الشيوعي: ارفعوا القيود المصرفية عن ودائع صغار المودعين
1 - إن مشروع القانون، بدل أن يخضع حاكمية مصرف لبنان للمساءلة عن نتائج سياساتها النقدية والمالية، يمعن في منحها صلاحيات استثنائية يصفها بأنها "مؤقّتة" ولكنها تمتد فعلياً ــ بحسب المشروع ــ على مدى ثلاث سنوات أي طيلة الفترة التي تتطلّبها أيّ عملية إنقاذ، ضارباً بذلك عرض الحائط كلّ ما تمخّضت عنه هذه السياسات من أخطاء وتجاوزات فادحة وهندسات مالية مدمّرة أوصلت البلد إلى مهالك الانهيار.
2- إن ما تقوم به الحكومة في هذا الإطار يشبه عملية وضع العربة أمام الحصان. فاستباق مشروع القانون المقترح لما يوصف بأنه "خطة شاملة لإنقاذ الاقتصاد" وعدت الحكومة بإنجازها في غضون أسابيع قليلة، يوحي فعلياً بأن "روح" القانون الحالي هي التي سوف تحكم عملياً "روح" الخطة اللاحقة، مما يعزّز الأسئلة والشكوك المشروعة حول مدى قدرة هذه الحكومة على الانعتاق من شبكات المصالح السياسية والزبائنية العميقة التي يجسّدها النظام التحاصصي الطائفي السائد، والتي تتحمّل مسؤولية الانهيار في الأساس.
3- إن مشروع القانون إذ يتوسّع في تأكيده على حرية تحويل وسحب العملات الأجنبية "الجديدة" (كما يصفها المشروع) الوافدة إلى لبنان بعد تاريخ 17/11/2019، إلّا انه يبقي الحجز الشامل قائماً على الودائع بالعملات الأجنبية التي كانت تختزنها المصارف اللبنانية قبل هذا التاريخ (نحو 120 مليار دولار). وهو يترك لمصرف لبنان أن يصدر لاحقاً ــ دون تحديد سقف زمني له ــ تعاميم تنظّم شروط سحب هذه الودائع، وذلك "بالتنسيق مع وزير المال وجمعية المصارف". ويتوسّع المشروع في وصف الحسنات التي تنطوي عليها خدمات البطاقات المصرفية عموماً، ولكنه يبقي السقوف المالية لاستخدام البطاقات بالعملة الأجنبية، سواء داخل لبنان أم خصوصا خارجه، محكومة بسياسة كل مصرف.
4 - يتضمّن مشروع الحكومة تعويضاً في الشكل عن الحجز الفعلي لأموال المودعين، عبر استثناءات محدودة تتعلق بالتحويلات ذات الصلة بنفقات الطبابة والتعليم والضرائب والمعيشة خارج لبنان. ولكن معظم هذه الاستثناءات تبقى مقيّدة، بحسب المشروع، بشروط يسهل على المصارف توظيفها في مصلحتها الخاصة. ومنها مثلاً كمّ هائل من المستندات المتوجّب توفيرها من قبل المودع طالب التحويل في كل حالة على حدى، والشرط القاضي بأن "لا يكون لهذا المودع حساب مصرفي في الخارج"، متجاهلة أن موجات الهجرة المتمادية والمتعاقبة قد فرضت على الكثير من اللبنانيين فتح حسابات مصرفية لهم في الخارج، مما يحرمهم بالتالي من الاستفادة من تلك الاستثناءات.
5 - أما الأدهى في مشروع القانون فهو دعوته كل مصرف أن يخصّص "ما لا يقلّ عن نصف في المئة من مجموع ودائعه لتمويل استيراد المواد الغذائية الأساسية والمواد الأولية للزراعة والصناعة وتكنولوجيا المعلومات...". وانطلاقاً من القيمة الدفترية للودائع المصرفية المقدّرة راهناً بنحو 160 مليار دولار، فإن هذا يعني التزام المصارف بتأمين مبلغ 800 مليون دولار فقط لأغراض الاستيراد، أي ما يمثّل نحو 4% من القيمة الاجمالية لفاتورة الاستيراد في سنة عادية (و5% إذا ما استثنينا استيراد المحروقات والأدوية والقمح الذي يتولى مصرف لبنان تنظيمه). وهذا ما يفترض إما تقليص حجم الاستيراد إلى حدوده الدنيا أو تمويله عبر دولارات من السوق الحرّة، مما سيترجم خفضا إضافيا حادا في معدلات النمو الاقتصادي ومزيداً من الارتفاع، لا بل الفلتان، في سعر صرف الدولار تجاه الليرة اللبنانية.
إن الحزب الشيوعي اللبناني يرى أن التحالف السياسي والاقتصادي الحاكم يمضي من دون رادع في فرض الحجز الكامل على أموال المودعين، لا سيما صغارهم، وفي إجبار هؤلاء على التصفية التدريجية لودائعهم بالعملة الأجنبية ــ كلّما ألزمتهم الحاجة اليومية ــ عبر تحويل هذه الودائع قسراً إلى الليرة اللبنانية بسعر الصرف الرسمي، من دون ضمان أيّ سقف يمكن لسعر الدولار الحرّ أن يقف عنده مستقبلاً. إن هذا المسار ينطوي على أسوأ عملية "قصّ شعر" وأكثرها رجعية، كونه لا يميّز بين كبار المودعين وصغارهم في بلد يعاني في الأصل من أعلى معدلات التركّز في الثروة والدخل في العالم. ويؤكّد الحزب على إقرار الضريبة التصاعدية ورفع معدلاتها على الفوائد المصرفية والأرباح لتطال كبار المودعين وأصحاب الثروات وشركات الأموال الكبرى مع رفع القيود المصرفية بالكامل عن ودائع صغار المودعين وعن رواتب ومعاشات التقاعد الموطنة في المصارف، معرباً مجدّداً عن عدم ثقته بهذه الحكومة التي تعتبر الإبنة الشرعية للمنظومة الحاكمة بأنها سوف تعجز عن رسم وتنفيذ طريق الخلاص، مما يحتّم الإبقاء على روح الانتفاضة وتعزيزها والتحضير الجدّي لإحداث التغيير المطلوب، ضماناً للمصالح الحيوية للشعب اللبناني.