه الطائفة أو تلك. وقد أثبتت التجارب أن لجوء الطوائف إلى "الحمايات الخارجية" لم يوفر الأمن لأي طائفة من الطوائف، بل عمّق الانقسامات وأفشل كل محاولات بناء الدولة القادرة على اخراج لبنان من دوامة الأزمات المتلاحقة. ومن يتحمل المسؤولية التاريخية عن البقاء في هذا الواقع هم أركان النظام الطائفي القاتل وهذا الكيان الصهيوني المدعوم من الولايات المتحدة الأميركية.

انه عدو توسعي معتدي يحتل أراضي لبنانية ويمنع عودة الأهالي وإعادة اعمار بلداتهم. ومقاومته واجب ، فطالما هناك احتلال هناك مقاومة وهي حق مشروع لكل شعوب العالم التي تتعرض للاحتلال، وهو امر بديهي بغض النظر عن موازين القوى، فكيف بالأحرى بالنسبة للدولة المعنية والمسؤولة الأولى عن مقاومة الاحتلال قبل غيرها. فحصرية السلاح بيد الدولة يجب ان يتلازم مع مقاومة الدولة للاحتلال بكل السبل والوسائل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية وهو ما افتقدته ولا تزال تفتقده الدولة اللبنانية طوال تاريخها.

هذا من جهة، ومن جهة ثانية على حزب الله ان يدرك ان ارض الجنوب ارضا لبنانية والدفاع عنها دفاع عن لبنان وهو واجب وطني لبناني، وانه لا بديل عن مقاومة شعبية وطنية تنتهج العمل المقاوم للدفاع عن ارضها وشعبها خارج الحسابات الطائفية والرهانات الخارجية.

إن السلاح المطلوب الحفاظ عليه في هذه المرحلة الصعبة هو سلاح المقاومة الشعبية الذي يؤمن مقومات الدفاع عن الأرض وتحريرها من الاحتلال رفضا للهزيمة " لست مهزوما ما دمت تقاوم". كماعلى الدولة اللبنانية اتخاذ القرار السيادي الأهم وهو تسليح الجيش اللبناني وتمكينه فعلياً من الدفاع عن لبنان في مواجهة المخاطر المحدقة. فالمقاومة يجب ان تكون مقاومة وطنية وشاملة في اطار مشروع سياسي تحرري وطني واجتماعي يلتف حوله الأغلبية الساحقة من الشعب اللبناني فلا يقتصر على طائفة او منطقة معينة من لبنان بل عابراً للمناطق والطوائف والمذاهب وموحدا للجهود والطاقات باتجاه بناء دولة المواطنة والديمقراطية، دولة العدالة الاجتماعية المقاومة، التي تحترم شعبها وتصون كرامته.

بيروت في 19 – 7 – 2025        

المكتب السياسي للحزب الشيوعي اللبناني

 

1