الأربعاء، كانون(۲)/يناير 15، 2025

الشيوعي: إرادة الشعب السوري تفتح صفحة جديدة مليئة بالأمل، ونقف إلى جانب قوى اليسار والتقدّم والديمقراطية في مواجهة المخاطر المحدقة بسوريا والمنطقة.

  المكتب السياسي للحزب الشيوعي اللبناني
بيانات
عاش الشعب السوري خلال الأيام الماضية لحظات تاريخية مع رحيل الرئيس الأسد خارج البلاد وتفكّك منظومة الاستبداد التي حكمت البلاد على مدى عقود وامتدّت سطوتها أيضاً إلى بلدنا لبنان، الذي كان له حصته من ممارسات المنظومة الأمنية والقمعية المتكاملة مع منظومة النهب والفساد، لجهة دعم وتثبيت التحالف الرأسمالي ونظام المحاصصة الطائفية في مرحلة ما بعد اتفاق الطائف.

 رحل بشار الأسد بعد ان سقط نظامه في القضية الوطنية والاقتصادية والاجتماعية وفي قضية الحريات الديمقراطية العامة، ما أضعف سوريا وأنهكها وخلق الأرضية الملائمة لبيئة التطرّف في ظل الأطماع والمشاريع الامبريالية والصهيونية المترافقة معها، وهو ما شرّع الأبواب، لتحويل الانتفاضة الشعبية لحرب أهلية وللتدخلات الخارجية ، والتي أودت جميعها بحياة مئات الآلاف وهجّرت الملايين وشهدت أبشع أنواع الجرائم التي قامت بها معظم أطراف الصراع الدموي، على ضفتي الصراع، وعلى رأسها الجماعات التكفيرية والإرهابية المتطرّفة التي تفنّنت في صنوف القتل والتعذيب والاضطهاد، ونظام القمع والاستبداد البائد

لقد عانى الشعب السوري على مدى كل هذه السنوات الطويلة آلاماً عميقة ودفينة، شاركه فيها شعبنا اللبناني وقواه الوطنية فكان للشيوعيين والتقدميين نصيبا وافرا من جراحها وآلامها. هذا ويعتري الشعب السوري اليوم مزيج من الشعور بالأمل بمستقبل أفضل، يقوم على حلول سياسية داخلية للمشكلات السورية وبناء الدولة الوطنية الديمقراطية العادلة لجميع أبنائها على اختلاف انتماءاتهم، وبناء الاقتصاد وإعادة الإعمار وعودة اللاجئين إلى منازلهم، وبين الشعور بالحذر والخوف من الفوضى وتجدد أشكال أخرى من الصراع والاقتتال أو من تغوّل وطغيان قوى التطرّف في ظل المخاطر والأطماع الخارجية التي تقف خلفها.

وأولى هذه المخاطر المحدقة بسوريا اليوم تتجسّد بأطماع العدو الصهيوني بتكثيف ضرباته العدوانية لتدمير كل مقدرات الدولة ولا سيما مقدرات الجيش السوري من خلال توسيع رقعة سيطرته في محيط الجولان والغاء اتفاقية وقف اطلاق النار الموقّعة منذ عام 1974، وسعيه الحثيث للتمدد وفرض سيطرته على أجزاء واسعة من الجنوب السوري. كما يقوم بافشال الانتقال السلمي للسلطة ومنع عودة الحياة الطبيعية الى سوريا عبر ضربه لمؤسسات الدولة لتعطيل خدماتها للمواطنين، لإشاعة الفوضى .

 وهو ما يستدعي وضع قضية تحرير الجولان من الاحتلال الاسرائيلي واستعادة السيادة عليه في رأس أولويات القضية الوطنية في سوريا. وكذلك، تشكّل الأطماع التركية في الشمال وسعي الحكم التركي لإنشاء منطقة أمنية عازلة على مساحة آلاف الكيلومترات، والتدخّل العسكري المباشر في المناطق ذات الأغلبية الكردية، وطموحها بفرض نفوذها السياسي على الحكم في سوريا تحدياً وجودياً أمام مستقبل الشعب السوري وتقدّمه. كما أنّ المشروع الأميركي في المنطقة عموماً ومنها في سوريا، لا يزال يعمل وبقوّة على الفتنة والتفتيت والتجزئة من خلال أدوات عديدة، وتحتفظ الولايات المتحدة بقواعد عسكرية وقوات فاعلة على الأرض في معظم مناطق الشرق والجنوب السوري.

إنّ عملية تغيير النظام تغييراً جذرياً شاملاً، سياسياً واقتصادياً- اجتماعياً، وبناء الدول السيّدة العادلة، هي عملية أشد تعقيداً بكثير من مجرد رحيل رئيس وقدوم رئيس. وهذا ما يستوجب التنسيق والتكامل والوحدة بين مختلف أطياف القوى الوطنية والديمقراطية والعلمانية والتقدمية والشيوعية في سوريا، لتشكيل قطبية وازنة تساهم في إعادة تشكيل ورسم المستقبل السياسي للبلاد بعيداً عن نظم المحاصصة الطائفية ومشاريع النفوذ والهيمنة الخارجية على القرار الوطني السوري.

أما على الصعيد اللبناني، فبدلاً من اتباع سياسة دفن الرؤوس بالرمال والنأي بالنفس، على الحكومة أن تبادر فوراً لمتابعة بعض القضايا المصيرية، وعلى رأسها تأمين الظروف المناسبة لعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم بعد زوال الهاجس الأمني. كما يجب على الحكومة أن تعمل على تأمين الحدود الشمالية والشرقية مع التنويه بنشر الجيش اللبناني تحسباً لأية تطورات سلبية مستقبلاً، وأن تبادر بكل ما أوتيت من قوة دبلوماسية لمتابعة ملف المفقودين اللبنانيين في السجون السورية، والذين أعلنت حكومتا البلدين زوراً عدم وجودهم سابقاً، فيما تبين الآن وجود الكثيرين منهم في سجون النظام المتداعي، وهي قضية إنسانية حسّاسة تعني مئات العائلات اللبنانية.

على كل ما تقدّم، فان إرادة الشعب السوري فتحت صفحة جديدة مليئة بالأمل باتجاه انجاز الحل السياسي بأسرع وقت ممكن لطي صفحة الماضي الأليمة وفتح صفحة جديدة كفيلة بتحقيق وضمان تطلعاته وتضحياته وتاريخه الوطني والقومي العظيم. فمن حق الشعب السوري تقرير مصيره بنفسه بعيداً عن التدخلات الخارجية، مجددين وقوفنا إلى جانب قوى اليسار والتقدّم والديمقراطية في سوريا في نضالها لتحقيق الحرية الكاملة للشعب السوري ولتحقيق العدالة الاجتماعية وإعادة إعمار البلاد وعودة المهجرين إليها، وتعزيز الوحدة الوطنية واستعادة السيادة على كامل التراب الوطني السوري، وبناء أفضل العلاقات الندية والأخوية القائمة على التعاون والتكامل بين بلدينا.

 

الحزب الشيوعي اللبناني

المكتب السياسي

10 كانون الأول 2024