الإثنين، تموز/يوليو 07، 2025

الاتحاد الوطني لطلاب الجامعة اللبنانية: أداة قمع جديدة بيد السلطة

 
 صدر منذ عدة أسابيع القرار رقم 2362 المُتعلّق بالنظام الداخلي للاتحاد الوطني لطلاب الجامعة اللبنانية، والذي يهدف، بحسب رئيس الجامعة اللبنانية فؤاد أيوب، إلى تعزيز مشاركة الطلاب في الأعمال الجامعية ومؤازرة الجامعة في تحقيق دورها العلمي والمعرفي والأكاديمي والوطني. وستُجرى على أساس هذا النظام الانتخابات الطلابية في تشرين الثاني المقبل. وبناءً على هذا القرار ستُعتمَد النسبية للمرة الأولى في انتخابات الجامعة اللبنانية. للوهلة الأولى بعد سماع هذا الخبر تشعر بأنّ إنجازاً ناضلنا سنوات لأجله يتحقق اليوم بحيث سيتشكل، ديمقراطيّاً، اتحادٌ للدفاع عن حقوق الطلاب، وأنّ هذا الاتحاد، ككل الإتحادات الطلابية، أداةٌ نضالية بيد الطلاب. ولكن كما اعتدنا في ظلّ النظام اللبناني بأن كل حركة أو نقابة تهدف إلى تحصيل حق من حقوق أي فئة أو قطاع من القطاعات تُفرّغ من مضمونها بشكل كامل وتتحوّل من أداة ضغط على السلطة إلى أداة قمع بيدها وهذا بالضبط ما سنعرضه. بداية في الشق الانتخابي على الرغم من إجراء الانتخابات وفق النظام النسبي، تُفرّغ المادة 18 من نص القرار هذه "النسبية" من مضمونها حيث تفرض اللائحة المكتملة المقفلة والمرقّمة. إذ يسهل تشكيل اللوائح المكتملة في الكليات الصغيرة التي تتألف من حوالي 4 مرشحين بمفهوم مندوب لكل 100 طالب، أمّا الحاصل فسيكون مرتفعاً، أي بين 20% و25%، وهذا يصعّب أي خرق للوائح أحزاب السلطة. أما في الكليات الكبيرة التي يظن البعض أن فرصة الكتل الصغيرة والمتوسطة للخرق فيها سهلة ومتوفرة بسبب تدني الحاصل، تأتي اللائحة المكتملة لتدحض هذا الظن وتكون المعضلة. وهنا نتحدث عن إلزامية ترشيح عدد كامل من المندوبين. على سبيل المثال في كلية العلوم الفرع الأول يتخطى عدد الطلاب الـ 7000 طالب، أي، وبصورة عملية، الكتلة التي تريد المنافسة عليها اختيار 70 مرشّحاً وترقيمهم بحيث أن المرشحين الذين يتخطّى عددهم العشرة لا أمل لهم في الخرق، ومن شبه المستحيل إيجاد 60 مرشحاً وإقناعهم بالترشح ضد أحزاب السلطة. وهنا تأتي صعوبة التحالفات وصعوبة تشكيل اللوائح للمجموعات المستقلة التي تقضي هذه المادة على أي أمل بخرقها لوائح السلطة. فجميعنا يعرف صعوبة الترشح بوجه أحزاب السلطة التي تؤمن الوظائف بالواسطة والخدمات بالواسطة والكثير من الامتيازات للطلاب، والتي هي في الأساس حقوق للجميع، لـ"تمنحها" هي بالتسوّل على أبوابها والطاعة لها. وبالتالي، إنّ الترشح في وجه هذه الأحزاب ولو في انتخابات الجامعة اللبنانية هو خروج عن الطاعة والويل لمن يخرج! وبالتالي، إن هذا القانون، كما العادة، مفصّلٌ على قياسهم و يمنع أي فرصة حقيقية للمنافسة في ظل التقسيم الطائفي والمناطقي لكليات الجامعة والسيطرة المطلقة لأحزاب السلطة على الكليات وأحياناً بالقوة وغياب الجو الديمقراطي الصحي واستبداله بشد العصبيات المذهبية. في الشق التنظيمي والسياسي في بدايته، يتحفنا القرار في مادته السادسة بفاشية وقحة تصل حد الفصل العنصري بين الطلاب إذ ان "حق الانتخاب والترشح للبنانيين فقط".وننتقل هنا للصلاحيات فرغم كل عمليات التجميل الشكليّة والتلوين لهذا القرار والحديث عن استقلالية للطلاب، يأتي المضمون مختلفاً في الفقرة 3 من المادة 59 ليعطي الصلاحية لمجلس الجامعة الذي تعينه الحكومة بالمحاصصة الطائفية بـ"التدخل تلقائيّاً لنقض أي قرار للاتحاد إذا تعارض مع قانون الجامعة أو خلّ بالآداب والانتظام العام أو هدّد وحدة الجامعة أو مسّ بالمسلمات الوطنية". وهذه كلها عبارات رنانة يستطيع مجلس الجامعة استخدامها لنقض أي قرار بحركة اعتراضية أو اعتصام أو حتى بيان وتصبح اللجنة التنفيذية للاتحاد هيئة صوَرية لا تقرر في الأمور المتعلقة بحماية مصلحة الطلاب. والأسوأ هنا إذا ما ربطنا المادة أعلاه بالمادة 65 التي تشير بوضوح إلى أن مجالس طلاب الفرع لا تستطيع أخذ قرار بالضغط الديمقراطي أي الاعتصام و التظاهر وربما توزيع البيانات دون موافقة اللجنة التنفيذية التي يستطيع مجلس الجامعة نقض قرارها، نستخلص أن أي تحرك في أي كلية لتحصيل حقوق سيرسم مجلس إدارة الجامعة حدودَه و يقرّره و يضع له سقفاً وأنّ أي تمرد على هذا السقف سيُقابل بالنقض التلقائي والحجج كثيرة! هذا بالإضافة إلى أنّ رئيس الاتحاد يستطيع بشخصه عبر المادة 68 "نقض أي قرار يمس بوحدة الجامعة"، من دون أن تتطرّق المادة لأي تعريف لوحدة الجامعة. وسنكتفي بهذا القدر لأن هذا القرار يُنقض بصفحات طويلة. وفي النهاية إن القانون الذي لا يحمي الجميع ليس قانوناً وحين يُستخدم كأداة لقمع لأي تحرك وللفصل العنصري لا يجب أن يُحترم. وهكذا قرار لن يُحترم في الجامعة لأننا نستعد للكثير من النضال ولينقضوا ما شاءوا...  

نادين جوني: عن موت كلّ امرأة حُرِمت طفلها

 
في السادس من الشهر الجاري، غادرتنا نادين جوني، الصبية التي عرفناها في كلّ مظاهرة وتحرّك ضدّ النظام الذي ينهبنا، والنسوية التي عرفتها الأمهات والنساء في لبنان والمنطقة، مدافعة شرسة عن النساء وحقوقهنّ، لا تهاب نظاماً ولا سلطة. كلّ ذلك، ونادين لم تبلغ سوى التاسعة والعشرين. أضاءت نادين من خلال عملها السياسي والخدماتي، على الأشكال المختلفة للاضطهاد البطريركي، مركّزة على حق الأمّهات بحضانة الأطفال، واستغلال رجال الدين لمواقعهم. فهي، كأغلبية الأمّهات العازبات اللواتي حرمتهنّ المحاكم الدينية أولادهنّ، قد عاشت حياتها تتلمّس الساعات القليلة التي تقضيها مع ابنها، كلّما سمح لها أباه وأهله بذلك. سنقوم في هذا النص بما كانت نادين لتحبّه عند الكلام عنها، أي جعل موضوعها مسألة حقوق وحريات وظلم نظام، بدلاً من قصة فرد. فالمأساة وراء موت نادين ذات شقّين، شقّ يتعلّق بظلم عاشت بسببه ثلث عمرها كأم محرومة من حياتها وطفلها، وشقّ قتلها من قبل السلطة الجائرة التي تحرمنا الحياة عبر نهبها لثرواتنا. كما تُقتل النساء في منطقتنا كلّ يوم، قتلت نادين على يد السلطة الدينية والسلطة السياسية. ربّما أكثر ما آلم الناس، بعد فكرة موت نادين ذاتها، هي فكرة أنها ماتت دون أن تحقّق حلمها وحلم النساء بقوانين عادلة ومنصفة، وبالعيش ولو لأيام، مع أولادهنّ. فالمحاكم الدينية، من حكم نصوص عمرها آلاف السنين، حتى حكم رجال ذكوريين ينتفعون من مواقعهم ويغتنون منها أو يحصلون من خلالها على مزيد من الامتيازات، هذه المحاكم بعيدة كلّ البعد عن حاجات المجتمع والأفراد، وبالأخص عن مصلحة النساء وأطفالهنّ. في السياق اللبناني، اعتادت النساء (خاصة) التعرّض للتكفير والاتهامات بالجنون أو الخروج عن الأخلاق الحميدة، إذا ما رفعن أصواتهن ضدّ السلطة الدينية. وقد ثبّتت هذه الأخيرة شرعيتها في المجتمع، ممّا نتج عنه انقلاب العائلة والأصدقاء والقرية على النساء إذا ما اعترضن على قرارات المحكمة. وقد بدأت نادين ورفيقاتها حملة منظّمة وفاعلة وحقيقية وجريئة لا تهاب التهديد، للاعتراض على قرارات المحكمة الجعفرية الجائرة بحق الأمهات والنساء بعامّة، وكلّ المحاكم الدينية في لبنان. "الفساد الفساد جوا العمامات"، صرخة نادين التي عبّرت عمّا يجول في خواطر العديد من النساء اللواتي اضطررن للجوء للمحكمة الجعفرية والتعرّض لذكورية رجال الدين وتحرشاتهم وعروضهم الجنسية. فما الذي قد يدفع صبية في التاسعة العشرين لتكون بهذا الغضب؟ ما الذي يجعل موتها يكون القصة الأساسية التي يتكلّم فيها الناس بصدمة وفجيعة وألم؟ "صارت حياتي عبارة عن حرب وقضية، بلا ما إلحق أحلامي وطموحي" تختصر نادين معاناة الأمهات العازبات برسالة بسيطة ترسلها لصديقتها، تختصر فيها كيف تحوّل المحكمة الدينية حيواتنا وأحلامنا إلى صراع. من ناحية أخرى، يذكّرنا موت نادين المفاجئ نتيجة لحادث سيارة على أتوستراد الدامور، بطرقاتنا القاتلة وتخاذل الدولة عن تأمين أساسيات سلامة الطرقات. والمسألة الأهم في هذا السياق هي سوء المواصلات العامة وغيابها في أكثر الأحيان، ممّا يجعل العديدات والعديدين منّا مجبرين على القيادة لساعات طويلة، حتى عند التعب والإرهاق، بسبب غياب البديل. لكانت نادين بيننا اليوم، لو أنّها استقلّت قطاراً من بيروت إلى الجنوب، ونامت في طريقها إلى أهلها وأصدقائها.ما قتل نادين ويقتل النساء والمحرومين كلّ يوم، هو سلطة دينية تتحكّم بحيواتهم ومستقبلهم وأطفالهم، وسلطة سياسية تريد للناس الموت عبر صياغة سياسات منحازة ضدّ الفقراء. لقد أعادت نادين من خلال عملها، موقع النساء الرافضات لأهواء العمامات، إلى الواجهة، إلى الحيّز المسموع والمرئي من مجتمعاتنا. في اليوم الذي سننتزع فيه حقوقنا، ذلك اليوم المشرق الذي يشبه كلّ أحلامنا، سيكون لنادين جوني حصّة فيه، حصة الأم التي أمضت سنواتها القليلة في العمل من أجل ابنها وأبناء وبنات غيرها، من أجل نفسها هي وحياتها هي وصحّتها النفسية هي ضدّ من وضعوا النساء الرافضات لسلطة الدين والمال، في غرفة الأمراض العقلية، وفي مصاف الكافرات المنبوذات من مجتمعاتهن.

الشمال السوري والعدوانية التركية

مجدّداً يتهيأ جيش الاحتلال التركي لشن عملية عسكرية عدوانية على مناطق شمال سوريا. وكما العدوانين السابقين، فهذا العدوان هو أيضاً بتغطية وضوء أخضر أميركي وعدم رفض روسي يشابه القول الشعبي "السكوت علامة الرضى". أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب مساء الأحد وبعد اتصال مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن جنوده سينسحبون من سوريا، واصفاً هذه الحرب بأنها "حرب سخيفة". وكعادته، اعتبر ترامب أن "بلاده دفعت الكثير من النقود للكرد" كي يقاتلوا معه، متجاهلاً أن "قوات سوريا الديمقراطية" دفعت في هذه الحرب ما يزيد عن 10 آلاف قتيل في مواجهتها لداعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية. فهذا الرجل لا يكفّ عن تحويل السياسة إلى عمليات تجارية، ولكن بفرق أن هذه العمليات لا تحتاج إلى طرفين ككل المعاهدات التجارية، بل هي فقط إلى موافقته هو، وفي حال رفض الطرف الآخر يستخدم سيف العقوبات الذي حوّل العلاقات الدولية إلى بلطجة أميركية. إن مشكلة الكرد أنهم لم يتعلّموا من كلّ التجارب التاريخية، وراهنوا ولا يزالون على الأميركي والأطلسي، وهذا ما جعلهم يدفعون الثمن دائماً، وآخر الرهانات كان في عفرين. يومها حاول القادة الكرد استدراك الموقف في اللحظات الأخيرة وعقد اتفاق مع الدولة السورية من أجل دخول قوات الجيش السوري إلى عفرين، إلا أن ذلك لم يحدث، وإلى اليوم الأسباب الحقيقية التي أدّت إلى عدم استكمال هذا الدخول غير معروفة، على الرغم من أنه جرت مناورات ودخلت بعض أرتال الجنود التابعة لتنظيمات عسكرية رديفة للجيش. كلّ ذلك لم يكن كافياً، وها هي عفرين تخضع للاحتلال التركي منذ ذلك الوقت. هذا المشهد يتكرّر حتى الآن في العملية المزمع إطلاقها، إلّا أنّ الدولة السورية، وإلى وقت كتابة هذه السطور لم يكن قد صدر عنها موقف. أما الموقف الروسي، فهو عبارة عن تأكيد تركيا للجانب الروسي بالتزامها بوحدة أراضي سوريا. وهذا يعتبر غض نظر وموافقة على العدوان التركي. فتركيا وعلى لسان رئيسها وكبار المسؤولين في نظام حزب العدالة والتنمية، عبّرت عن أن هدف العملية إقامة "منطقة آمنة" على طول الحدود السورية التركية بعرض يقارب ال 40 كلم، وأنّها ستعمل على إعادة مئات آلاف النازحين السوريين في تركيا إلى هذه المنطقة، أي أنها ستعمل على تغيير النسيج الاجتماعي والديموغرافي. ومن جهة أخرى، سيقاتل إلى جانب الجيش التركي، مرتزقة تحت مسمّى "الجيش الوطني السوري"، قدر عددهم المتحدث باسم هذا الجيش بالمئة ألف مقاتل. بعد كلّ هذه المعطيات التي يعرفها الجانب الروسي طبعاً، يأتي التصريح القائل بأن تركيا تعهدت بالتزامها بوحدة الاراضي السورية. وبالتالي، كيف يمكن الوثوق بالجانب التركي الذي أثبت خلال السنوات التسع الماضية، أنه رأس حربة التآمر على سوريا والداعم الأساسي للتنظيمات الإرهابية من "جبهة نصرة" وأخواتها في إدلب وحلب وغيرها من المناطق. كيف يمكن الوثوق به وهو الذي نكث بكلّ تعهداته في المناطق التي تعهّد بإخراج الإرهابيين منها. والأهم، كيف يمكن السماح لاردوغان بتنفيذ مخططاته الإجرامية القائمة على التصفية العرقية بحق مئات آلاف السوريين المدنيين الآمنين الذي لم يعتدوا ولو لمرة واحدة خلال كلّ الأزمة على الجانب التركي. قبل يومين من اتصال ترامب - أردوغان، كان يجري الحديث في تركيا عن تعديلات دستورية يقترحها فريق أردوغان، تسعى هذه التعديلات إلى تخفيض نسبة الفوز بالرئاسة من 50% إلى 40%، وهذا طبعاً تحضير من قبل أردوغان لأي معركة رئاسية مقبلة، فعلى الرغم من أن موعد هذه الانتخابات لا زال بعيداً، إلا أن الحراك السياسي في تركيا يثير رعب أردوغان وحزبه، إذ أنّ "العدالة والتنمية" مقدِمٌ على انشقاقات كبيرة بعد خروج قادة مؤسسين من صفوفه (غول، أوغلو وباباجان) وعزمهم على تأليف أحزاب خاصة بهم، وهذا طبعا سيضعف "العدالة والتنمية" التي تقدّر الاستطلاعات أن عدد كتلتها الصلبة تراجعت إلى ما دون 35%. وطبعاً، لا ننسى هنا الانتخابات البلدية التي حصلت منذ أشهر قليلة، وتعرّض فيها "العدالة والتنمية" لانتكاسة في كلّ المدن الكبرى، بخاصة أنقرة واسطنبول. كلّ هذه المعطيات كانت تشير إلى أن أردوغان سيسعى إلى حلحلة الكثير من القضايا التي أنتجت نقمة شعبية على سياساته العدوانية تجاه سوريا، وبالأخص سياساته هذه التي أنتجت حرباً مدمرة، دفعت ملايين السوريين للنزوح إلى تركيا وغيرها من البلدان. وهذا الملف يضغط كثيراً على أردوغان. لذا، فإن أبعاد هذه الحرب تتلخّص بجانبين. أوّلاً، الداخل التركي (النازحون وشدّ العصب القومي)، وثانياً، البعد الخارجي (زيادة الأوراق التي يملكها أردوغان في أي مفاوضات مقبلة حول التسوية في سوريا). مع العلم أن أحزاب المعارضة الكبرى طالبت بوقف هذا العدوان، وحمّلت أردوغان وسياساته المسؤولية عن الوضع القائم، كما اعتبرت أن الحل يكون بإعادة العلاقات مع الحكومة السورية. على كلّ المعنيين بمصلحة ملايين السوريين الذين يعيشون في الشمال، من كرد وعرب وآشوريين وغيرهم من مكوّنات الشعب السوري، وبالأخص القوى المكوّنة لـ"قوات سوريا الديمقراطية" من جهة، والدولة السورية من جهة أخرى، قطع الطريق على أطماع أردوغان، والقيام بتنازلات تؤدّي إلى دخول الجيش السوري إلى هذه المنطقة، وحماية المدنيين من مجازر يسعى "العدالة والتنمية" إلى ارتكابها بهدف ترهيب سكان شمال سورية وتهجيرهم.  

لا حل في العراق إلّا بالتغيير الشامل

 
 في الأول من تشرين الأول، اندلعت مجموعة من الاحتجاجات العفويّة في بغداد وانتشرت في عددٍ من المدن في وسط العراق وجنوبه، بسبب الغضب من الفساد المتفشي للحكومة وعجزها عن توفير الخدمات والوظائف. وبعدما كانت التظاهرات سلمية في البداية، تسبّب إطلاق قوى الأمن للنار في اشتداد غضب المتظاهرين وازدياد عددهم قبل أن يعود الهدوء النسبي تدريجيّاً. كانت الانتفاضة الشعبية العراقية، بكل بساطة، مواجهة مكشوفة بين الفقراء والمهمشين والمعطّلين عن العمل من جانب، والمتخمين القابضين على السلطة ومحتكري ثراوتها من جانب آخر. فعراق ما بعد صدام حسين أولى التمثيل العرقي الطائفي على مؤسسات الدولة التي تدهورت بعدما ملأت الانتهاكات نظام تقاسم الإيرادات- المحسوبية. وفي غياب سياسة اقتصادية فعالة، نشأت حلقة مفرغة: فالأحزاب التي نجحت في المشاركة في الحكومة في انتخابات سابقة استخدمت سلطتها لمنح الوظائف والعقود لمؤيديها، بهدف تأمين الأصوات في الانتخابات التي أعقبتها. وفي الوقت نفسه، تمركزت الثروة متركّزة داخل الحكومة - فصادرات العراق الرئيسية الوحيدة هي النفط، الذي يمثّل 92 في المئة من الميزانية. واستفاد من النظام الجديد مناصرو الاحزاب الحاكمة، في حين تراجعت الخدمات والوظائف لباقي السكان. وإذا نظرنا إلى موازنة عام 2019 البالغة 111.8 مليار دولار، والتي تمثّل زيادةً بنسبة 45 في المئة عن العام 2018، فإن أكثر من نصفها سيذهب إلى أجور القطاع العام والمعاشات التقاعدية، ممّا سيقوّض الإنفاق الاستثماري غير النفطي اللازم لتطوير القطاع الخاص. وبعد تعاقب مثل هذه الحكومات منذ عام 2003، يبدو أن النظام قد اتخذ مساره. فثمة الكثير من الوظائف الحكومية سبق وأن جعلت القطاع العام في العراق من بين الأكثر تضخماً في العالم. وبما أنّ الطائفية والديمقراطية خطان متوازيان لا يلتقيان، فإن النظام الديمقراطي الذي كان يتوخّاه العراقيون انهار بدوره وافقد الناس ثقتهم بالطبقة السياسية التي تدير البلاد، وهكذا صار واحدٌ فقط من بين خمسة عراقيين يعتقد أن بلاده ما زالت ديمقراطية. ونتيجة لذلك، انخفضت نسبة إقبال الناخبين على التصويت بشكل مطّرد، من 80 في المئة عام 2005 إلى 44.5 في المئة عام 2018، في حين صارت الاحتجاجات قضايا موسمية. وعلى غرار أسلافه، يركّز رئيس الوزراء بشكل أكبر على تحديد أولئك الذين يقع عليه اللوم على الاحتجاجات بدلاً من إصلاح المشاكل التي أثارت هذه الاحتجاجات. ولإخفاء عجزها عن إيجاد الحل لجأت الحكومة ومكوّناتها المتنوعة إلى نظريتيْ مؤامرة متناقضتين: تتّهم إحداهما السعودية والولايات المتحدة بإثارة الاحتجاجات، وتلقي الأخرى اللوم على إيران وعملائها المحليين. ومثل هذا الارتياب لن يؤدي سوى إلى عرقلة جهود عادل عبد المهدي لتنفيذ الإصلاحات الجادة التي يطالب بها المنتفضون. ما يجري في العراق، شبيه بما جرى في عواصم عربية أخرى، وبالتالي، قد تلجأ قوى أو دول لاستثماره، وهذا أمر يشكّل خطراً على الحراك وشعاراته وأهدافه، لكنه لا يعني بالضرورة أن الأميركيين هم الذين يحركون الشارع العراقي أو أنّ كل المتظاهرين هم "مخربون" أو "مندسون" أو يأتمرون بأوامر سفارات المنطقة الخضراء، وفق الرائج في الإعلام العراقي الموالي للحكومة. الأزمة في العراق بنيوية وموروثة وعمرها عشرات العقود من الزمن، لكنها لا تبرر لأحد الترحم على نظام صدام حسين الذي لم يُعِد العراق بل الوضع العربي برمّته عقوداً من الزمن إلى الوراء، وبالتالي، من مصلحة القوى السياسية العراقية أن تتبنّى الحراك لتصحيح أهدافه ومنع بعض رموز النظام القديم من محاولة الإستثمار وإعادة عجلات الزمن إلى الوراء.يشكل العراق اليوم ساحة الاشتباك الأساسية بين إيران والأميركيين. ما يجري في الساحات الأخرى مثل سوريا واليمن ولبنان، لا يحجب حقيقة أن المعركة الأساس هي على أرض العراق، وحسناً فعل رئيس الوزراء عادل عبد المهدي بقراره عدم حصر تحالفات بلاده بين محوري واشنطن وطهران، بل هو ذهب للتنويع عبر الانفتاح على الروس والصينيين. وهي خطوة أدت إلى استفزاز الأميركيين وانزعاجهم، لكنها لا تعني أن الرجل يتعرض لمحاولة اغتيال سياسية من الأميركيين، خصوصاً في ظل انتفاء البديل، من جهة، واحتمال أن يأتي خيار أكثر إيرانية من عادل عبد المهدي في حال سقوطه، من جهة ثانية، وهو أمر يدركه أغلب المراقبين للمشهد العراقي. القضية لم تعُد اقتصادية فقط، فالمطالب الآن ترفض النظام البرلماني الطائفي، وتريد نظاماً رئاسيّاً وطنيّاً، أو برلمانيّاً وطنيّاً. وهناك مطالب سيادية، تستهدف إنهاء الهيمنة الخارجية على العراق. وهذه الاحتجاجات ليست الأولى. وما لم تبطل الحكومة نهجها القاسي، ستشتد الاحتجاجات وإذا خمدت قد تتجدد بعد فترة بمضمون أكثر تطرّفاً، مع تداعيات مقلقة محتملة داخل البلاد وخارجها. وهكذا لا بديل عن إنهاء حاضنة المحاصصة والفساد والتمايز الاجتماعي والطبقي الصارخ، المتمثلة بالنظام السياسي القائم ورموزه، إنهائها عبر تغيير جذري مطلوب لتحقيق بديل الدولة المدنية الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.  

لماذا لا يستعاد المال المنهوب، ويبدأ التقشّف من فوق؟

 
لم يكن ما جرى يوميْ الأحد الفائتين من تحركات شعبية في بيروت ومناطق لبنانية أخرى، سوى عيّنة لما يمكن أن يحدث من جرّاء تفاقم الأزمة الاقتصادية الاجتماعية والضائقة المعيشية. ويؤكد شمول هذه التحركات مناطق عديدة، أن الجوع والفقر لا دين له ولا طائفة أو مذهب، وكذلك الثراء الفاحش والفساد. فاللبنانيون بمعظمهم، وبخاصة الطبقات الشعبية، ينتابهم القلق المترافق مع الشعور بعجز الطبقة السلطوية وسياساتها المتبعة، عن إيجاد الحلول لحاضرهم ومستقبل أبنائهم. فهم يشهدون يوميّاً إقفال مؤسسات جديدة متوسطة وصغيرة، ويلمسون تقلّباً وارتفاعاً بأسعار سلع ضرورية، وببدء انخفاض سعر الليرة حيال الدولار الأميركي. ويرون أن في الوقت الذي يتزايد فيه عدد البالغين سنّ العمل سنوياً، المتخرّجين من الجامعات والثانويات والمهنيات، تتناقص فيه فرص العمل التي تملي على أفضل الكفاءات والطاقات الهجرة القسرية. وما دام الاقتصاد الللبناني ريعيّاً وتابعاً لمراكز الرأسمال العالمي وصناديقه ووصفاته، فلا خروج من هذه الأزمات. وإذا ما كان السبب الأساسي لاستمرارها، يكمن في سياسات السلطات المتعاقبة منذ 30 سنة، والتي جعلت الاقتصاد اللبناني الريعي، أكثر تبعية لقوى الرأسمال الخارجي ووصفات صندوق النقد الدولي، فإن استمرارها في السنوات الأخيرة أدّى إلى تسريع الانحدار اقتصاديّاً وماليّاً وفي الوضع المعيشي، خصوصاً لذوي العمل المأجور والطبقة الوسطى. ورغم كثرة التحدّث عن الإصلاح ومحاربة الفساد، لم تُحل مشكلة. ولم يُحاسب فاسد واحد. ويجري الحديث عن اتخاذ تدابير غير شعبية، لتخفيض عجز موازنة 2020، بتحميل الطبقات الشعبية أكلاف أزمة هم ضحيتها وجعلهم أيضاً ضحية ترميمها. ولم يخطر في بال المسؤولين استعادة المال العام المسروق الذي يبلغ أضعاف أضعاف عجز الخزينة لسنوات طويلة. وإذا كان لبنان ليس مُفلساً بل منهوباً، فلماذا الصمت عن الناهبين؟ ولماذا لا يُفرض على حيتان المال في المصارف وكبار الأثرياء الذين راكموا أرباحهم من استغلال الشعب، أن يُسهموا بتخفيض بل إطفاء هذا العجز؟ فلم يعد بوسع الناس تحمّل أوجاع أكبر، وديون على لبنان أكثر، سيدفعها اللبنانيون وأحفادهم والأجيال الجديدة. فلم يتركوا للناس مجالاً واحداً ليتنفّسوا. فقد رفعوا خلسة، فاتورة الكهرباء في بيروت، برفع مائة كيلو واط من الشطر الأول المنخفض سعره، ومائتي كيلو واط من الشطر الثاني، وضمّهم إلى الشطر العالي، فتزداد فاتورة الكهرباء الشهرية حوالي 35%. عدا ما تتضمّنه هذه الفاتورة، وكذلك فاتورة الهاتف والمياه، من أصناف رسوم، تزداد عاماً بعد آخر. ويبشّر المسؤولون الناس، بأن من ضمن تدابير تخفيض العجز، زيادة ساعات تقنين الكهرباء، بعد 30 سنة على توقّف الحرب الأهلية. هذا إضافة إلى التلويح بزيادة أسعار المحروقات. وتأتي مشكلة قانون الايجارات الجديد، لتفرض تهجير من عجزت الحرب الأهلية عن تهجيرهم من بيروت والمدن، وفي ظلّ غياب خطة إسكانية لا حلّ لمشكلة السكن بدونها. ومع أن صندوق مساعدة المستأجرين القدامى لم ينشأ بعد، ثمة قضاة يحكمون على المستأجر بالإخلاء. وجرى توقّف القروض السكنية التي تنعكس سلباً خصوصاً على الشباب وبناء مستقبلهم. وعلى رغم الحديث عن التدابير غير الشعبية، نجد أن عادات السلطويين هي هي... من تشكيل الوفود الفضفاضة والفنادق الفخمة المكلفة جدّاً للخزينة المنهوبة، إلى صفقات في كلّ مشروع. فالتدابير غير الشعبية هي على الناس الذين هم ضحايا سياساتهم وفسادهم، ولا تطال تحاصصاتهم ومحميّاتهم. فتبقى الخزينة سلّة مثقوبة، ويحتمون بطوائفهم. فلماذا لا تطال التدابير غير الشعبية النواب والوزراء ونفقات الرئاسات وأصحاب المخصّصات الكبيرة والمصارف؟ ألا يجب أن يبدأوا بأنفسهم...؟ّ!لم ينسَ الناس الرئيس اليساري السابق للأوروغواي، خوسيه موهيكا، الذي انتهت ولايته منذ سنتين تقريباً. فقد اقتطع من مخصّصه كرئيس، المبلغ الذي كان يعيش فيه قبل رئاسته، وحوّل الباقي إلى جمعيات خيرية، وبقي على تنقله في سيارة فولزفاغن يمتلكها قبل رئاسته، ويتنقّل بدون طبل وزمر. كما شاهد الناس على الشاشات، رئيسة كرواتيا، كوليندا غربار كيتاروفيتش التي اختارت الانتقال إلى سوتشي ـ روسيا في القطار لأنه أقلّ كلفة من الطائرة لتشجيع فريق بلدها لكرة القدم في مباريات كأس العالم.فلماذا لا يبدأ التقشّف من فوق ويُستعاد المال المنهوب؟!!