الأحد، كانون(۱)/ديسمبر 22، 2024

فنزويلا.. الإنقلاب الفاشل والتآمر الأميركي المستمر

عربي دولي
الإنقلاب الفاشل الذي جرى يوم 30 نيسان المنصرم، ضد الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو وحكومته، شكّل ضربة قوية لليمين المتطرف الداخلي الذي يمثله خوان غوايدو، صنيعة واشنطن، وفشلاً للسياسة العدوانية الأميركية ضد فنزويلا وكوبا ونيكاراغوا، الذي يجاهر بها جون بولتون مستشار الأمن القومي الأميركي، وبومبيو وزير الخارجية، وإبرامز، المكلف بالملف الفنزويلي، والرئيس دونالد ترامب نفسه.ويزيد من مغزى هذا الفشل، كونه يحدث بعد حربٍ اقتصادية طويلة وشديدة على فنزويلا، وفرض عقوبات عليها، وصلت إلى مصادرة الإدارة الأميركية عشرات مليارات الدولارات التي تخص فنزويلا، وشملت بنوك في دول أوروبية. وقد ترافقت هذه الهجمة بحملة إعلامية تحريضية ضخمة، ترمي الى استغلال الضائقة المعيشية التي يُحدثها الحصار والعقوبات من جهة، والارتباك والقصور في معالجة السلطة الفنزويلية للأزمة الاقتصادية والمعيشية المذكورة، من جهة أخرى.

لقد كان تركيز إدارة واشنطن في العمل لإسقاط حكومة مادورو الدستورية، على اعتماد صنيعتها غوايدو، وأدواتها داخل فنزويلا، وعلى دعم كل قوى اليمين، وخلق انشقاقٍ واسعٍ في الجيش لمساندة العملية الانقلابية. إلّا أن الحسابات الأميركية أثبتت خطأها. فرغم كل هذه المقدمات، والإعداد داخل فنزويلا وفي محيطها الأميركي اللاتيني والمتاخم لها، مثل كولومبيا والبرازيل، عجز المخطط الأميركي عن تحقيق هدفه بإسقاط مادورو وتنصيب غوايدو بديلاً له في رئاسة الدولة.
ومن تداعيات فشل الانقلاب، بروز ضعف المعارضة اليمينية الداخلية وحدوث تمايزات واختلافات بينها، خصوصاً وأن قسماً منها غير راضٍ عن قيام واشنطن بإدارة الصراع في فنزويلا بصورة سافرة.. وتعزّز موقع سلطة الرئيس مادورو والنهج البوليفاري الاستقلالي ومؤيدوه، على صعيدي الجيش والشعب. وبرز ذلك جليّاً في التظاهرة الشعبية الضخمة في أول أيار، تأييداً للسلطة الشرعية، وإدانة لغوايدو والتدخل الأميركي. كما من التداعيات، ما ظهر من تباين داخل مواقع الإدارة الأميركية والقرار فيها، على أثر الفشل. لكن المغزى الأهم، هو التأكيد بأن إرادة السلطة الأميركية وتوحّشها الرأسمالي للسيطرة على ثروات فنزويلا الضخمة ونهبها، من البترول إلى المعادن الثمينة، وعلى الشعوب بوجه عام، ليست قدراً. فما أظهره صمود كوبا الثورية، وهزيمة واشنطن ومرتزقتها في غزو خليج الخنازير (بلايا هيرون) عام 1961، واستمرار وتعزّز قوة المثال الكوبي، يتأكد اليوم من جديد بفشل هذا الانقلاب وما سبقه من محاولات.
لكن ليس طبيعيّاً الظن بأن الفشل المذكور هو نهاية حاسمة للصراع. فالإمبريالية قد تُغيّر أدواتها وأشكال وأساليب تآمرها، لكن جوهرها ينضح بالعدوانية طمعاً بنهب ثروات الشعوب، وفرض التبعية لها. وهي ستلجأ للاستفادة من كل ثغرة أو نقطة ضعف في فنزويلا وأوضاع شعبها... فلا أخلاق ولا قيم تردع هذا العدو على تكرار وتعميم أعمال التخريب في الكهرباء وغيرها، ومن بينها خلق حالة استنزاف واضطراب في البلاد، وتكرار استخدام مرتزقة كما في "خليج الخنازير"، في جزء من أرض فنزويلا، مستفيدة من الحدود الطويلة مع كولومبيا مثلاً، حيث للولايات المتحدة سبعة قواعد عسكرية فيها. فالسياسات الأميركية المعادية لفنزويلا وكوبا وشعوب أميركا اللاتينية، هي نفسها المعادية لشعوبنا العربية، من قضية تهويد القدس، وما يسمى بـ"صفقة القرن" إلى إعطاء الجولان السوري المحتل للسيادة "الإسرائيلية"، إلى الدعم المفتوح للكيان الصهيوني، وممارسة الضغوط ضد مقاومة الاحتلال وتهديداته للبنان، وحرمانه في الوقت نفسه، من توفير متطلبات حمايته بتعزيز قدرات جيشه، جوّاً وبحراً.
إن هذه السياسات المناقضة كليّاً لمبادىء السيادة والاستقلال والقوانين الدولية، تتعاطى مع البلدان والشعوب بمنطق شريعة الغاب، الذي يقوم فيه الأقوى بافتراس الأضعف. لكن ذلك يحدث في الغاب بدافع الجوع، ويتوقف عند حدود الشبع، في حين أن الرأسمال الكبير وأصحابه لا حدود للشبع لديهم. وأنهم أكثر عدوانية وشراسة من وحوش الغاب.
إن مواجهة الهجمة الأميركية المستمرة، لا تقتصر على اليقظة، وعلى وصول عدد المنضوين في الميليشيات الشعبية في فنزويلا إلى مليونين، لمؤازرة الجيش في التصدي لأي عدوان خارجي. فمع ضرورة ذلك، لا بد من معالجة الوضع الاقتصادي والمعيشي، بتعميق نهج الإصلاح وتنوع القطاعات الاقتصادية، وتوسيع القاعدة السياسية والشعبية للسلطة، إلى جانب الاستفادة من انتهاء سيطرة أحادية القطب الأميركي، ومن الدور التضامني والنضالي للشعوب ضد العدو المشترك.