الأربعاء، أيار 14، 2025

الطلاب يصنعون المستقبل، الآن!

 
لقد أثبت الطلاب اليوم، سواء طلاب المدراس والثانويّات أو طلاب الجامعات، عن وعي كبير للمرحلة التي يمر بها الوطن، وهو ما يؤكّد على الدور الريادي الذي لطالما قامت به الحركة الطلابيّة في لبنان. نشهد اليوم على حركة طلابيّة لم تنتظر من أحد اعترافاً صريحاً بشرعيّتها أو بوعيها، لم تقف هذه الحركة عند حاجز "سن الرشد القانوني" الذي يحول دون إمكانيّة مُشاركتها بالقرار السياسي في هذا الوطن، دون إمكانيّة مُشاركتها بانتخاب السلطات التشريعيّة في وطنها. ومن هنا، نسأل اليوم، ألم يحن الوقت للاعتراف لهذه الشريحة بقدرتها على التعبير عن رأيها السياسي، عبر تخفيض سن الاقتراع إلى سن الثامنة عشر؟ ألم يُبرهِن طلاب الثانويّات اليوم عن وعي كامل، يكاد يفوق وعي الكثيرين من أبناء هذا الوطن الذين حرِصوا على وصول تلك السلطة الفاسدة إلى سُدّة الحكم؟ دورنا اليوم في هذه الانتفاضة الشعبيّة، كطلّاب في الجامعة اللبنانيّة، هو أن نوحّد الصفوف ونسعى إلى بلوَرة مطالبنا المُحقّة، الكفيلة بالنهوض بجامعتنا، التي تُشكّل السبيل العلمي الوحيد للنهوض بالوطن.إنّ استقلاليّة الجامعة اللبنانيّة الإداريّة عن السلطة السياسية، هي أولويّة اليوم، وذلك بهدف حمايتها من التجاذبات السياسيّة والتدخّلات الحزبيّة، المُرتكزة على المُحاصصة والعلاقات الزبائنيّة، التي تعكس الواقع السياسي العام في لبنان؛ كما تُشكّل الاستقلالية المالية للجامعة ضرورةً في هذه المرحلة، يمكن تأمينها من خلال المداخيل المُباشرة، عوضاً عن تجيير مئات آلاف الدولارات سنويّاً، من جيوب الطلّاب إلى الشركات الخاصّة (Libanpost) عبر تلزيم تلك الأخيرة تخليص المُعاملات الإدارية التي تُشكّل مداخيل سنويّة ثابتة.لقد عملت هذه السلطة طيلة السنوات الماضية على تفريغ جامعتنا الوطنيّة من إمكاناتها الماديّة والمعنويّة، ومنعها من تفعيل دورها كمؤسّسة لإنتاج وممارسة وتعليم البحث العلمي، فيما تُخرّج كليّاتها ومعاهدها سنويّاً "جيشاً" من الباحثين والباحثات، القادرين على رصد ومعالجة مشكلات الوطن.لذا يتوجّب علينا اليوم كطلّاب المطالبة بإعادة تأسيس الجامعة كرافعة للمجتمع، من خلال البحث العلمي المُتخصّص الذي يربط بين الاختصاصات والمسارات التخصصيّة في كليّات ومعاهد الجامعة، وبين القطاعات المُختلفة في لبنان، لتكون الجامعة الوطنيّة قلعة للإنتاج البحثي والمعرفة العلميّة، بحجم مهمة بناء وطن منيع مستقل اقتصاديّاً وسياسيّاً. وقد عبّرت حناجر وصرخات الناس على امتداد البلاد عن ملامح هذا الوطن، في الانتفاضة المجيدة، منذ 17تشرين الأول/ أكتوبر. الأحداث الأخيرة التي شهدتها الحركة الطلابيةشارك طلاب الجامعات والثانويات في الانتفاضة منذ أيامها الأولى ولكن الحراك الطلابي لم يتبلور ليكون حالة أساسية في المشهد السياسي إلّا منذ أيام قليلة وبعد عدة تراكمات منها دور المكاتب التربوية في إجبار الطلاب على الحضور وتهديدات مدراء المدارس للطلاب بالطرد، كلها عوامل أدّت إلى تفجّر الحركة الطلابية من صيدا وانتقلت لتعمّ كل أرجاء الوطن.فعمّت المسيرات الطلابية، في مختلف المناطق اللبنانية، حيث توسّعت دائرة المشاركة من طلاب الجامعات والمدارس في موازاة استمرار المتظاهرين في استراتيجيتهم الجديدة في التحرك بالاعتصام أمام المؤسسات الرسمية.كانت محطة الاحتجاج الأكبر في بيروت عند وزارة التربية، حيث أُقفلت الطريق بشكل كامل، ورفع الطلاب يافطات تطالب باستحداث مدارس رسمية وتندّد بارتفاع الأقساط في المدارس الخاصة. عمد الطلاب إلى التنقل بين الجامعات داعين زملاءهم للانضمام إليهم ومطالبين الإدارات بإقفالها، توافد مئات الطلاب إلى ساحة رياض الصلح بعد الظهر وهم يهتفون بالشعارات الوطنية الموحدة بين كل اللبنانيين بعيداً عن الطائفية، مطالبين بإحداث تغيير وطني صحيح يبدأ بمحاسبة الفاسدين وإعادة المال المنهوب. ونُظّمت مسيرة مماثلة في جونية وانتقلت إلى ساحة المدينة حيث افترش الطلاب الأرض، وانتقلوا بعدها إلى مكاتب شركة «ألفا» مغلقين مدخلها. وفي عاصمة الشمال طرابلس، خرج آلاف الطلاب بمسيرات عدة جابت شوارع المدينة، رافعين الأعلام اللبنانية. تحرك مجمع الحدث... حدث تاريخيدعا تكتل طلاب الجامعة اللبنانية إلى تظاهرة طلابية في مجمع الحدث وذلك الخميس 7 تشرين الثاني/ نوفمبر، تحت عنوان "من الجامعة اللبنانية إلى الوطن". لبّى الطلاب الدعوة بكثافة وكُنّا أمام مشهد تاريخي، حيث وصل عدد المشاركين إلى ما يزيد عن ثلاثة آلاف طالب. جابت المسيرة أرجاء مجمع الحدث كاسرة لحاجز الخوف الذي لطالما هوّلت الأحزاب الطائفية به. وفي قراءة هذا التحرك عدة معطيات أساسية:- تلاحم الحركة الطلابية مع القضية الوطنية، أي أن الطلاب تحرّكوا لمطلب أشمل من قضية جامعية تفصيلية. تحرّك الطلاب من أجل وطنهم وسعياً لبناء مستقبل أفضل.- المطالب المرفوعة تعكس وعي طلابي عالي، ومنها استقلالية الجامعة اللبنانية الإدارية وإقرار قانون البحث العلمي وميزانية الجامعة اللبنانية. تكتل طلاب الجامعة اللبنانية بديل عن اتحاد طلاب الجامعة اللبنانيةشكل تكتّل طلاب الجامعة منذ تأسيسه من سبعة شهور علامة فارقة في التاريخ الحديث للحركة الطلابية. تأسّس هذا التكتّل في خضم إضراب أساتذة الجامعة اللبنانية أواخر الفصل الثاني من العام الدراسي 2018-2019. وقد لعب التكتّل دوراً أساسيّاً في تحصيل وحماية ميزانية الجامعة اللبنانية ودفع بشكل فعّال ليحقق أهل الجامعة انتصاراً على السلطة السياسية الساعية وبشكل ممنهج لتدمير الجامعة. ويضاف إلى ذلك، الإعلان الذي اتخذه التكتل بمعارضة ومقاطعة الإنتخابات الطلابية وفق قانون أُسقط على الطلاب من قِبل مجلس الجامعة، رافضين الهرمية والأحادية في اتخاذ القرارت في القانون كما النسبية المشوّهة، اللوائح المكتملة الإقصائية والعنصرية المتمثلة في إقصاء الطلاب غير اللبنانيين من حقهم في الانتخاب والترشح. غابت الانتخابات الطلابية منذ عشر سنين، وتمّ ضرب اتحاد طلاب الجامعة الوطنية خلال الحرب الأهلية مما جعل طلاب الجامعة اللبنانية دون ممثل فعلي طيلة سنوات طويلة. تكتل طلاب الجامعة اللبنانية هو تكتل للطلاب المستقلين الساعين بحسب تعريفهم لحماية الجامعة اللبنانية وتحصيل حقوق طلابها. كما يسعون للارتقاء بالعمل الأكاديمي والبحثي في الجامعة. هذا في التعريف، أمّا بالشكل العملي، التكتل موجود في معظم فروع الجامعة اللبنانية في مختلف المناطق. وهذا الانتشار ساهم في تحركات طلابية في مختلف أنحاء الوطن خلال الانتفاضة الشعبية الحالية. بناء على ما تقدم هذا التكتل قد يكون بديل فعلي على الأرض عن أي اتحاد تعيد السلطة إحياءه بما يخدم مصالحها، ليترك تكتل طلاب الجامعة اللبنانية بصماته في تاريخ الحركة الطلابية والوطن.  

استخَفّوا بالشعب، فانفجرت الانتفاضة الشاملة

 
لم تكن انتفاضة شعبنا الرائعة وليدة الساعة. وهي ليست فشة خلق عابرة ولا هي بدفع من زعيم سلطوي لطائفة أو مذهب. إنها انتفاضة شعبية عابرة للطوائف والمناطق. وهي نقيض سلطة التحاصص الطائفي التي لم تنجح في تحويلها إلى صراع طائفي. فالشعارات والمطالب التي ترفعها الحشود الهادرة في الساحات والشوارع في جميع المناطق اللبنانية، متماثلة وواحدة: إسقاط النظام وإسقاط السلطة، محاسبة الفاسدين سارقي مال الشعب واستعادة المال المنهوب، رفض أي ضريبة على الطبقات الشعبية وفقراء لبنان ورفض الطائفية،... وتميّزت المطالب بصرخة الشباب المدوّية لضيق فرص العمل، ولعدم شمول الضمانات الصحيّة كل اللبنانيين. وقد عبّرت مئات ألوف المنتفضين بل التظاهرات المليونية، عن وجعها وغضبها على السلطة القائمة، وسياساتها المعتمدة منذ 30 سنة. وقالت بكل وضوح انها لم تعد تثق بالطبقة السلطوية وممارساتها وتوافقاتها، التي أوصلت البلاد والشعب إلى حالة الانهيار. لذلك رفضت الحشود الضخمة ما يُسمّى بورقة الإصلاح التي أقرّتها الحكومة، والتي رغم أن إقرارها تحت ضغط هذه الانتفاضة، يظهر قدرة الشعب ودوره، فإنّ الناس ذاقت مرارة التجربة الطويلة مع الطبقة السلطوية ووعودها التخديرية. لذلك تستمر المواجهة بين الشعب وحقوقه ومصالحه من جهة، وبين الطبقة السلطوية وزعاماتها ومصالحهم من جهة أخرى. وما دامت طبيعة السلطة السياسية هي هي، فلا خروج للبلاد من المأزق والانحدار إلى عمق الهاوية، ولا استعادة لمصداقية فقدتها. فمعالجة العجز السنوي المتزايد في موازنة الدولة، لا يمكن أن تستقيم إلّا باستعادة المال المنهوب الذي يتجاوز الثلاثمائة وعشرين مليار دولار إن لم يكن اكثر، وفق معلومات مصادر أوروبية، وبوقف الهدر ونمط الصفقات والتحاصص. لقد وصلوا في ممارساتهم البشعة إلى تشويه السياسة والعمل السياسي، وجعلوا الناس تنقم على أحزابهم أيضاً، بوصفها أحزاب طوائف وسلطة، وهي ليست أحزاب وطن وشعب . لكل ذلك جرى الانفجار الشعبي متجليّاً في هذه الانتفاضة التاريخية، التي لم تكن منفصلة عن المسار الطويل لتحركات ونضالات قام بها جماهير شعبنا وكان الشيوعيون في صفوفها الأمامية. من تظاهرة إسقاط النظام الطائفي، إلى هيئة التنسيق النقابية، إلى تظاهرات الأول من أيار وأثناء بحث وإقرار موازنة 2019، وغيرها. وقد أسهمت كلها إلى جانب أشكال أخرى، كالندوات والاعتصامات والاحتفالات الجماهيرية، في عملية تراكم الوعي، وكشف ممارسات السلطة وفسادها ونظامها الطائفي العاجز. فتنامي هذا الوعي من جهة، والضائقة المعيشية وبطالة الشباب من جهة ثانية، ومحاولات السلطة فرض ضرائب جديدة على الطبقات الشعبية، أدّى إلى انفجار الغضب الشامل، بانتفاضة لم يسبق أن جرى في ضخامتها في تاريخ لبنان. لذلك رأى الشيوعيون أنّ الاحتفال بالعيد الـ95 لتأسيس حزبهم، هو في مواقع النضال، في الشارع مع شعبنا، الذي ناضل هذا الحزب طيلة السنوات التسعين من أجل حقوقه وقضاياه. فمسيرة هذا الحزب وتضحياته التي يعتز بها الشيوعيون، هي من عوامل انتفاضة شعبنا، ولتحقيق مطامحه في إقامة دولة وطنية ديمقراطية حديثة، دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية المنفتحة على أفق اشتراكي، بديلاً للدولة الطائفية، دولة المصارف وحيتان المال وزعامات الطوائف. إنّ هذا الانفجار الشعبي الكبير، وشموله كل المناطق اللبنانية، قد فاجأ الطبقة السلطوية وزعاماتها. فكانوا يستخفون بدور الشعب، ويستعظمون قدرتهم في لجم أو تكبيل اكثريته الساحقة، بالطائفية، والخدمات الفردية والتبعية لهم، وبدور عصا السلطة، لكن رغم تأثير ذلك، فقد أظهرت هذه الانتفاضة جرأة الجماهير وكسر حاجز الخوف. فالساحات والشوارع هي للشعب الذي سيخيف، من الآن وصاعداً، الطبقة السلطوية وفسادها. فالشعب الذي أوصلها إلى السلطة، هو الأقدر على محاسبتها. فالقمع والعنف الوحشي الذي مارسته أدوات السلطة مساء الجمعة 18 تشرين الأول/ أكتوبر في ساحة رياض الصلح، لم يرهب الناس. فكان الرد عليه بحشد مليوني في يومي السبت والأحد وبالحشود الضخمة نهار الاثنين. وبدون إحداث تغيير على صعيد السلطة السياسية، باستبدال حكومة الفساد بحكومة انتقالية تجري انتخابات برلمانية جديدة خلال أشهر وفق قانون انتخاب نسبي وفي الدائرة الوطنية وخارج القيد الطائفي، ستستمر المواجهة ويتواصل الصراع بأشكاله المختلفة. فالتغيير على صعيد السلطة السياسية، هو الطريق الأسلم لولوج مسار إصلاح جدي سياسيّاً واقتصاديّاً واجتماعيّاً، لأنّ الانسداد ومنع حركة التطور والتغيير الطبيعي يؤدي إلى انفجار الشعب بقوة أكبر. لقد حرّكت القضية الاجتماعية – الاقتصادية شعبنا فانتفض، وأظهرت أنّها أساس وحدة التحرك الشعبي ووحدة الهوية الوطنية، وأنّ الشرعية هي الشرعية الشعبية التي تجلّت في الشارع. وأنّ الشعب قادر على صنع التغيير.  

التراكم التاريخي لانتفاضة ١٧ أكتوبر

لم يكن الوصول إلى انتفاضة ١٧ تشرين الأول/ أكتوبر سهلاً بل سبقه مئات الحملات والتحركات بعناوين سياسية ومطلبية واجتماعية عديدة إلى أن تفجّر الغضب الشعبي في لحظة تاريخية. سيتطرق المقال إلى مراحل زمنية عدّة كان لها تأثير إيجابي على مستوى زيادة الوعي السياسي والطبقي لدى المواطنين وزيادة مستوى انخراطهم في الحياة العامة. أولاً: مرحلة التسعينيات – الحقوق المدنية تتصدّر إنّ إحدى النتائج السلبية للحرب الأهلية تمثّلت في وجود آلاف المخطوفين والمفقودين حيث لم تسعَ الدولة ومنذ تاريخ انتهاء الحرب إلى معالجة هذا الموضوع بجدية وبخاصةً بعد صدور قانون العفو العام. في خضمّ الحرب الأهلية (١٩٨٢) تأسّست لجنة أهالي المخطوفين في لبنان، وتلاها عام ١٩٩٠ تأسيس لجنة دعم اللبنانيين المعتقلين (تُعرَف باسم سوليد). نجحت اللجنة في ممارسة أشكال مختلفة من الضغط على صنّاع القرار، وكان عام ١٩٩٩ مفصليّاً لها، إذ تمّ إنشاء حملة "حقنا نعرف" وهي هيئة مدنية لدعم لجنة الأهالي وحضنها. بدأت الحملة بتنظيم اعتصامات بشكل أسبوعي قرب مقر مجلس الوزراء كمحاولة للضغط على السلطات لمعرفة مصير المخطوفين والمفقودين. فور انتهاء الحرب ودخول البلد في مرحلة السلم الأهلي، كان لا يزال عند السلطة السياسية خوف كبير من تنظيم الانتخابات البلدية، فكان من المفترض أن تتمّ الانتخابات البلدية فور تنظيم أوّل انتخابات تشريعية، أي عام ١٩٩٢. في أواخر العام 1997، أطلقت حملة "بلدي بلدتي بلديتي" بمبادرة من الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات، بالإضافة إلى منظمات شبابية وناشطين في الحقل العام وأكاديميين. الهدف الأساسي للحملة كان الضغط على السلطات اللبنانية لإجراء أول انتخابات محلّية في لبنان منذ العام 1963. عملت الحملة على تنظيم عشرات المحاضرات والحلقات التثقيفية والاعتصامات واستطاع منظمو الحملة جمعَ تواقيع مئة ألف مواطن. كان للحملة دورٌ أساسي في دفع الطبقة السياسية لتنظيم الانتخابات البلدية عام ١٩٩٨.خلال هذا العام أيضاً، بادر اتحاد الشباب الديمقراطي اللبناني إلى جانب قوى ومنظمات شبابية أخرى إلى إطلاق الحملة الوطنية لخفض سنّ الاقتراع إلى ١٨ عاماً. مارست الحملة أنواع عديدة من أساليب الضغط الشعبي من تنظيم لقاءات وتوزيع مناشير والضغط على صنّاع القرار باتجاه تعديل الدستور. ولعلّ أبرز تلك الأساليب كان جمع تواقيع ٨٩ نائباً في المجلس النيابي ينتمون إلى أحزاب سياسية مختلفة مؤيدة لهذا الحق. توّجَت الحملة تحركها خلال انتخابات العام ٢٠٠٠ حيث عمدت إلى وضع صناديق موازية لصناديق الاقتراع في مختلف المحافظات بهدف تحشيد الرأي العام للمطالبة بهذا الحقّ. ثانياً: فترة ٢٠٠٠- ٢٠٠٥: مطالب معيشية بالمفرّقكنتيجة مباشرة لسياسات الحكومات النيو-ليبرالية التي ترأسها الحريري، بدأت نتائج هذه السياسات بالتأثير على قطاعات واسعة من الشعب اللبناني وبالأخص الطبقة الفقيرة. عام ٢٠٠١، أقرّت الحكومة الضريبة على القيمة المضافة TVA فزادت أسعار جميع السلع والمنتوجات. في شباط ٢٠٠٢، بادر الحزب الشيوعي اللبناني والاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين إلى تنظيم مظاهرة ضخمة ضمّت آلاف المواطنين تنديداً بهذه الضريبة وبالسياسات الاقتصادية المتبعة من الحكومة آنذاك. عام ٢٠٠٤ وكنتيجة لزيادة أسعار البنزين نزل مواطنون يقطنون في منطقة حي السلم – إحدى مناطق الضاحية الجنوبية - ليحتجّوا على هذه الزيادة إلّا أن الجيش والقوى الأمنية قمعت هذه المظاهرة وأطلقت الرصاص على المتظاهرين مما أدّى إلى استشهاد 6 مواطنين وجرح 20 آخرين. خلال هذا العام أيضاً، نظّمت نقابات النقل البري اعتصامات احتجاجاً على زيادة أسعار المحروقات مطالبين الحكومة بتثبيت سعر الوقود. ثالثاً: حراك إسقاط النظام الطائفي (٢٠١١)أواخر عام ٢٠١٠، اندلعت الانتفاضات العربية بعد أن أضرم محمد بو عزيزي النار في جسده فحدثت انتفاضات في أكثر من بلد عربي مما ولّد ديناميات سياسية جديدة. في هذا السياق، تداعت في 27 شباط 2011 تيارات مدنية ومجموعات شبابية إلى تظاهرة انطلقت من الشياح ــ عين الرمانة وهو المكان الذي شهد بداية الحرب الأهلية. كرّت سبحة المظاهرات من بعدها فكان يوم الأحد موعداً أسبوعياً لمظاهرات اخترقت الأحياء الشعبية في بيروت رافعة الشعار الذي بات على كل لسان مواطن عربي "الشعب يريد إسقاط النظام". رفع المشاركون في هذه التحركات لافتات طالبت بدولة مدنية وقضاء عادل وقانون انتخاب نسبي وتأمين كافة الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين، إلّا أن وهج الحراك قد انطفأ بعد قرابة الثلاثة أشهر على انطلاقته. رابعاً: معركة سلسلة الرتب والرواتب (٢٠١٢- ٢٠١٤)عام ٢٠٠٨ تم تأسيس "هيئة التنسيق النقابية" كإطار نقابي ضمّ روابط الأساتذة والمعلمين في التعليم الرسمي ورابطة موظفي الإدارة العامة. خاضت الهيئة ومنذ تأسيسها معركة لرفع الأجور المجمدة منذ العام ١٩٩٧. عام ٢٠١١ رفعت الحكومة الحدّ الأدنى للأجور ليصل إلى ٦٧٥ ألف ليرة (ما يوازي ٤٥٠ دولاراً في الشهر). وبعد هذه الزيادة، طالب الأساتذة والمعلّمون وموظفو القطاع العام برفع رواتبهم وبدأ الضغط في الشارع لإقرار سلسلة الرتب والرواتب. استطاعت حينها هيئة التنسيق النقابية حشدَ عشرات آلاف الأساتذة والموظفين في ظاهرة لم يشهدها لبنان إذ توحّدت قواعد الأساتذة والموظفين متخطّين بذلك الانقسامات الطائفية والمذهبية في ما بينهم. كما أعلن موظفو القطاع العام الاضراب المفتوح وكان الأول من نوعه منذ انتهاء الحرب الأهلية. بين هذين العامين أيضاً، برزت تحركات قطاعية ونقابية عديدة كان أهمها إضراب مياومي مؤسسة كهرباء لبنان وإضراب عمال "سبينيس". خامساً: الحراك الشعبي (٢٠١٥)كنتيجة مباشرة لإقفال مطمر الناعمة وعدم إيجاد الدولة لحلول مناسبة لمعالجة النفايات المستخرجة من بيروت وجبل لبنان، تكدّست كميات كبيرة من النفايات في شوارع العاصمة مما أدّى إلى سخط شعبي واسع وظهر للمواطنين بشكل جلي عدم جدية السلطة بمعالجة هذا الموضوع. فكان أن أقيمت تظاهرات واعتصامات في الناعمة وبرجا وبيروت خلال تموز ٢٠١٥. في ٢٢ آب، نظّمت قوى ومجموعات الحراك المدني اعتصاماً في ساحة رياض الصلح تحوّل إلى حشد شعبي غير مسبوق لتنهال القوى الأمنية من بعدها على المتظاهرين بالضرب مستخدمةً شتّى أساليب القمع وصلت إلى حدِّ إطلاق الرصاص المطاطي والحي، فوقع العديد من الجرحى آنذاك. ذروة هذا الحراك كانت في ٢٩ آب حيث امتلأت ساحة الشهداء بآلاف المتظاهرين. وحّدَ هذا الحراك اللبنانيين بعناوين مطلبية وبيئية واضحة لكن سرعان ما خفّ وهجه بسبب عدد من العوامل الذاتية والموضوعية، إلاّ أن هذا الحراك خلق فضاءً عاماً للعمل السياسي وكسر الكثير من التابوهات كما قدّم حلولاً علميةً لكيفية معالجة مشكلة النفايات ودفع بالمشاركين فيه إلى التأثير على مستوى عملية صنع القرار وزاد من الرقابة الشعبية على سياسات الحكومة، وبالأخص البيئية منها. في الطريق إلى ١٧ أكتوبرالثلاثاء في ١٥ تشرين الأول/ أكتوبر، اندلع ما مجموعه ١٠٣ حرائق في مناطق مختلفة في لبنان. وكالعادة كانت الدولة مقصرّة تجاه كارثة طبيعية بهذا الحجم. وزاد الطين بِلّة أن الطوافات الثلاث التي استقدمتها السلطات الرسمية لإطفاء هذه الحرائق جميعها خارج الخدمة ولم تخضع للصيانة اللازمة منذ تاريخ جلبها عام ٢٠٠٩. ولّد هذا الامر استياءً شعبياً واسعاً أدّى بالمواطنين إلى إنشاء مجموعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي لمساعدة الأهالي المتضرّرين من الحرائق. زاد منسوب التضامن الإنساني وأدرك اللبنانيون حينها أن عدوّهم الأساسي هو السلطة السياسية بكلّ مكوّناتها. ويوم الأربعاء في ١٦ تشرين الأول/ أكتوبر، اجتمع مجلس الوزراء للبحث في تأمين واردات للدولة لموازنة العام ٢٠٢٠ والتي كانت حينها قيد التحضير. اقترح وزير الاتصالات، محمد شقير، فرض ضريبة قُدّرت بـ ٢٠ سنتاً على كل اتصال يومي على تطبيق "الواتساب"، أي ما يعادل ستة دولارات شهرياً، ووافق على هذا الاقتراح مجلس الوزراء مجتمعاً. كان هذا الأمر كافياً لأن تندلع ثورة الفقراء في لبنان وسرعان ما عمّت الانتفاضة الشعبية كل لبنان تتويجاً لمسار طويل من المواجهة مع طبقة سياسية أخذت البلد باتجاه الانهيار، وأحدثت فيه فقراً وبطالةً وهجرةً وتفاوتاً في توزيع الدخل والثروة.  

انتفاضة 17 أكتوبر أشعلت الساحات

 
"لبنان ينتفض" ليس مجرّد وسم حلّ في المرتبة الأولى على مواقع التواصل الاجتماعي في لبنان، بل هي ثورة فعلية انطلقت نواتها جرّاء تراكمات نضالية متعدّدة لمواجهة الطغمة الحاكمة وسياساتها الاقتصادية وبخاصّة الضرائبية المجحفة بحقّ الفقراء، بهدف تغيير هذه السلطة السياسية الحاكمة التي لا تستطيع إلاّ أن تكون سلطة محاصصة ومحسوبيات،وصولاً إلى بناء الدولة المدنية الديمقراطية والعلمانية. فكانت شرارتها الأولى في التظاهرة الشعبية التي أقامها الحزب الشيوعي اللبناني في 16 كانون الأول 2018 تحت شعار "إلى الشارعللإنقاذ في مواجهة سياسات الانهيار".واستتبعها "الشيوعي" بتأليف "الحراك الشعبي للإنقاذ" ضمّ عدداً من القوى الوطنية والمدنية، نفّذ عدة تظاهرات وتحركات شعبية بعنوان "لا ثقة" رفضاً لمشروع موازنة 2019. ناهيك عن تحركات سابقة وأبرزها: حراك "هيئة التنسيق النقابية 2013" الذي نجحت أحزاب السلطة في ضربه، وحراك إسقاط النظام الطائفي 2011وحراك أزمة النفايات 2015الذي ما زال مستمراً في مجابهة سياسات السلطة بإنشاء مطامر ومحارق غير صحية فيها. إضافة إلى معركة "الشيوعي" في الانتخابات النيابية الماضية وإطلاقه البيان الوزاري البديل.أما المعركة الثانية، فأطلقها "الحزب الشيوعي" في أوائل تشرين الأول/ أكتوبر الماضي بعنوان "لا إنقاذ من دون تغيير، ولا تغيير من دون مواجهة"، بهدف تغيير هذه السلطة السياسية المتمسكة بنمط اقتصادها الريعي الذي ثبت فشله يوماً بعد يوم، والذي تتحمّل السلطة مسؤوليته كاملة عبر حكوماتها ومجالسها النيابية المتعاقبة عمّا أوصلت إليه البلاد من الإنهيار المالي والنقدي، وألقت بنتائج سياساتها على عاتق الفئات الشعبية والعمالية وأصحاب الدخل المحدود،حيث باتت الهندسات المالية الخاصة لمصرف لبنان تساوي هندسة إفقار الناس وإغناء المصارف.وترجمت المواجهة على الأرض عبر تحركات احتجاجية ومطلبية نفّذها قطاع الشباب الطلاب في الحزب الشيوعي اللبناني؛ منها معركة الدفاع عن الجامعة اللبنانية ضدّ السياسات المتواصلة لضربها عبر خفض موازنتها، ثم اقتحام مقر الاتحاد العمالي العام (التابع للسلطة) تحت عنوان "تحرك النقابي الياس الهبر" في 11 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وصولاً إلى التحرك الاحتجاجي على مصرف لبنان المركزي وجمعية المصارف والسرايا الحكومية في 13 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، للإضاءة على أن المسؤولين عن الوضع الاقتصادي المزري في لبنان يتمثّل بالثلاثي: المصارف والمصرف المركزي والسلطة السياسية، وهم المسؤولون عن تحويل الثروة من الناس، الفئة القليلة، طبقة الـ 1 %. وتمحورت مطالب هذه التحركات حول التحذير من الذهاب إلى الانهيار، والعمل على إنقاذ البلد عبر اتخاذ خطوات جذرية، وهي زيادة الضرائب على أرباح المصارف والفوائد والأرباح العقارية، وأن تتوقف الدولة عن دفع فوائد الدين العام للمصارف لمدة معينة، إذ أنها تدفع كلّ سنة ثلث إنفاقها للمصارف كخدمة للدين العام حيث يبلغ أكثر من 6 مليار دولار سنوياً. الصراع طبقي"الوطن للعمال، تسقط سلطة رأس المال"، "ثوّار، ثوّار، سنعبر"، "الشعب يريد إسقاط النظام"، و"يسقط يسقط حكم المصرف"، "لا ثقة، استقيلوا" و"كلن يعني كلن"، بهذه الهتافات توحّد الشعب اللبناني بكافّة مكوّناته في طُرق وساحات الوطن وفي كلّ بلدان الاغتراب وعلى كلّ خطوط المواجهة، في الليل والنهار وللأسبوع الرابع على التوالي، احتجاجاً على سياسات الحكومة وتسريبات مقررات مشروع موازنة 2020، والتي ستفرض على فقراء الوطن لسدّ العجز المالي الذي أغرقت السلطة به البلد.وها هي "انتفاضة 17 أكتوبر"، تدخل أسبوعها الرابع على التوالي وما زالت مستمرة، لتؤكد أن الشعب اللبناني عابر لمناطقه وطوائفه بكلّ مكوّناته على امتداد مساحة الوطن، توحّد في الشارع دفاعاً عن حقّه بالخبز والعلم والكرامة والحرية، فامتلأت الساحات بمليوني مواطن لمواجهة هذا النظام السياسي الطائفيوها هي الساحات غصّت بمواطنين يعقدون حلقات حوارية وندوات يومياً، ويطالبون بحقهم بالعمل، ضمان الشيخوخة، السكن، الضمان الصحي الاجتماعي، تعزيز التعليم الرسمي، البنى التحتية، وتأمين الكهرباء والماء والبيئة الصحيةوللنساء، في هذه التظاهرات، مطلب محق وهو منح الجنسية اللبنانية لأولادهن حتى أن الطلاب لقنوا في الساحات دروساً في التربية والوطنية والإصرار على استرجاع حقوقهم بتعليم نوعي، ومستقبل لائق. سياسات القمع والبلطجةأما محاولات السلطة للالتفاف على الانتفاضة الشعبية عبر إصدارها ما أسمته بـ "الورقة الإصلاحية" فباءت بالفشل، ورفضها الشعب ليثبت أنه أصبح أكثر وعياً، لا يمنح ثقته بعد اليوم لهذه السياسات ووعودها الزائفة.أما التحوّل الأبرز في هذ الحراك برز في صموده بمناطق تسيطر عليها أحزاب السلطة، والتي عمدت إلى ترهيب المحتجين والاعتداء عليهم وتهديدهم (النبطية، بنت جبيل، صور، بيروت في ساحتي رياض الصلح والشهداء وجسر الرينغ)، ناهيك عن القمع الوحشي من قبل عناصر القوى الأمنية واعتقال عدد من المعتصمين سلمياً أقدموا على قطع الطرقات بأجسادهم.أما ردّ المتظاهرين على هذه البلطجة فكان في تضاعف أعدادهم في الساحات وإصرارهم على مواصلة الانتفاضة الشعبية، إضافة إلى زيادة عزيمتهم بالتمسّك بمطالبهم وتصعيد التحرك بكلّ أشكال المواجهة وسُبلها، ضدّ هذه السلطة الغاشمة والمفلسة، والمعتدية على الحريات العامة للمواطنين، الساعية إلى إقامة دولة الفدراليات المذهبية.أما محاولات تخوين المتظاهرين في بعض المناطق ولا سيّما الجنوب ووصف تحركهم أنّه في وجه المقاومة، ردّ عليها الشيوعيون حينها "أن واجب تحرير الوطن من هذا النظام ومواجهة سياسات الهدر والفساد والنهب والمحسوبيات هو فعل مقاوم أيضاً، لأن " التحرير والتغيير لا ينفصلان وهما مقاومة". النصر الأول والانتصارات المرتقبةأما خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الذي ترافق مع هجوم لأنصاره على اعتصام ساحة رياض الصلح، فهو أيضاً لم يُرهب المعتصمين حتى في تهديده المبطن بـ "اللاءات الثلاثة": "لا نقبل بتقصير الولاية الرئاسيةولا نوافق على استقالة الحكومةولا نقبل بانتخابات نيابية مبكرة".وتكلّل اليوم الثالث عشر من الانتفاضة بتحقيق النصر الأول وهو إعلان سعد الحريري استقالة حكومته، والذي اعتبرها "الشيوعي" في بيانه الأخير أنها "الخطوة الأولى لإسقاط كلّ منظومة السلطة مجتمعة، المسؤولة عن الأوضاع التي وصلت إليها البلاد، بفضل سياساتها المتبعة. فالمشكلة الأساس تكمن في الطبيعة السياسية للنظام الطائفي الحاكم وفي رموزه الممسكين به؛ فهو نظام التبعية السياسية والارتهان إلى الخارج، والمنحاز لسلطة رأس المال والمستجيب لمتطلباتها"، معلناً رفضه "مصادرة الانتفاضة الوطنية وسرقتها لمصلحة سلطة مأزومة وعاجزة، من خلال إعادة شدّ العصبيات المذهبية والانقسامات الطائفيةالتي، ولأول مرة، تمكّنت الانتفاضة الشعبية من تجاوزها".وأكد البيان على أن "الشعب اللبناني قال كلمته، لا شرعية لمنظومتكم السياسية، كفى تلاعباً على وتر الانقسام الطائفي وتوتير الشوارع من خلال المسيرات المذهبية والفئوية، هكذا فعلتم منذ الطائف وحتى اليوم، تحمّلوا نتائج أفعالكم واستقيلوا"، داعياً إلى أن تبقى "ساحات الاعتراض قائمة ويقظة من أي محاولة لإجهاض ما تحقق ولمنع أي محاولة لتوتير الأجواء المذهبية مجدّداً لتوظيفها في حفلة الجنون الطائفية التي تبرع قوى السلطة في اللعب عليها".إلّا أن استقالة الحكومة، كانت المطلب الأول للحراك، الذي يصرّ على استكمال المواجهة تحت شعار "الشعب يريد إسقاط النظام"، عبر تشكيل حكومة وطنية انتقالية من خارج المنظومة السلطوية الحالية، وذات صلاحيات استثنائية وتكون مهمتها: إجراء انتخابات نيابية مبكرة خارج القيد الطائفي، استناداً إلى الدستور اللبناني (المادة 22)، واتخاذ كلّ الإجراءات المطلوبة لاستعادة المال العام المنهوب، ورفع السرية المصرفية عن كلّ الذين تولّوا مسؤولية الشأن العام، ومساءلة الذين استفادوا عن غير حقّ من الهندسات المالية، إلى جانب الذين تراكمت ملفاتهم في خزائن النيابة العامة المالية، وإسقاط بنود "سيدر" ومندرجاته، من قرارات خصخصة كلّ مؤسسات الدولة من كهرباء واتصالات ومنشآت نفطية، فضلاً عن كازينو لبنان والريجي وشركة طيران الشرق الأوسط وعن بيع عقارات الدولة والخطط المبيّتة لتقاسم ثروات النفط والغاز، وصولاً إلى وضع نظام ضريبي تصاعدي جديد يطال الأرباح الرأسمالية والفوائد والريوع والثروة. مستمروننعم، مستمرون، ثورتنا مستمرة في وجه سياسات الثورة المضادة الفاشلة. وسنبقى في الساحات حتى إسقاط هذه السلطة السياسية التي أوصلت البلاد إلى الإنهيار المالي والنقدي، عبر حكوماتها ومجالسها النيابية المتعاقبة، والتي ترفض أن تتحمّل المسؤولية وتستقيل؛ فهي تعترف بفشلها ولكنها لا تستقيل، متجاهلة نزول مليوني لبناني إلى الشوارع.مستمرون لأن ورقتهم الإصلاحية خالية من الإصلاح ولم تقنعنا. وأيضاً استخدام القمع والترهيب والتهديد واستخدام القوة ضدّ المتظاهرين لم يرهبنا. أما رهانهم على كسب الوقت لتأليب الرأي العام ضدّ الانتفاضة بأساليب مختلفة، عبر تصوير الأمور وكأن الانتفاضة هي التي تسبّب الإنهيار والفوضى وتعطيل الحياة الطبيعية في البلاد، فهو فاشل أيضاً.لنا الساحات وانتفاضتنا إلى التصعيد والتنظيم أكثر نحو تشكيل لجان عمل مشتركة تكون مشروعاً ثورياً لغدٍ أفضل، لبناء دولة وطنية ديمقراطية.نعم، "الشعب أراد فاستطاع"وهو الخط الأحمر. وهذه المرة لن تنفع معه سياسة الالتفاف والوعود أو المماطلة.

المرحلة الانتقالية: الرؤية والبرنامج

 
تحيّة إكبار إلى المنتفضين والرفاق جميعاً، المتواجدين في الشوارع والساحات ليل نهار على امتداد مساحة الوطن طيلة شهر بكامله، وهم يصنعون وحدتهم بكرامتهم ودفاعهم عن رغيف خبزهم وحريتهم. وهم واثقون في قدرتهم على تحقيق أحلام شعبهم وآماله وطموحاته، ويتقدّمون بشجاعة وثبات قلّ نظيرهما، لا يهابون اعتداءً ولا بلطجةً سلطوية وميليشياوية، وتحت هدير أصوات حناجرهم يبزغ فجرٌ جديدٌ لطالما انتظرناه مع "أجمل الأمهات التي انتظرت ابنها وعاد مستشهداً".