الحزب الشيوعي الصيني؛ مئة عام من قيادة المجتمع: إنجازات وتحديات
عقد الحزب الشيوعي الصيني تاريخ 6 تموز 2021 وضمن فعاليات إحياء مئوية تأسيس الحزب، قمة الأحزاب السياسية العالمية. حضر المؤتمر أكثر من عشرة آلاف ممثل عن أحزاب سياسية وشارك فيه أكثر من 500 قائد لحزب وتنظيم سياسي من بينها الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني الرفيق حنا غريب وأعضاء من المكتب السياسي والحزب. شاركت هذه التنظيمات من أكثر من 160 دولة حول العالم وهو أمر يستحقّ الوقوف عليه لناحية قدرة الديبلوماسية الصينية والحزب الشيوعي في التنسيق والتشبيك والعمل مع هذه الأحزاب ضمن إطار عنوان القمّة "السعي لسعادة الشعوب ومسؤولية الأحزاب السياسية".
لقد حقق الحزب الشيوعي الصيني حتى الآن إنجازات بمثابة قفزات تاريخية في سعيه لتحقيق مصالح الشعب الصيني. برهن الحزب قدرته على تمثيل مصالح مختلف شرائح وطبقات المجتمع الصيني. فهو منذ الثورة بقيادة ماو تسي تونغ وإصلاح دينغ شياو بينغ والآن بقيادة الرئيس شي جينبينغ استطاع تحرير الصين وتوحيدها ورفع أكثر من 800 مليون مواطن صيني إلى ما فوق خطّ الفقر وفق بيانات البنك الدولي. كذلك برهن الحزب قدرته على قيادة مهمة تطوير القوى المنتجة إذ حقق الاقتصاد الصيني من عام 1978 معدلات نمو قياسية بمعدل 10% سنوياً ليكون عام 2014 الاقتصاد الأول في العالم وفق معيار القدرة الشرائية الموحدة (PPP) وفق تقرير صندوق النقد الدولي. وكانت جائحة كورونا برهاناً لكفاءة الحزب والدولة العالية وفعاليتهما في العمل على حماية المجتمع الصيني واقتصاده ونموذجاً في كيفية تسخير الموارد والتكنولوجيا والتنظيم لخدمة الشعب وصحته وسعادته أولاً.
ورويداً رويداً، أدرك قيادة الحزب والدولة ضرورة الانفتاح الاقتصادي على العالم. عام 2013 أعلن الرئيس شي جينبيغ مبادرة الحزام والطريق التي تقوم على قاعدة "المنفعة المتبادلة" بين الصين ودول العالم. واستطاعت هذه المبادرة حتى اليوم تحقيق تقدم ملحوظ للاقتصاد الصيني ومشاريع التنمية في العديد من دول آسيا وأفريقيا وقد تضمنت المبادرة عقد اتفاقيات مع 140 دولة حتى مطلع عام 2021.
وفي كلمته الافتتاحية للقمة، أعاد الرئيس شي جينبينغ التأكيد على مسار بناء الدولة الاشتراكية الحديثة وتعميق الإصلاح والانفتاح وتحمّل الحزب الشيوعي الصيني "مسؤوليته حزب أساسي في دولة مهمة لتقديم مساهمات جديدة لتحسين رفاه البشرية". فالصين تدرك اليوم بعد الانفتاح الاقتصادي ضرورة استكمال المسار بمزيد من الانفتاح السياسي والانخراط أكثر في المشهد الدولي. ينطلق هذا أولاً من ضرورة الدفاع عن وجود الصين؛ أي حماية مجتمعها والحزب والنظام الذين يقودان هذا المجتمع، والمنجزات التي حققها المجتمع وبذل في سبيلها التضحيات الكبيرة. فمع وصول الرئيس ترامب إلى سدة الرئاسة أعلنت الولايات المتحدة بوضوح حرباً تجارية على الصين وقد فرضت بالفعل عقوبات على شركة هواوي ورفع التعرفات الجمركية على المنتجات الصينية وغير ذلك من الإجراءات. ومع الرئيس بايدن تستكمل الولايات المتحدة هذه المعركة وقد عبّر وزير الخارجية الأميركية الحالي أنطوني بلينكن بوضوح شديد عن موقف بلاده قائلاً أن "]الصين[ هي الدولة الوحيدة في العالم التي تمتلك القدرات العسكرية، الاقتصادية، والديبلوماسية لتقويض أو التحدي النظام العالمي المبني على قواعد والذي يهمّنا ومجبرون على الدفاع عنه".
إذن، بالإضافة إلى التحديات الداخلية كمعدلات اللامساواة وتحقيق رفاه أكبر للطبقة العاملة والحفاظ على النمو الاقتصادي ورفع الإنتاجية وتطوير القدرة التكنولوجية، تواجه الصين حرباً بدأت القوى المهيمنة بشنّها على الصين وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية. وهذه الحرب لن تكون تجارية فقط، بل بدأنا نرى بالفعل حملات بروباغندا وإجراءات سياسية واضحة بما يخص مسألة إقليم شينجيانغ مثلاً، حيث أزالت الإدارة الأمريكية حركة شرق تركستان الإسلامية الانفصالية عن لائحة الإرهاب ما يحمل دلالة كبيرة. إزاء هذه التحديات وغيرها، ستجد الصين نفسها أكثر اضطراراً للانخراط في المشهد الدولي كقطب جادّ في العالم فيما يترتّب عليها في الوقت نفسه الانخراط أيضاً في تطوير قواها المنتجة وقدراتها التكنولوجية وتطوير الأطر الديموقراطية الشعبية وأطر العدالة الاجتماعية.