"لا تسألني عن ديني، مديون وعايف ديني/لا دينك رح يوفي الدين، ولا ديني رح يغنيني... ويا معين عين...".
تلك الكلمات لم تبقَ مجرد لحنٍ تُردّدها ألسِنةُ العلمانيين الذين جسّدوا الأغنية، باستصدار تعميم عن وزير الداخلية والبلديات هذا العام، يقضي بتطبيق القانون وتطبيق حرية المعتقد الذي نصت عليه المادة التاسعة من الدستور اللبناني، اذ ان الدستور اللبناني في المادة التاسعة منه أو في الفقرة (ب) من مقدمته التي التزم فيها بالإعلان العالمي لشرعة حقوق الانسان، قد وضع مبدأ أساسياً هو مبدأ حرية الاعتقاد، اي حرية اختيار الدين والانتماء اليه او حرية عدم اختيار الدين والانتماء اليه، كما وضع مبدأ آخر متفرعاً عن المبدأ الاساسي هو مبدأ حرية إقامة الشعائر الدينية، أي حرية الإعراب عن هذا الدين، أي ان يكون للفرد حرية التعبير منفرداً او مع آخرين بشكل علني او غير علني، عن ديانته. إلا ان تلك الخطوة ما زالت تعميماً فقط، ولم تترجم بمرسوم صادر عن مجلس الوزراء او بقرار صادر عن مجلس النواب. ولكن لا يسعنا في ظل شرعية مزارع الطائفية والكانتونات المذهبية، إلاّ أن نعتبر هذا التعميم خطوة في مشوار الألف ميل نحو قانون مدني عصري للأحوال الشخصية، يرعى حقوق الناس، ليكون أساساً للمساواة بين الجميع بالمواطنة.
تجمّعَ العلمانيون، بعضهم عمرُه حال دون إمكانية شطب الطائفة عن سجل القيد، وآخرون لم يمنعهم ايمانهم او ديانتهم من شطبها من السجلات، كحال السيدة فوزية علي شريفة، التي جاءت من بلدة الزرارية في الجنوب لتزيل شارة طائفتها عن القيد، والتي تعتبرها أموراً مادية لا تعنيها، لذا صرّحت بان "شطب الطائفية يجب ان يكون بالعقول والنفوس وليس من النصوص".
وبالرغم من ايمانها والتزامها الديني، فلم يمنعها ارتداؤها للحجاب من الإقدام على مثل هذه الخطوة، اذ تقول بانها ستبقى محتفظة بديانتها، "فالدين لي وحدي كفرد وليس كمجتمع، فالايمان بالله يتمّ بين العبد وربِّه، والدين "لله" والوطن للجميع... وفي الدنيا ثلاثة احياء؛ الإنسان، النبات والحيوان. ونحن البشر، يجب ان نكون جميعنا ابناء وطن واحد" معتبرة بان التحرك لبِنة أولى نحو بناء الدولة العلمانية.
نادين درويش (15 سنة)، تؤيد هذا التحرك، مشيرة الى انه خطوة نحو تغيير قانون الاحوال الشخصية، كالجنسية، والزواج المدني الاختياري. اما عن عدم تمكنها من ممارسة شطب الطائفة لمن هم دون الثامنة عشر، ترى نادين بان القانون على حق، اذ تعتبر بان الشباب دون الـ 18 سنة غير مؤهلين لاتخاذ القرار المناسب.
رنا عيسى (16 سنة)، تعترض على هذا القانون اذ تعتبر جيلها لديه الوعي الكافي أكثر من الوزراء والمسؤولين، وترى بان الخطوة رمزية، لأن المجتمع طائفي، والشعب لا يملك وعياً كافياً بعد.
الأسير المحرر انور ياسين، صرّح بان التحرك مسألة رمزية لتغيير قوانين اخرى، وقال "التحرك هو خطوة رمزية لتأكيد رفضنا للتمييز الطائفي الحاصل، نحاول من خلالها القول بانه بامكاننا كلبنانيين وبشر ان نتحرر من الطوائف لبناء وطن يحترم مواطنيه كبشر وليس كرعايا".
قاسم كرنيب، أقدم على شطب الطائفة، "لأننا رأينا ماذا فعلت بنا الطائفية والطائفيون، إذ أن ابني سيولد وعليه خمسة عشر ألف دولار دين". وتمنى كرنيب على التحرك ان يكون خطوة من مشوار الالف ميل لبناء دولة، و"معركتنا القادمة استصدار قانون حق الجنسية، واستثناء الفلسطينيين منه، حفاظاً على حق العودة، ومنعاً للتوطين".
علي مهدي طالب بشطب كلمة المذهب أيضاً من إخراج القيد، معتبراً شطب الطائفة "خطوة الالف ميل نحو الدولة المدنية. نحن بحاجة الى قانون مدني عصري للاحوال الشخصية". وطالب مهدي باستصدار قانون الزواج المدني، بدلاً من اللجوء إلى قبرص وغيرها.
جنى كحيل، تعتبر شطب الطائفة من القيد، خطوة تفيد في امكانية الحصول على عمل، "نأمل باعتماد عدم التمييز الطائفي في المؤسسات أولاً، وإيجاد قانون مدني للأحوال الشخصية، وتعديل بعض المواد الدستورية المتعلقة بهذا الشأن" .
هيام، شطبت الطائفة نبذاً للحرب الاهلية و"حذفاً لمسبباتها من أوراقنا الثبوتية قبل ذاكرتنا"، وتمهيداً لفصل الدين عن الدولة.
العلمانيون بعضهم لبّى النداء، والآخر امتنع عن مزاولة ما كان ينتظره منذ زمن، خوفاً من ان يحتسب في الطائفة 19 أو ما يسمى بطائفة "الحق العادي"، أو أملاً في التقدم إلى وظائف الدولة وضمانة مركزه في قانون 6 و6 مكرر.
هل سيستكمل القانون الصادر عام 36 والذي قضى بإنشاء طائفة "الحق العام" بخطوة تطبيق المادة 29 من الدستور اللبناني والتي كرّست في الطائف وتتعلق بإنشاء الهيئة الوطنية العليا لإلغاء الطائفية، لتكون مدخلاً للانتماء إلى وطن وليس إلى مزارع طائفية. أم ستبقى الخطوة ناقصة وتضاف طائفة "الحق العام" إلى اللائحة لتصبح الطائفة التاسعة عشر؟.
*مجلة "النداء"