الأربعاء، تشرين(۲)/نوفمبر 13، 2024

حسن خليل

«الحجر» على أصل البلاء...

Published in لبنان

لم يكن ينقصنا في هذا البلد، المنخور في تركيبته السياسية حتى العظم، إلّا أن يتسلّل إليه، وعن سابق تصوّر وتصميم وتخطيط، العميل الفار من وجه العدالة عامر الفاخوري؛ فبين مجيئه إلى لبنان وتهريبه منه، وفي كلتي الحالتين جهاراً نهاراً، من خلال محميين من السلطة ومحميات فيها، يفتون ويقضون ويهرّبون...
Read more...

التغيير، أبعد من لقاء... هو المواجهة!

Published in رأي

العوارض، هي المؤشر الأولي عن حالة المرض، والمدخل الإلزامي لمعالجته، إلّا أنها  أيضاً، يمكن أن تكون السبب في موت المريض، وذلك في حالتين، الأولى، إذا لم يتم التشخيص بشكل صحيح، والثانية إذا تمت معالجة العوارض نفسها من دون التوصّل إلى معالجة المرض بذاته. هذا الموقف الجدلي الناتج من تزامن العلة مع النتيجة، يمكنه أن يشكّل، في حال تدقيقه، أساساً لمقاربات ربما أصبحت مطلوبة اليوم، ليس للحياة الصحيّة للمواطن فقط، بل في حياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية المعيشة.
Read more...

لسنا رعايا طوائف ولا أهل ذمّة

Published in لبنان

بلغت عملية الاستشارات النيابية، التي كانت مقرّرة الاثنين الماضي، والتي تأجّلت مجدداً لفترة أسبوع، مرحلة خطيرة، ليس بمفاعيلها أو بسبب عدم إجرائها، بل لكونها دخلت، وبقوّة، في مهبّ المحاصّة الطائفية وبزار المزايدات المذهبية. وفي تطور مريب توقيتاً وشكلاً، خرجت من دار الفتوى تسمية مرشح لتأليف الحكومة بعينه، ضاربة بذلك عرض الحائط، بالدستور والطائف وبكل الأعراف، حتى ولو كانت شكلية، وواضعة، في الوقت نفسه، الحرم المذهبي على أي ترشيح آخر. إنّ هذا الأمر، ما هو إلّا استكمال للمنطق المتداول منذ الانتخابات النيابية الأخيرة، والقائم على مقولة "الأقوى في طائفته"، أي بمعنى أدق تحالف الأقوياء في طوائفهم وليس أيّ أحد آخر. وفي السياق ذاته، يندرج ما جاء به كلام مطران بيروت، حول التلميح، والذي هو أوضح من التصريح، بحقّ مكوّن سياسي في لبنان ومن زاوية استقدام عامل السلاح كمحدّد للثقل السياسي، والردود على تلك التصريحات، السياسية منها أو من المرجعيات الدينية، يُضاف إليهما السجال الحاصل حول أحقيّة القانون الكنسي على القانون المدني في قضايا، هي من صلب القانون الجزائي، وبخاصة أن القضية المشار إليها هي قضية تحرش بأطفال قصّار. وإذا أضفنا إلى تلك الأمور المذكورة تصاعد الخطاب الطائفي، الذي يستبطن إشاعة جوٍّ من إعادة الفرز في الشارع، فإن ذلك يعني، بأنّ الأوضاع في الأيام القادمة ستشهد على الأسوأ، وبأن القوى المتحكمة في القرار السياسي لجأت إلى سلاحها القاتل، وذلك من خلال استقدام الطوائف وجمهور المذاهب إلى ساحة المواجهة، تثقيلاً لمواقفها في عملية التفاوض في ما بينها، أو تصويباً عليهم أو على من سيكون معهم. إنّ هذا الأمر ينبئ بتصاعد الانقسام العمودي، وإعادة البلد إلى ساحات طوائفه ومذاهبه، بعدما أسقطت الانتفاضة الشعبية المتواصلة منذ أكثر من خمسين يوماً تلك الحالة، وأسّست لنمطٍ جديدٍ من الاعتراض، قائم على أساس القضايا والمطالب. وعليه فإنّ الأمور ستتّجه في الأيام القادمة إلى المزيد من التوتّر ربطاً بتلك المستجدات، وستشهد الساحات السياسية المزيد من الخطابات المزايدة في الحرص على حقوق الطوائف وزعاماتها، والتي ستكون دوماً تحت مسمّيات العيش المشترك. وعليه فإنّ الأمور ستذهب، من جانب قوى السلطة، نحو إيجاد المخرج الذي يثبّت هذه الحالة ويقوننها بطريقة ما للسير فيها. وستشهد الأيام والساعات القادمة المزيد من التشاور بين أطرافها، بهدف إبقاء الحالة الطائفية على ما هي عليه. من هنا نرى، بأنّ استخدام عامل الدين واستقدامه من قبل أصحاب الغبطة والسماحة والنيافة والفضيلة إلى مسرح الأحداث، مشاركين أو محرّضين، متّخذين المواقف إلى جانب مشاريع سياسية أو أطراف بعينها، ومسخّرين كل ما لديهم من إمكانيات ووسائل، ومستنفرين كل عدتهم وعديدهم للقضاء على أي أمل، ولو كان مفترضاً بإحداث تغيير سياسي أو اجتماعي، سيكون له الأثر الأكبر في منع البلد من الانتقال من دولة المزارع والرعايا إلى دولة وطنية مدنية يشعر فيها المواطن بالانتماء، وينال حقوقه المدنية والسياسية والاجتماعية. ليس أمام جمهور الشعب اللبناني، الرافض لكل تلك الممارسات والسياسات والسلوكيات التي خرج من أجلها إلى الشارع ولا يزال، إلّا الاستمرار في تلك المواجهة. فأيّ عملية تراجع اليوم ستُعطي للمنظومة الحاكمة مشروعية سياسية افتقدتها طوال هذه الفترة؛ فنزعُ الصفة الدستورية عن تلك المنظومة إجراءٌ يجب اللجوء إليه. لقد صادرت دورُ الطوائف وصروحها أدوارَ المجالس الرسمية ونصّبت نفسها في المكان الذي يقرّر من يكون الرئيس ومن هو المسؤول، وحرّمت ذلك وحلّلت ذاك. لقد سقط الطائف بشكلٍ نهائي، وما إكرام الميت إلّا دفنه، لذلك فلتكن الدعوة وبوضوح، إلى إنهاء هذا النظام السياسي القائم على المحاصّة الطائفية، ولإعادة تشكيل السلطة السياسية من جديد وعلى أساس مختلف، يمنع التدخلات فيها الداخلية منها أو الخارجية، من خلال كسر القيد الطائفي. وعلى ذلك فإن الإشهار بذلك الموقف يجب أن يكون في كل الساحات، صوتاً وقولاً وفعلاً واحداً. بالإضافة إلى العمل وبشكلٍ جاد لإنضاج مشروع سياسي بديل عن سلطة الطوائف وأمرائها. إنّ التعنّت و"الدلع" السياسي لبعض الأطراف من خلال وضع الشروط والشروط المضادة تحسيناً لموقعه، معطوف عليها استغلال دولي مشتبه فيه، هو أمر يجب التنبه له لأنه سيُدخل البلد في حالة من الفوضى الموصوفة والتي ستطيح بما تبقّى منه. وبناءً على ما تقدم، فإنّ تشخيص المشكلة ومسبّباتها وحصرها في مسبّبيها، من قوى سلطوية واقتصادية- مالية، تابعة ومرتهنة سيكون الأساس الذي سيُبنى عليه استمرار الانتفاضة وتفعيلها. إنّ وصول الوضع إلى هذا المستوى المتأزّم من التوتّر لا يُنذر إلّا باستنفار الطوائف وقواها مجتمعة لإعادة تمتين ركائز نظامها السياسي، الذي اهتزت بعض ركائزه خلال الفترة المنصرمة. إنّ الدفع باتّجاه بلورة خطاب سياسي واضح، وباتّجاه تقديم السياسي كأساس للمواجهة ربطاً بطبيعة النظام الحاكم، المتداخل فيه السياسي بالاقتصادي وبالاجتماعي من خلال الريع والفساد والمحسوبيّات وغيرها من عدة إخضاع الشعب اللبناني بلقمة عيشه ومستقبل أولاده، لدفعه إلى الولاء الأعمى، يتطلب منّا جرأة باتجاه قول الأمور بأسمائها، من دون أي اعتبار لأي قضية، وطرح ذلك على كل من يشاركنا الرأي لنسير معاً في هذا الاتجاه؛ فالمسؤولية الكاملة في كل ما وصلنا إليه تتحمله، إذن، المنظومة السياسية بأدائها وسياساتها الاقتصادية، المفرطة في الليبرالية، المعتمدة على الاستدانة وبفوائد عالية جداً من دون ربطها بمقتضيات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والتي في صلبها ومعها، بلغ الفساد مستويات غير مسبوقة. لقد أصبحت هذه المعادلة التي حكمت لبنان منذ الطائف وحتى اليوم خطراً واقعاً على البلاد والنظام، هذا ما يشكل المقدمة لولادة وعي جديد لدى فئات اجتماعية واسعة، يقوم على ضرورة تغيير عميق في بنية الاقتصاد اللبناني باتّجاه تحويله إلى اقتصادٍ منتج، واستعادة أو إنتاج دور وظيفي ربطاً بحاجات الإقليم، وهذا سيشكل أساساً لتحالف واسع. ومن المفيد الإشارة هنا، بأنّ على الانتفاضة الشعبية إدراك هذه الضرورة، كي تتحول، من حالة الاحتجاج إلى مشروع سلطة وإلى اجتراح مخرج حقيقي وتاريخي لأزمة لبنان البنيوية والمتجذرة منذ نشأة الكيان. إنّ تعقيدات الداخل وتطورات الخارج، وبالتّحديد ما يجري في المنطقة، تربك الحسابات المتناقضة لقوى السلطة وتبدّل منطلقاتها. فأي من تلك المنطلقات يمكنها أن تشكل قاعدة اتفاق في ما بينها؟ لا أحسب أنّ ثمة جواباً حاسماً عن هذا السؤال عند أيّ فريقٍ من أفرقاء معادلة التسوية الأخيرة. فجميعهم ينظرون إلى الموضوع من زاوية التركيبة الداخلية للنظام السياسي، وهنا، بالنسبة إليهم، الرؤية أكثر وضوحاً؛ فهناك مصالح مشتركة يمكن أنْ تشكّل قاعدةَ أمانٍ لحكمٍ، أطرافه راضون عنه، وعلى ذلك هم فريق واحد. وأيضاً ينظرون من زاوية قضايا المنطقة، وبالتحديد المرتبطة منها بالصراع الدائر وحسابات أطرافه، وهنا تبدو الرؤية مغشاة حدّ العمى، وبذلك يتكوّن الانفصام الواضح في الخطاب السياسي لتلك المنظومة السياسية والاقتصادية-المالية. فبين التحذير، من قبل بعض أطراف السلطة، من التدخلات الغربية على خطّ الانتفاضة ومن خلال قوى سلطوية، وبين النقاش في الشأن الداخلي الدائر اليوم حول كيفية إعادة إنتاج التسوية التي كانت قائمة والاستماتة في إعادتها بهدف إعادة تثبيت السلطة، يكمن التناقض الأساس، ما جعل خطة التشويش على الشيء الإيجابي المحقق اليوم في الشارع، تكون من خلال التشكيك والتخوين واستدراج التوتر المذهبي والطائفي والمناطقي وهذا ما يحصل اليوم. إنّ ذلك يتطلب بناء النقيض، والذي لا يجب أن يكون محلّ مراوحة أو محطّ استمهال، بل أن يتقدّم، وبمشروع واضح يقدم نفسه من خلاله؛ مشروع يجسّد تطلعات الشعب اللبناني المنتفض في كل الساحات وآماله في بناء وطن على قدر التضحيات التي قُدمت. هناك خطوات جدّية في هذا الاتجاه: الصمود في الساحات هو مطلوب، الوضوح في الموقف هو أساس، والبرنامج السياسي للخروج من الأزمة يجب أن يُعلن ومن أصحابه الحقيقيين، والذين هم في الشوارع منذ أكثر من خمسين يوماً. في النهاية، ولأخذ العلم فقط، نحن مواطنون ولسنا رعايا طوائف ومذاهب وأهل ذمّة عند من يصادرون أمر السماء وأمر الأرض.
Read more...

الانتفاضة وجدليّة تكوين الموقف السياسي

Published in لبنان

تسجل الانتفاضة الشعبية، انتفاضة 17 اكتوبر، ولأول مرة في لبنان، حدثاً تاريخيّاً بكل المقاييس، وهوحدثٌ سيؤثّر حكماً، ويطبع بطابعه المرحلة المقبلة، وفي اتجاهين؛ أفقياً، على اتساع الوطن وشمولية القطاعات والقضايا، وعمودياً، على مستوى القوى المنخرطة فيه على ضفتي المواجهة؛ السلطة ومكوناتها، والشعب بكليته وبقواه السياسية – الجذرية منها أو المتسلقة على أكتاف المناسبات للاستفادة الآنية من نتائجها– يضاف إليهما الخارج، وهو الممسك ببعض الداخل، من قوى سياسية مرتبطة به وبمشاريعه، والمعني بالأساس، بالتركيبة السياسية القائمة في لبنان، والتي بطبيعتها تابعة بالسياسة والاقتصاد، لتعكس توازنات إقليمية ودولية محكومة بنمط من علاقات الدول ومصالحها. فالقراءة السياسية لهذا الحدث محكومة إذن بتلك التعقيدات؛ فالتركيبة الهجينة للنظام السياسي جعلت مساحة التقاطع الإقليمي والدولي واضحة وجليّة، ما يجعل كل قراءة تغفل أيّاً من تلك العوامل، ناقصة. وفي المقابل، أي تعامٍ عن الظروف الداخلية للأزمة، والتي لا تنقصها الأدلّة ولا الإشارات، ستجنح بالابتعاد عن الفهم الموضوعي المطلوب في هذا الوقت. فأدلّة الداخل لا تنقصها مؤشرات الخارج، لأن بناءه لم يكن في الأساس من خارج عباءة ذلك الخارج وتأثيراته، لا بل أكثر من ذلك، كان من صلب مشروعه الإمبريالي المستمر. فالنظام السياسي القائم في لبنان، ومنذ وجوده ككيان مستقل، لم يكن، لا في الشكل ولا في المضمون وكذلك في الوظيفة، إلّا استجابة لخارجٍ استثمر مبكراً في طبيعة هذا البلد وتركيب منظومته، السياسية والاقتصادية، القائمة على الجمع بين الطوائف، ككيانات "مستقلة" ضمن منظومة تحاصص واحدة، لكنها ليست ثابتة، تتبدل أدوارها وفق تبدل الوصايات الدولية؛ فَعَمِل، أيذلك الخارج، على ترسيخ تلك الوضعية كما على تطويرها وحمايتها. فأي خلل ناتج عن سلوك هذه التركيبة أو مشغليها، كان يُعَبّر عنه بتوترات وحروب أهلية، تَخرج البلاد بعدها بنمط علاقات جديدة تُصاغ بين مكوناتها "المستقلة" تعكس نتائج تلك الحروب. فعلى ذلك التقاطع، البنيوي والشديد الوضوح، القائم بين الداخل والخارج، سنقدم الرؤية المفترضة لفهم الظروف ولقياس المقاربات؛ فالطبيعة التابعة–المستدامة للنظام السياسي في لبنان أعطت لذلك الخارج "مونة" وازنة على الداخل، وهذا مفهوم ومعلن وليس مستتراً، وقد طاول حجم التدخل، مختلف القضايا وبكل الأساليب والطرق، ما أوجد أرضية التقاطع تلك، الواقعة بين تحديات مشاكل المنطقة وتطوراتها وتعقيداتها من جهة، واستجابة القوى الموجودة لتنفيذ أدوار مطلوبة منها في الصراعات الدائرة من جهة أخرى. هذا التناقض أوقعها في انفصام جليّ ومستدام فيطبيعة موقفها وسلوكها والدور المطلوب منها، ولو أدّى ذلك إلى تناقض مع "شريكها" المحلي. وهذا ما شهدناه تكراراً طوال مرحلة من عمر لبنان المستقل. بالاستناد إلى هذه القراءة يمكننا مقاربة هذا الحدث "التاريخي"، الذي يجري اليوم، بغض النظر عن النتائج المتوقعة أو المرجوة منه؛ هو حدث غير مسبوق في التاريخ المعاصر للبنان، بحيث ينتفض الشارع متخطّياً، ولو بالشكل، حدود الانقسام المذهبي والطائفي والمناطقي الذي عاشه أطواراً متتالية من الزمن. فهذا الانزياح "الجنيني"، الذي ظهر، وفي كل المناطق، والذي عُبّر عنه بخطاب موحّد، إلى حدٍ يمكن البناء عليه، قد يجعل إمكانية التفلت من كوابح المذاهب والطوائف أمراً متاحاً ولو جزئياً، بالإضافة إلى تلمس حالات من التمرد الخجول على خطابات سياسية، لطالما ربطت الجمهور بمصالح من خارج مصلحته المباشرة، فظهر الناس في انتفاضتهم اليوم وهم أكثر جرأة على الإشهار بغضبهم، والذي لم يرقَ بعد إلى حالة من التفلت أو الانفكاك عن وعيهم الطائفي باتجاه آخر وطني أو طبقي، وهذا أمرٌ لا يمكن التغافل عنه أو تخطّيه، إذ لا يمكننا هنا تسجيل تقدم ملحوظ في هذا المجال بل إرهاصات محسوسة أو مفترضة لذلك التقدم، لا بدّ من التدقيق فيها، وأخذها من ثمّ، في الاعتبار. وعليه، يبقى الرهان على تجذير تلك النزعة "الانفصالية" الحاصلة ولو جزئياً وتطويرها إذا أمكن، ومن ثم تثبيتها عند الحدود التي نستطيع البناء عليها. هذا الأمر يتطلّب إحداث تلك النقلة النوعية المطلوبة، وبعيداً عن أي أوهام أو التباسات، بين حدّين متوازيين: حد المجاهرة المعلنة برفض السائد والموروث، وحدّ الاقتناع بالخطاب المعلن والموجود اليوم والمُعَبّر عنه في الشارع، ولو بطريقة مرتبكة. وهذا لن يتم إثباته والركون إليه، إلّا من خلال توضيح السقف السياسي وخطابه المعلن ونتيجته، والتي ستشكل فرزاً واضحاً في المواقف، لا لبس فيه ولا التباس، وهذه هي النقلة النوعية المطلوبة اليوم والتي يمكن الرهان عليها لبناء المستقبل. إن المجاهرة في رفض النظام السياسي القائم، وتحميله وزر الأزمات المتلاحقة، والتي أوصلت البلد إلى الانهيار واستكمالاً، تحميل من تولى السلطة المسؤولية السياسية عن ذلك، باتت من ثوابت كل تلك الساحات، وإن تباينت أو التبست بين ساحة وأخرى، أو اندرجت في خانة ردة الفعل العفوية، وأحياناً المفتعلة. كما أن ضرورة إحداث تغيير في بنية السلطة السياسية وفي المنظومة الحاكمة، شغل قسماً كبيراً من الخطاب السياسي المواكب، والذي كان يترجّح بين سقوف متباعدة، وأحياناً متناقضة. فالمسافة بين الحد الأقصى والحد الأدنى للخطاب، لا تقاس هنا بالفارق الجوهري أو النوعي، بل بمنطق الاختلاف الحاصل والمعلن بوضوح في الوعي السياسي لهذا الشخص أو ذاك أو لهذه المجموعة أو تلك وكذلك لخياراتها. فنكاد نتحصل، وفي الوقت نفسه، على موقف سياسي واضح وعالي السقف من كل الساحات وأيضاً نقيضه. وهذا إن دلّ على شيء، فإنه يدل على حجم التفاوت الموجود بين المشاركين، وأيضاً على شمولية الحراك الذي يشمل أكثرية الشعب اللبناني، بمناطقه وإقطاعاته السياسية والطائفية والاجتماعية والطبقية. بناءً على ما تقدم، فإن استخراج الموقف السياسي من نبض الشارع يصبح بذاته أمراً أكثر إلحاحاً، وإن لم يشكل إجماعاً آنياً. الخلاصة المحققة من كل تجارب التعايش مع هذا النظام السياسي تؤكد بأنّ لا حل إلّا بتغيير أساسه، وإعادة تكوين السلطة على قواعد جديدة، انطلاقاً من ثابتة، ولو أنها غير مكتملة العناصر، وهي أن الشعب قد تخطّى، ولو مرحليّاً، حاجز الخوف الوجودي الذي وضعه فيه أصحاب الطوائف. وعليه، يصبح الانطلاق من هذه الأرضية الصلبة للموقف الذي سيُبنى عليه المشروع، قادراً على إطلاق برنامج تأسيسي لدولة وطنية بمهام وبرامج وسياسات تستطيع من خلالها التصدي، بكفاءة وبمسؤولية، للتحديات الكبرى التي ستواجهها مستقبلاً، إن كان على مستوى مواجهة الأخطار والمشاريع الإمبريالية من خلال إقفال أبوابها إلى الداخل وتعطيل مفاعيلها، أو على مستوى تحديات مشاكل الداخل الذي يعاني، بدوره، فقدان المناعة المطلوبة. إن بناء الدولة يجب أن يلحظ ضرورة الربط ما بين طبيعتها ووظيفتها، لأن التركيبة الداخلية للمنظومة السياسية هي شرط أساسي لإشهارالأساس الحقيقي لبرنامج المواجهة. لقد أهدرت التركيبة الحالية، المتوارثة والمهجّنة، والتي حكمت البلد منذ مدة طويلة، الكثير من الوقت والفرص والإمكانيات؛ فطبيعة النظام السياسي القائمة على المذهبية والطائفية، قد أفقد النظام متانة وحدته الضرورية للتصدي لمستلزمات بناء الدولة بكليتها. كما أن العلاقة التشاركية بين الكتل المكوّنة لتلك التركيبة جعلت نمط العلاقات البينية بين أطرافها تتّسم بالريبة وأحياناً بالتوجس، ما جعلها تهتز عند أي حدث، داخليّاً كان أم خارجيّاً. فمع تلك التركيبة المصطنعة، وبدورواضح من الخارج، أصبح لكل مكوّن علاقاته الداخلية، التي ترسمها خطوط الطوائف وحدود مصالحها وتقاطعاتها وطبيعة سلوكها، وأيضاً نمط علاقاته الخارجية، التي يستمد منها الدعم والمؤازرة متى تطلبت خياراته الداخلية ذلك، أو متى طلب منه الخارج تنفيذاً لأجنداته. في الحصيلة المضمونة، أصبحت المناعة الداخلية للبلد، ربطاً بنظامه السياسي، غير قادرة على الوقوف في وجه هذه التحديات. ومع هذا الثقب الأسود المُتأتّي من ذلك، وخطورة فتح الطرقات الداخلية أمام تلك المشاريع، فإن البناء على شمولية التحرك يصبح الهدف المطلوب، وإن شابه بعض التشويش المقصود أو المخطط له، نظراً لأنّ الغاية الكبرى (الشمولية) تفسد الغايات المشتبه فيها (الجزئية) وتعطّلها، حتى ولو أدارتها دول ومنظمات ورؤوس أموال لها ارتكازاتها الطائفية والمذهبية. كما أن الانكفاء خلف نظرية المؤامرة، والتي هي موجودة بكل تأكيد، والتستّر بها، لا يمكن أن يؤسس لمواجهة جديّة معها، لا بل يعطي أصحابها دفعاً إضافياً نحو تحقيق غايةٍ من اثنتين: إمّا تحقيق أهدافهم وإمّا إحباط الأهداف الحقيقية للانتفاضة، وفي كلتا الحالتين هو انتصار لهم وهزيمة لنا. لذلك يصبح فرز الساحات ضرورة تفرضها موجبات المواجهة وضمانة مزدوجة، للنجاح ولمنع المصادرة في الوقت نفسه. على تلك الأرضية، يصبح طرح شعار إسقاط النظام السياسي في لبنان ضرورة في المواجهة الشاملة مع المشاريع الإمبريالية المقيمة في منطقتنا أو القادمة إليها؛ فالطبيعة التابعة للنظام السياسي هي بذاتها إحدى أدواته، وعليه تصبح المقاربة أكثر جدية وموضوعية ووضوحاً، وأكثر قابلية للتحقّق، فيما لو أن زخم تلك التحركات جرت الاستفادة منه في هذا الإطار. وأيضاً، فإن الدور الخارجي لن يكون بعيداً عن الاستفادة من هذا الوضع، وأن يستثمر فيه تنفيذاً لمشروعه، منطلقاً من نقاط ارتكاز محلية، سياسية ومالية واقتصادية. أمّا مهمة التصدي لهذا "العدوان"، فيجب أن تكون من خلال تعديل موازين القوى لمصلحة من يرى في النظام السياسي الحالي وسياساته وسلوكه استجابة لمشاريع غربية تحاول وضع يدها بالكامل على المنطقة، ما يحرم الخارج، في هذه الحالة من أدواته، ومن لعب دوره، ما قد يفقده إمكانية الاستخدام والتجيير والاستفادة. إنّ الانتفاضة الشعبية دخلت لاعباً جديداً على خط التوازنات السياسية والتحالفات في لبنان. وعلى هذا الأساس يصبح تطويرها وتصعيدها مسألتين ضروريتين تفرضهما طبيعة المواجهة القائمة؛ فتغيير السياسات مرتبط بتغيير موازين القوى وإعادة تشكيل السلطة وفق مكونات جديدة، تعكس، إلى حد مقبول، طبيعة القوى السياسية والمجتمعية التي تمثل، ليس على صعيد القضايا فقط، بل على صعيد نبض الشعب اللبناني الذي يرفض المشاريع التقسيمية في المنطقة وفي لبنان، ويعمل على مقاومتها والتصدّي لها، كما يرفض في الوقت ذاته التبعية للسياسات الاقتصادية والمالية والارتهان لها ولمؤسساتها الدولية، والتي تشكل الذراع المالية للإمبريالية. وعلى هذا الأساس نرى اليوم بأن المهمة الأساس هي استكمال تلك المواجهة، باتجاه إعادة تشكيل السلطة وفق آليات جديدة تعكس المستجد الحاصل داخلياً، مع الإشارة، لا بل التأكيد، أنّ "الخرق"، باتجاه بنية النظام، لن يكون إلّا أحد الأهداف التي يجب الوصول إليها، وأيضاً من خلال التحوّل باتجاهات جديدة في الاقتصاد وبوجهة تحررية، من إرث متوارث لا يزال معمولاً به إلى آخر يكسر بأبعاده، وبما يهدف إليه، التبعية المتوارثة، ويفتح أفقاً جديداً يتماشى مع المتغيرات الحاصلة على الصعيدين الإقليمي والدولي. فالتكامل الاقتصادي بين الدول مع الانفتاح على أسواق أو وجهات جديدة يمكنها أن تشكّل الخرق الحقيقي لتغيير مسار تقليدي أوصل البلاد إلى الأزمات المتتالية التي نعيشها. هذا الأمر يتطلب النظر في اتجاهات جديدة تخالف السائد، وتعمل لاستمالة قوى إضافية، ومن مواقع متقاربة؛ قوى تستطيع تقديم دعم إضافي، مطلوب بإلحاح الآن، إن أردنا التأسيس لمرحلة جديدة في الوضع اللبناني ومساره، وإلّا سيلزمنا عقوداً إضافية من السنوات كي يعاود الشعب اللبناني حركته هذه؛ ربما لأن دورة "الاستفاقة" له، يلزمها أطواراً كي تتجدّد.
Read more...

العدوان شامل: ماذا عن المواجهة؟

Published in لبنان

مشهدان تصدّرا واجهة الأحداث في لبنان خلال الأيام القليلة الماضية: الأول، العملية التي نفّذتها المقاومة في مستعمرة "أفيفيم"، والثاني، العقوبات الأميركية على لبنان، وبالتحديد على القطاع المصرفي. قد لا يبدو، أقلّه بالشكل، أنّ ثمة ترابطاً بين الحدثين، لكن، في الجوهر، يكاد يكون الاستهداف واحداً والمعركة واحدة، ومن خلال مخطّط مدروس الخطوات ومعلوم الأهداف؛ هو قرار متخذ من قبل دوائر "البيت الأسود" لمحاصرة لبنان ولضرب بنيته الاقتصادية والاجتماعية، وبالتحديد منها، البنية التي تحمي خيار المقاومة فيه وفي المنطقة والمجاهرة بذلك.
Read more...

مشهدية الصراع... والمقاومة

Published in فلسطين

-++++++المشهد الأول، هو الاعتراض على بضع كلمات في أغاني فرقة فنية في لبنان، بذريعة مسّها بعض الأديان، وما تلا ذلك من تهديدات بالقتل واجتماعات دينية وسياسية وكلام في الإعلام وعلى وسائل التواصل الاجتماعي... ومن ثم إلغاء الحفل!. المشهد الثاني، طفل فلسطيني-مقدسي، ابن أربع سنوات، يُساق إلى التحقيق بناءً لاستنابة قضائية من شرطة الاحتلال بتهمة قذفه الجنود الصهاينة بالحجارة؛ يسير بكل جدارة حاملاً كيس طعامه، والأساسي فيه هي علبة الحليب!
Read more...

تموز: خطوط الدم وحدود المواجهة

Published in لبنان

"هذه أوجاع ولادة الشرق الأوسط الجديد"، كان هذا رد كونداليزا رايس، وزيرة الخارجية الأميركية، على سؤال حول عذاب الشعب اللبناني، وبخاصة الأطفال، نتيجة العدوان الصهيوني، خلال مؤتمرها الصحافي في بيروت في تموز 2006. إنَّ منطق السيدة رايس وجوابها ليسا بحاجة إلى كثير من الشرح لتبيان مضمونهما الإجرامي، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، لن ننسى أيضاً مئات الآلاف من المواطنين الذين نزلوا إلى الشوارع، وفي الوقت نفسه، في بيروت كما في باقي العواصم العربية، وكذلك في باريس ولندن ومدريد وكراكاس وفي العديد من العواصم والمدن العالمية، رافضين ومنددين بالعدوان الصهيوني المدعوم والمُشجّع من السياسة الأميركية؛ هذه السياسة التي جعلت وتجعل من كل أعمالها الوحشية والإجرامية، كما لو أنها أعمال شرعية وصحيحة، خصوصاً عندما تضعها تحت شعار "الديمقراطية وحقوق الإنسان".
Read more...

...اتحدوا

Published in لبنان

ويحلّ الأوّل من نوار هذا العام، وعمال لبنان والعالم يعانون وزر التسلط والاستبداد اللذين تمارسهما رأسمالية متفلّتة من كل ضوابط أخلاقية وسياسية؛ رأسمالية أخذت على عاتقها نهب الشعوب وتجويعها وسلبها حرياتها وربطها بتبعية سياسية واقتصادية وإغراقها بالحروب والاستغلال والحصار والعقوبات والاحتلال...
Read more...
Subscribe to this RSS feed